تداعيات العملية العسكرية التركية في الشمال السوري
رغم التحذيرات الدولية، لا يزال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يصر على شن عملية عسكرية جديدة في الشمال السوري، يقول إنها تأتي لضمان الأمن على الحدود الجنوبية التركية.
وقال أردوغان، اليوم السبت في اجتماع التشاور والتقييم الثلاثين لحزبه، حزب العدالة والتنمية: “بدرع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام ودرع الربيع ومخلب لوك، حطمنا ممر الإرهاب الذي حاولوا إقامته على حدودنا الجنوبية”، بحسب ما ذكرت وكالة “الأناضول” التركية.
وقبل يومين اتهمت وسائل إعلام سورية، القوات التركية بمواصلة الاعتداء على قرى وبلدات في ريف الحسكة الشمالي. ونقلت وكالة الأنباء السورية (سانا)، عن مصادر محلية، قولها إن ما وصفتها بـ”قوات الاحتلال التركي والإرهابيين المدعومين قصفتا بالمدفعية قريتي أم حرملة ودادا عبدال شمال بلدة أبو راسين بريف الحسكة الشمالي الغربي”.
وطرح البعض تساؤلات بشأن العملية العسكرية التركية المحتملة في سوريا، وتداعياتها السياسية والعسكرية، في ظل رفض المجتمع الدولي لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، التي حذرت أنقرة من الدخول فيها.
تهديدات تركية
وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الأربعاء، أن بلاده بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في عملياتها العسكرية شمالي سوريا.
وأوضح أردوغان خلال كلمة أمام كتلته الحزبية في البرلمان: “نحن بصدد الانتقال إلى مرحلة جديدة في قرارنا المتعلق بإنشاء منطقة آمنة على عمق 30 كيلومترا شمالي سوريا، وتطهير تل رفعت ومنبج من الإرهابيين”.
في المقابل، احتجت سوريا في رسالة بعثتها وزارة الخارجية إلى كل من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، ومجلس الأمن، على نية تركيا شن عملية عسكرية داخل أراضيها.
واعتبرت الخارجية السورية أن أي عمل عسكري تنفذه تركيا داخل الأراضي السورية هو “عمل من أعمال العدوان ونشاط استعماري”.
أهداف تركية
اعتبرت أماني السنوار، الباحثة في العلاقات الدولية المقيمة في إسطنبول، أن التصريحات الرسمية التركية وبعض التحركات الميدانية على الأرض تشي بارتفاع حظوظ عملية عسكرية من هذا النوع، تركز على شرق الفرات وتحديدًا منطقتي من منبج وتل رفعت.
وبحسب حديثها لـ “سبوتنيك”، تهدف تركيا من عملية كهذه إلى تحقيق ما عجزت عنه في عملية نبع السلام في السابق لصالح إنشاء منطقة آمنة ما بين الحدود التركية والسورية بعمق 30 كيلو مترا، من أجل إيقاف الهجمات وتهريب الأسلحة والمقاتلين عبر الحدود، بالإضافة إلى ذلك تهدف أيضا إلى توفير منطقة مستقرة وآمنة تسهل عملية إعادة توطين قرابة مليون لاجئ سوري من المقيمين على الأراضي التركية حاليا في منطقة الشمال.
وترى السنوار أن هدف إعادة توطين اللاجئين السوريين اكتسب زخمًا خلال الشهور القليلية الماضية، وخرجت الكثير من التصريحات الرسمية، بعضها على لسان الرئيس التركي أردوغان تتحدث عن هذه الفكرة، وهي طبعا فكرة مفهومة اليوم بمتابعة السياسات الداخلية التركية وارتفاع حساسية ملف اللاجئين والاحتقان الذي يسببه هذا الملف على الصعيد الداخلي لا سيما مع اقتراب الاستحقاق الانتخاببي بعد عام من الآن.
وأكدت أن عملية من هذا النوع ستعيد الزخم إلى الملف السوري من جديد بعد أن تراجع الزخم حوله خلال الشهور القليلة الماضية، بسب إدارة بايدن وتحول اهتمامها بعيدًا قليلا عن الشرق الأوسط، إضافة لمسألة التركيز الدولي على الحرب الأوكرانية الروسية.
وتابعت: “تركيا تدرك جيدا أن الحرب في أوكرانيا يمكن أن تخدم أهدافها في سوريا فهي ترى بأن روسيا اليوم تركز أكثر على الملف الأوكراني، ما يخلق نوعا من الفراغ تستطيع تركيا أن تتحرك خلاله بما يحقق أهدافها التي تخص الأمن القومي التركي، كما تدرك أن الملف الأوكراني أيضا ساعدها في تقوية أوراق قوتها في مقابل الجانب الأمريكي والكتلة الغربية بشكل عام من خلال الدور الحيوي الذي تلعبه في الوساطة ومن خلال أيضا الفيتو الذي تفرضه داخل حلف الناتو”.
وبحسب السنوار، عملية عسكرية من هذا النوع يجري التحضير لها ميدانيًا على الأرض ودبلوماسيا من خلال تحركات غير معلنة، وأخرى عبر تصريحات معلنة من قبل المسؤولين الأتراك من أجل أخذ ضوء أخضر من الجانب الأمريكي من أجل الشروع في هذه العملية، مستبعدة أن تكون هذه العملية ضخمة مثل عملية غضن الزيتون أو درع الفرات لكنها ستكون محدودة أكثر ذات أهداف محددة ومناطق عسكرية محصورة أكثر.
سيناريوهات المواجهة
بدوره قال الدكتور أسامة دنورة، الخبير السياسي والاستراتيجي السوري، إن أردوغان يقرأ في الظروف الدولية الحالية فرصة مؤاتية ليصيب عدة أهداف بحجر واحد، فعلى الصعيد الداخلي يسعى لإحراز نقاط ترفع شعبيته في المواجهة الانتخابية المقبلة، فهو يدرك حجم تأثير أزمة اللاجئين على الرأي العام التركي، لاسيما في ظل التدهور الاقتصادي، ويدرك أنها ورقة رابحة بيد المعارضة، ومضرة للغاية لشعبيته ولشعبية حليفه الرئيس حزب الحركة القومية.
وبحسب حديثه لـ “سبوتنيك”، الحديث عن إعادة مليون لاجئ إلى سوريا يعني أنه بصدد حل المشكلة التي أنتجها عقد من سياساته الداعمة للاقتتال في سوريا، من جانبٍ آخر فإن عملية عسكرية ضد الأكراد لطالما كانت رافعة لشعبية وحظوظ أي سياسي تركي يقوم بتنفيذها، لاسيما لدى القاعدة الشعبية المتشددة قوميا.
وتابع: “بقدر ما يبدو أردوغان قد برع في اقتناص الفرصة وانتهاز الظرف، تبدو العوائق في المقابل صعبة التجاوز، فالتحذيرات والتصريحات الأمريكية من جهة، وتكثيف الحضور العسكري الروسي الجوي والبري من جهة أخرى، يرسمان حدودًا واضحة أمام حرية حركة قوات أردوغان، كما أن استمرار الحالة غير الشرعية الميليشياوية تحت الدولانية المتمثلة في “قسد” من شأنه أن يبقي الذريعة التركية حاضرة بصورة متجددة، وفي التاريخ القريب فشلت الولايات المتحدة (أو أنها لم ترغب) بمنع عملية احتلال عفرين، وبالتالي لا يمكن في الحقيقة ضمان عدم قيام الأتراك بعملية مماثلة إلا عبر انتشار الجيش العربي السوري صاحب الأرض والسيادة في مواجهة الأتراك”.
أردوغان يدرك جيدًا -والكلام لا يزال على لسان دنورة- أنه ليس مطلق اليد في العملية التي يهدد بها، ولكنه مضطر في المقابل إلى تحصيل أية مكاسب تساعده في النزول عن شجرة التهديد بالعملية العسكرية والمنطقة الآمنة، وهنا يكون السيناريو الأقرب ترجيحًا لتفادي المواجهة هو انتشار جديد للجيش السوري في مواجهة جيش نظام أردوغان، وإذا رفضت أمريكا ومعها قسد فسنرى على الأغلب عملية عسكرية محدودة ترفع موقف أردوغان التفاوضي من موقع القوة، وقد يتلوها عندئذٍ نوع من الحلول الوسط التي يمكن أن تجنب كل الأطراف مواجهة اكثر اتساعًا من حيث العمق والشدة.
وأكد أنه في البعد الاصطلاحي لا يتفق مفهوم “المنطقة الآمنة” المزعومة مع مفهومها الطبيعي، فالأماكن التي يحتلها الجيش التركي ومرتزقته هي النقيض الفعلي والتام للاستقرار والأمان، والاشتباكات وعمليات القصف والتصفية المتبادلة بين الميليشيات الإرهابية المدعومة من الأتراك، أما الأماكن الآمنة الحقيقية فهي تلك المحررة، والتي عادت إلى سيطرة الدولة السورية، حيث يسود الأمن والاستقرار.
ويرى دنورة أيضا، أن مفهوم “المنطقة الآمنة” المطروح من قبل الأتراك لا يتفق مع المفهوم الذي كان سائدًا في مطلع حقبة ما تسمى بالربيع العربي، فليست منطلقا أو عمقا استراتيجيا للعصابات الإرهابية لتقوم منها بالانطلاق إلى باقي الأراضي السورية، بل مفهومها اليوم أقرب ما يكون إلى الحزام الأمني، فبالإضافة إلى محاولة أردوغان التخلص من عبء جزء من اللاجئين عبر إعادتهم المفترضة، يريد أن يجعل من هذه المنطقة حزاماً يستعمل فيه مرتزقته من الإرهابيين كحاجز يحول بين جيشه وبين المقاومة التي تستهدف وجوده الاحتلالي، أو تلك التي تندرج في إطار الصراع العسكري الكردي – التركي.
وبحسب الخبير السوري، هذا يعني أن النظام التركي يريد مجدداً الهروب إلى الأمام، بدلاً من أن يتبنى مفهوم الأمن الجماعي غير القابل للتجزئة في المنطقة، وأن ينهي دوره في زعزعة الاستقرار السوري، فتلك المقاربة هي الوحيدة الكفيلة بتحقيق الأمن على جانبي الحدود عبر العودة إلى اتفاقية أضنة أو أي صيغة تكون مطورة عنها، بحيث تحقق احترام السيادة السورية، وتساهم في إعادة مسؤولية ضبط الحدود بالكامل إلى الدولة السورية ومؤسساتها السيادية.
وتسعى تركيا من خلال عملياتها العسكرية في الشمال السوري إلى إنشاء “منطقة آمنة”، بدعوى حمايتها من هجمات حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره أنقرة جماعة إرهابية.
وتعد المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا والتي تسيطر عليها المجموعات المسلحة، سوقا مفتوحة لعمليات تهريب الأسلحة والذخيرة من الأراضي التركية باتجاه سوريا، حيث يتم تخزين القسم الأكبر منها داخل مستودعات على الحدود المشتركة تمهيدا لإدخالها وبيعها في مدينة إدلب، وفقا للطلب.
سبوتنيك
إضافة تعليق جديد