فتنة الشهرة والمكاسب الأدبية المغتصبة
شعبان يوسف:
ظل نجيب محفوظ يعمل طوال عشرين عاما فى الظل، دون أن ينتبه له ناقد بشكل قوى، عدا بعض الكتابات السيارة التى كتبها بعض نقاد محبين له فى عقد الأربعينات، ولم يتوقف عندها كثيرون، وبالتالى لم تشكل تلك المقالات تيارا قويا أو جارفا للاهتمام بإبداعاته التى وضعت تأسيسا ثانيا لرواية عربية رصينة، بعد التأسيس الأول الذى جاء على أيدى كتاب سابقين، وكان أبرزهم محمد حسين هيكل، وتوفيق الحكيم، فى تلك السنوات الأربعينية العجاف، والتى اتسمت بمخاض ثورى واضح، وانتشرت الكتابات والإبداعات القصصية والشعرية الزاعقة والتلقينية والتعليمية، والتى تعمل على تقديم كثير من الأدوات السردية المحكمة، والمنضبطة، ولكنها كانت تخلو من الفنيات التى جاء بها نجيب محفوظ، وحصل نجيب محفوظ على جائزتين فى تلك المرحلة الإولى من حياته، وهما جائزة قوت القلوب الدمرداشية، والثانية جائزة دار المعارف، ماعدا ذلك لم ينل محفوظ مجدا نقديا أو احتفاليا مثلما كان يحدث لآخرين، ولكنه كان يعمل فى محرابه، عاشقا وناسكا ودؤوبا ومستشرفا وقارئا عظيما، ولم يشك من ذلك التجاهل المتعمد أو العفوى، وجاء ذلك الدأب بثماره العظيمة، حيث أنه بعدما بدأ نشر روايته "بين القصرين" مسلسلة فى مجلة "الرسالة الجديدة" عام 1954، بدأت الأقلام تحتفى به سلبا وإيجابا، رغم أن بعض الأقلام وجهت له نقدا عنيفا، تلك الأقلام التى قدمت اعتذارا فيما بعد على شكل كتابات كثيفة وإيجابية واحتفالية، أما الكتابات التى تم الاحتفاء بها على حساب إبداعات محفوظ، تراجعت للخلف، وبعضها توارى تماما، ولم تصمد تلك الكتابات لكى تحقق التأثير الذى كان مزعوما لها.
تلك التجربة، تجعلنا ننظر لحاضرنا بتأمل، فهناك كثيرون ينظرون لأولئك الذين يحصلون على مكاسب دائمة، إما بالجوائز، أو المنح والترجمات، أو بالكتابات النقدية التى لا يقرأها أحد، وعندى نماذج شديدة الوضوح تعيش بيننا، نماذج روائية، وقد تم الاحتفال بها لأسباب ليست أدبية، وهناك كثيرون يحصلون على مكاسب أدبية كثيرة وكبيرة وبارزة على المستوى الإقليمى والعربى، بأدوات وسبل ليست أدبية على الإطلاق، والجميع يعلم ذلك ويراه ويدركه، وهذا يحدث ليلا ونهارا، وله جماعات معينة _لا أريد أن أقول عصابات_ تتشكل فى الحياة الأدبية والثقافية وكذلك الفكرية، لكى تكرّس كاتبا ما، وبالطبع يشارك فى تلك الجماعات "المنتفعة" بعض الصحفيين وأصحاب دور النشر، وكذلك نبتت فئة واسعة، ليس لها علاقة بهذا أو ذاك، سوى التسويق التجارى الذى لا يعرف القيمة.
كل ذلك وغيره يعمل بقوة، وعلى قدم وساق، وبتخطيط محكم، على الساحة الثقافية، وبالتالى يجلب الشهرة لكتّاب محدودين، ويتم تصعيدهم على كل المنصات بتلك الوسائل، وهذا يحدث بدقة وحسابات وشبه اتفاقات وشروط، وبالطبع فهو يجلب الشهرة الواسعة لهؤلاء الكتّاب الذين يجوبون كل الأروقة دون استحقاقات أدبية أو فكرية أو ثقافية.
لكن هل يستمر ذلك التمثيل، وتلك المكاسب_التى تشبه الاغتصاب_ طويلا، من خبرتى وبعض معرفتى وقربى من تجارب بارزة على مدى مساحة زمنية عشتها، أو تعرّفت عليها من خلال قراءاتى وبحثى، لن يستمر ذلك التمثيل إلا لأزمنة محدودة، وهناك من ينزعجون بأن ذلك الكاتب حصل على جائزة دون وجه حق، وذلك الروائى تم ترجمته إلى عدد من اللغات، لكن صدقونى أن كل ذلك سيذهب تحت معاول النسيان، ولدىّ أمل ويقين بأن الإبداع الجيد والجاد سيأتى حتما من يقدره، مثلما حدث مع أبينا ومعلمنا نجيب محفوظ العظيم.
إضافة تعليق جديد