ما هي مستجدات الخطة الصهيونية للشرق الأوسط
الجمل: وردت فقرة في الورقة الاستراتيجية رقم 474 التي أصدرها المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، تقول: (إن القيام بعملية تغيير النظام هي هدفنا وغايتنا التي نسعى لتحقيقها في كل من لبنان وسوريا. وقد كتبنا منذ وقت طويل بأن هناك ثلاثة طرق يمكن استخدامها لإنجاز تلك الغاية، أن تختار هذه الأنظمة تغيير نفسها، أن يتم إسقاطها بواسطة شعوبها، أن يتم الهجوم عليها من الخارج بذريعة أنها تهدد العالم الخارجي).
• الدلالة والمضمون:
الفقرة التي وردت في ورقة المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي تعتبر بمثابة إعادة الإنتاج لما ورد عام 1915م من حديث على لسان زئيف جابوتنسكي الزعيم الصهيوني، وذلك في مقاله الذي نشرته صحيفة دي تريبيون بتاريخ 30 تشرين الثاني 1915م، والذي قال فيه: (إن التطلع المستقبلي الوحيد بالنسبة إلينا هو تقطيع سوريا.. ومهمتنا هي أن نحضر لهذا التطلع المستقبلي، وكل ما عدا ذلك هو مضيعة للوقت)
وبعد ذلك جاء ديفيد بن غوريون في عام 1948م، وقال: (يتوجب علينا الاستعداد من أجل المضي قدماً في مواصلة الحملة، وغايتنا هي أن نحقق النجاح الباهر في تحطيم لبنان، الأردن، وسوريا. والنقطة الأضعف هي لبنان...).
أما عوديد اينعون، فقد وضع الـ(خطة الصهيونية للشرق الأوسط في عام 1982)، وقال فيها (من الواضح أن الافتراضات العسكرية المذكورة أعلاه، والخطة بشكل عام، تعتمد أيضاً على استمرارية أن يكون العرب في حالة انقسام أكثر مما هو عليه الآن، وأيضاً في حالة افتقار لأي حركة جماهيرية حقيقية.. ومن ثم فإن أي مواجهة عربية- عربية أياً كان نوعها، سوف تساعدنا على المدى القريب، وسوف تؤدي إلى تقصير الطريق باتجاه الغاية والهدف الأكثر أهمية والذي يتمثل في تحطيم وتقسيم العراق إلى محافل طائفية.. وأيضاً سوريا ولبنان..).
• النموذج التطبيقي:
الأداء السلوكي للسياسة الخارجية الأمريكية، والإسرائيلية يشير إلى جملة من الوقائع والأدلة المادية التي تؤكد بأن تحالف إسرائيل- أمريكا يمضي باتجاه تنفيذ الغايات والأهداف التي ظلت تتكرر بدءاً من عام 1915، مروراً بعام 1948م، وعام 1982، وحتى اليوم.
التحليل الكلي والتحليل الجزئي مترابطان، وذلك على أساس اعتبارات الاستدلال على الكل بالجزء، والجزء بالكل.. وعلى سبيل المثال: فإن ما يحدث على الواقع الميداني من وقائع جزئية يؤكد ذلك، وهي وقائع يمكن تناولها من منظور التحليل الجزئي على النحو الآتي:
- العراق: بعد تزايد الخلافات العربية- العربية، تمت عملية غزو واحتلال العراق، وبعد فترة من وضع العراق تحت الاحتلال العسكري، برزت أولى الخطوات العملية لتقسيم العراق إلى محافل طائفية- اثنية، وذلك عن طريق الدستور العراقي الذي وضعته السفارة الأمريكية (ومن ورائها إسرائيل) والقاضي بتقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات فيدرالية، وتخصيص الموارد النفطية الخاصة بكل كيان بشكل منفصل.
- الأردن: برغم عدم احتلال الأردن، فقد تم بالكامل وضع الأردن تحت الوصاية الإسرائيلية- الأمريكية، بموجب اتفاقية السلام الإسرائيلية- الأردنية التي تم التوقيع عليها في منطقة وادي عربة، وهي اتفاقية جعلت من الهياكل المؤسسية السيادية الأردنية مجرد فروع لرصيفاتها من إسرائيل، فالمخابرات الأردنية، والشرطة الأردنية، هي مجرد فروع للمخابرات الإسرائيلية والشرطة الإسرائيلية، كذلك فالجيش الأردني هو عبارة عن كيان صغير يقوم فقط بأداء مهمة واحدة هي (حماية الملك).. ولا شأن له بالقضايا الأخرى.. وقد استطاع الأمريكيون والبريطانيون النجاح في تكييف المذهبية العسكرية والقتالية الخاصة بالجيش الأردني وقوات الحرس الملكي بما يتلاءم مع أداء هذه المهمة.
الأسواق الأردنية والاقتصاد الأردني، أصبحوا لا يمثلون سوى فروعاً من الأسواق الإسرائيلية، وحالياً يعمل الاقتصادي الأردني كممر لـ( العلاقات الاقتصادية العربية- الإسرائيلية غير المعلنة).. وبكلمات أخرى فقد أصبح الاقتصاد الأردني يقم بدور حصان طروادة الاقتصادي الإسرائيلي داخل الاقتصاد العربي، وذلك بدليل انتشار الكثير من السلع الإسرائيلية في الأسواق العربية المختلفة بسبب قيام الكثير من الشركات الأردنية بتمرير السلع الإسرائيلية بعد تغيير شهادات الأصل والمنشأ بحيث تكون أردنية خالصة، كذلك يشتري الإسرائيليون حاجتهم من السلع العربية من الأسواق الأردنية دون حاجة إلى تغيير شهادات المنشأ والأصل.
وسياسياً أصبح الأردن محطة للتنسيق بين بعض الأطراف العربية والإسرائيلية، ويمضي النظام الملكي الأردني في مسيرة التعاون مع إسرائيل ظناً منه بأن هذا التعاون سوف يكفي الأردن شر المطامع الإسرائيلية، وسوف يدرأ عنه شبح الاحتلال الإسرائيلي، ولكن سوف يتفاجأ رموز النظام الملكي لو شاهدوا خارطة إسرائيل الكبرى التي ظهرت حديثاً بعد غزو العراق، وخارطة الشرق الأوسط الكبير، أما آخر المفاجآت فيتمثل في حوار شيمون بيريز مع ديفيد ماكوفيسكي والذي أعلن فيه شيمون بيريز عن رفض إسرائيل للقيام بالإعلان عن حدودها السياسية.
- لبنان: في لبنان أصبح المخطط واضحاً، وقد قطع التنفيذ فيه شوطاً كبيراً، وفي هذا الصدد يشير التحليل الذي قدمه الباحث الأمريكي تريش شو، إلى:
* ملف المحكمة الدولية، وكان آخرها العبارات التهديدية التي وجهها الأمريكيون للمحقق الدولي سيرجي براميريتز في حالة قيامه بإعداد تقرير يؤدي إلى ناتج لا يساعد في إنجاز المهمة المطلوبة.. وقد أشار الباحث الأمريكي بتفصيل أكبر إلى المحقق الدولي السابق ديتليف مليس ودوره الذي تم إحباطه.
* تحركات السفير الأمريكي في بيروت جيفري فيلتمان، وعلى وجه الخصوص تهديداته للحكومة اللبنانية بشأن وزير الخارجية اللبناني فوزي صلوخ.
* الشبكات اللبنانية التابعة للموساد الإسرائيلي والتي تم القبض على عنصرها بواسطة قوات الأمن اللبنانية، وكانت تقوم ببعض الهجمات الإرهابية والتفجيرات، وغيرها من الأنشطة ذات الصلة باغتيال الحريري وغيره. وفي نهاية الأمر تم التكتم على ملفاتها بسبب ضغوط (السفارة) الأمريكية في بيروت.
* تجاهل الأمريكيين واللبنانيين ولجنة التحقيق الدولي لما ورد في تقرير ستراتفور الأمريكي الخاص بجريمة اغتيال الحريري.
* الطريقة التي تم بها إصدار القرارات الدولية حول لبنان، وطبيعة السيناريو الذي سوف يترتب على هذه القرارات في المنطقة عموماً وداخل لبنان على وجه الخصوص.
* حادثة اغتيال الأخوين مجذوب، وبالذات طريقة التنفيذ، والتغطية وقيام السلطات اللبنانية بلفلفة الموضوع.
وعموماً، لقد أصبح لبنان قاب قوسين أو أدنى من تحقيق الغاية التي تحدث عنها جابوتنيسكي، وبن غوريون، وعوديد اينعون، وأكدت عليها وثيقة المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي، ولم يبق من سيناريو القضاء على لبنان سوى تنفيذ السيناريو الفرعي الخاص بأشكال الحرب الداخلية اللبنانية، وحالياً بعد قيام الحكومة اللبنانية بوضع ملف المحكمة الدولية في يد أمريكا وبريطانيا وفرنسا، فإنها تكون قد تقدمت خطوة كبيرة في التنازل عن سيادة لبنان، ولن يكون أمام هذه الحكومة من سبيل سوى الرفض والتراجع، وفي هذه الحالة سوف تدخل في مواجهة مع هذه الأطراف، وهو ما تريده أيضاً وتتحسب هذه الأطراف باعتباره المسار البديل في عملية استهداف لبنان.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد