الدوحة – دمشق: حسابات مؤجّلة
بعد إعلانها المتكرّر رفض التطبيع مع دمشق، ومحاولتها عرقلة إلغاء تجميد عضوية سوريا في «الجامعة العربية»، يبدو أن قطر وجدت نفسها شبه وحيدة أمام تيّار عربي جامح منفتح على دمشق، وهو ما يبرّر قبولها ضمناً تمرير قرار إعادة المقعد السوري، والعزل بين موقفها في الجامعة واستمرارها هي في القطيعة. وبينما يرتبط السلوك القطري بموقفَي الولايات المتحدة (الساعية في عرقلة الانفتاح بشكل أو بآخر)، وتركيا (التي تخوض مفاوضات لتطبيع علاقاتها مع سوريا)، فهو يعود أيضاً إلى أسباب أخرى، أبرزها الاعتقاد بامتلاك «كروت» يمكن التفاوض حولها، من بينها العلاقات الوطيدة بين الإمارة النفطية وفصائل معارضة منتشرة في الشمال السوري بما فيها «هيئة تحرير الشام» (جبهة النصرة سابقاً)، إضافة إلى تبعية قسم كبير من الواجهة السياسية للمعارضة لها.
وعلى الرغم من نفيها المستمرّ وجود علاقة تجمعها بـ«تحرير الشام»، يمكن بسهولة ملاحظة النشاط الذي تقوده شخصيات سورية على علاقة بتنظيم «القاعدة» موجودة في الدوحة، للترويج لمشروع «الهيئة» الذي يقوده أبو محمد الجولاني، رجُل «القاعدة» السابق، والذي تربطه بقناة «الجزيرة»، علاقة متينة. متانة تتجلّى في انفراد القناة القطرية بسلسلة لقاءات أجرتها معه حتى قبل أن يكشف عن شخصيته الحقيقة، ولا تنتهي بتنظيم ندوات إلكترونية يشارك فيها «شرعيون» وشخصيات قيادية في «تحرير الشام»، الأمر الذي يذكّر بتاريخ طويل من الصِّلة بين الدوحة وهذه التنظيمات، سواء في أفغانستان، أو العراق، أو حتى سوريا. كذلك، تموّل قطر سلسلة من المشاريع العمرانية في الشمال السوري (معظمها يتمّ في مناطق سيطرة «الهيئة»)، سواء تحت مظلّة العمل الإغاثي، أو ضمن المشروع التركي «مدن الطوب»، والذي يهدف إلى التخلّص من عبء اللاجئين، وتشكيل طوق سكّاني على الشريط الحدودي، ضمن عملية تغيير ديموغرافية تستهدف إبعاد الأكراد عن هذا الشريط.
ويعيد الموقف القطري الحالي، إلى الأذهان، الموقف ذاته تقريباً الذي اتّخذته الدوحة بداية الأحداث قبل نحو 12 عاماً، عندما حملت، وفق تصريحات لوزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم، ورقة تدعو دمشق إلى إجراء تغييرات، رفضتها الأخيرة واعتبرتها استكمالاً لمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تنفّذه الولايات المتحدة. وهي ورقة تشبه، بمضمونها، إلى حدّ كبير، أخرى قدّمتها تركيا ورفضتها سوريا أيضاً، تهدف إلى توسيع إشراك «الإخوان المسلمين» في الحكم.
وأمام هذه المعطيات، ومع استمرار إمداد الدوحة فصائل عديدة بالمال (قسم من رواتب المقاتلين التي تدفعها تركيا تقدّمه قطر، وفق مصادر معارضة سورية عديدة تحدّثت إلى «الأخبار»)، وإصرارها على احتضان نشاط الواجهة السياسية للمعارضة، والمتمثّلة في «الائتلاف» الذي نقل قسماً كبيراً من نشاطه من إسطنبول إلى الدوحة، ومحاولاتها إعادة تشكيل المعارضة وتوحيدها، وفي ظلّ استمرار العرقلة الأميركية للانفتاح، وعدم التوصّل، حتى الآن، إلى صيغة عمل واضحة للتطبيع السوري – التركي، يمكن القول إن مسألة العلاقات الثنائية بين البلدين، ما زالت شائكة ومعقّدة، غير أن الحَراك العربي الحالي أزاحها عن الواجهة، لتبقى هذه الحسابات مؤجَّلة.
الاخبار
إضافة تعليق جديد