مؤسساتنا مهددة بالإفلاس الإداري!
لا يخفى على أحد أنه خلال السنوات الثلاث الأخيرة تضاعف عدد الخبرات والكفاءات السورية المهاجرة للخارج، علماً أن قوافل الهجرة بدأت بشكل واضح منذ بداية الحرب على سورية، سواء هجرة شرعية أم غير شرعية عبر الحدود، والمقلق أن هذه الهجرة استنزفت خيرة كفاءاتنا وخبراتنا في كل المجالات، وخاصة الخريجين في الجامعات أصحاب الاختصاصات الطبية والهندسية، لدرجة أن الكليات الطبية في جامعاتنا كافة، وخاصة كلية الطب البشري بجامعة دمشق كادت تخلو من كادرها التدريسي مما أوقع الطلبة في مشكلة ما تزال الكلية تعاني من آثارها لغاية اليوم، يضاف إلى ذلك هجرة أصحاب المهن والحرف الذين أبدعوا في مجال عملهم لكنهم لم يجدوا من يقدّر هذا الإبداع ويحافظ على استمراريته..!.
ما يُحزن ويؤلم بذات الوقت أن ذلك يحدث وسط استمرار غياب واضح لرؤية إستراتيجية لإدارة الموارد البشرية في مختلف مؤسساتنا الرسمية على اختلاف مستوياتها ومجالات عملها، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الذي يمنع من وضع الخطط والبرامج التي تمكننا من استثمار طاقات وقدرات كوادرنا بشكل صحيح والاستفادة منها في المكان والزمان المناسبين؟
للتذكير!
منذ أكثر من عامين كشف مدير التنمية الإدارية والموارد البشرية في رئاسة مجلس الوزراء في حوار على الفضائية السورية، عن غياب الرؤية الإستراتيجية لإدارة الموارد البشرية في مختلف مؤسساتنا الرسمية على اختلاف مستوياتها، وكانت الكوادر الوطنية المبدعة والمنتظرة لدورها تمني النفس بأن يكون هذا الاعتراف الصريح شرارة الانطلاق لاستثمار طاقاتها وزجها في العمل، لكن للأسف بقي الغياب مستمراً ولا حس ولا خبر!.
بالاسم فقط!
الكلام السابق للمسؤول الحكومي أكده عميد المعهد العالي للتنمية الإدارية بجامعة دمشق الدكتور سامر المصطفى بقوله: لا توجد لدينا أصلاً إدارة للموارد البشرية في مؤسساتنا الحكومية تطبق مفهوم ومبادئ الموارد البشرية بشكل سليم، هي فقط إدارات موجودة بالاسم وليس بمضمون أنشطة الموارد البشرية، لذا تسميتها أقرب لإدارة أفراد وليس إدارة موارد بشرية وتنميتها وتوظيفها بالشكل المطلوب!.
لم يتم استثمارهم!
وتساءل خبراء إداريون عن سبب عدم الاستفادة من الكوادر التي تم تأهيلها في المعهد العالي لإدارة الأعمال “هبا”، علماً أن مؤسساتنا على اختلاف أنواعها بأمس الحاجة لها في لإنجاح الإصلاح الإداري والسعي لتحقيق الجودة في الإنتاج!.
وبرأيهم أن وزارت التعليم العالي والبحث العلمي والخارجية والمغتربين والتنمية الإدارية تحتاج لبذل جهود كبيرة لإعادة العقول والكفاءات السورية المهاجرة، أهمها تأمين بيئات مناسبة للعمل، مشيرين إلى إيفاد مئات الكوادر إلى الخارج لنيل تخصصات علمية نادرة لكن عندما تعود يتم حشرها في أماكن لا علاقة لاختصاصهم بها، وبرأيهم هذا أهم سبب في ما يحدث من فساد إداري وخلل في الإنتاج نظراً لغياب الرجل المناسب، لذلك لا عجب أن تفلس مؤسساتنا إدارياً وتغيب عنها الإدارات الرشيقة التي تتماشى مع أي ظرف وتحقق النجاح بالعمل!.
على المقلب الشبابي
لم يتردد أحمد /طالب حقوق/ في القول: مشكلتنا نحن الشباب أن لا احد يثق بقدراتنا، بل لا نجد من يفسح لنا المجال لإثبات ذلك، متسائلاً: لماذا ينجح الشاب السوري عندما يغادر البلد؟، ودلل أحمد على ذلك بأمثلة كثيرة لقصص نجاح شباب سوريين في مختلف المجالات في الخارج، مبدياً حزنه على عدم الاستفادة أو استثمار خيرات وخبرات ابن البلد على حد قوله.
ولم تذهب زميلته نجاح بعيداً بالقول: أصعب شيء أن تُجبر أصحاب الكفاءات والقدرات على الإبداع على وضع أحلامهم في ثلاجة التأجيل، والأصعب أن يجمعوا أحلامهم ويرحلون إلى غير رجعة!.
سؤال مشروع
وتساءلت ندى خريجة في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق: ما فائدة ارتفاع نسب القبول في الجامعات واستيعاب كل من ينجح إذا لم نخطط لتوظيف المخرجات في عملية التنمية المستدامة؟، مشيرة إلى وجود هدر حقيقي للطاقات الشابة سواء من خلال البطالة المقنعة التي تثقل بها مؤسساتنا العامة، أو التهميش أو التجميد لقدرات الشباب مما يدفعهم للهجرة لعلها تحقق أحلامهم المؤجلة!.
بيئات طاردة!
وحمّل عدد من طلبة الدراسات العليا باختصاص الإدارة مسؤولية تبعثر أحلام الشباب وتهافتهم باتجاه الهجرة للإدارات الفاشلة، فهي برأيهم لم تتعامل بشكل ايجابي مع ما يتعلق بالتوظيف المناسب للكادر البشري أو التصرف في الموارد المالية والاقتصادية المتاحة لاستثمارها في المكان الصحيح لجهة فتح فرص عمل للشباب، عدا عن أنها جعلت المؤسسات بيئات طاردة للكفاءات!.
وذهب بعضهم لاتهام الإدارات بعدم فهمها الصحيح لمفهوم إدارة الموارد البشرية المعنية باستقطاب الأفراد، بطريقة فعّالة، وإيجاد الفرص المناسبة لها لإحداث القيمة المضافة في الإنتاج، بمعنى ليس لدينا لغاية اليوم الخبرة الكافية في التعامل مع الموارد البشرية وتوظيفها بالشكل الذي يحقق الأهداف، لجهة الاستقطاب والتكوين ،وإدارة الأداء، والقياس والتقييم، والتدريب المستمر، وأخيراً الدعم المادي الذي يليق بجهدها.
بالأرقام
في عام 2011 كانت نسبة البطالة في سورية بحدود 8%, حسب الإحصاءات الرسمية، ارتفعت خلال سنوات الحرب لتصل في عام 2013 لما يزيد عن 56% , وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات رسمية لنسب البطالة خلال السنتين الأخيرتين لكنها بكل تأكيد تفوق الـ 60% بحسب آراء عدد من المختصين خصوصا بين الخريجين في الجامعات والمعاهد التقانية، والخطير أن العاطلين عن العمل هم من خيرة الكفاءات والخبرات القادرة على إيجاد المخارج والحلول لمشاكلنا والسير وإن كان ببطء نحو تحقيق الأهداف التنموية!.
الكل متفق
بالمحصلة، لا يمكن الرهان على الإصلاح الإداري لجهة “النهوض الشامل في الأداء الإداري والعمل المؤسساتي للوزارات والهيئات والمؤسسات العامة في المرحلة القادمة ومكافحة الخلل الإداري بكل جوانبه” ونحن في ظل هكذا وضع من خلال ما تم الإشارة إليه فيما سبق، إن من يريد تحقيق هذا الهدف يحتاج أولاً لرؤية إستراتيجية بعيدة المدى تضع خارطة للموارد البشرية الموجودة بشكل تفصيلي ودقيق في كل مجالات التنمية، فلا يستوي أن نتحدث عن تنمية الموارد وأهمية استثمارها إن لم يكن بالأساس لدينا إدارة ناجحة للتنمية البشرية لأن بذلك نزيد الأمور سوءاً وتعقيداً، ففاقد الشيء لا يعطيه، ورغم كل ذلك لا نشك بإمكانية أن نُحدث التغيير المنشود وإن كانت الطريق وعرة، ولكن بشرط أن نحسن اختيار الأداة الإدارية الناجحة والقادرة على إحداث الفرق الايجابي وتعرف كيف تستقطب وتوظف بشكل صحيح الموارد البشرية من خلال إتباع إجراءات موضوعية في اختيار العاملين وتوظيفهم، وتأمين بيئات عمل ضامنة للارتقاء نحو الأفضل، وصولاً إلى تطبيق مختلف السياسات والممارسات الحديثة الواعدة لإدارة الموارد البشرَّية.
غسان فطوم
إضافة تعليق جديد