في مثل هذا اليوم 8 حزيران اغتيال المفكر فَرَجْ فودة
محمود عبد الواحد:
فرج فودة (1945 - 1992) كاتب مصري علماني اغتيل في القاهرة على يد متطرف جاهل لم يقرأ أَيَّاً مِنْ كّتُبِهْ!
الدكتور فودة كاتبٌ حادُّ الصَّراحة، أكسَبَتْهُ طبيعته الصِّداميّة والسِّجاليّة حُبَّ قُرَّائِه، وهو أحد مفكري التيار العلماني العقلاني في مصر والعالم العربي وأكثرهم نشاطاً وديناميكية.
كَرَّسَ حياته للنشاط العلمي والعطاء الفكري، حاملاً على عاتقه هموماً جَمَّة، ولعب دوراً هاماً في الحياة الإبداعية والفكرية العربية المعاصرة، وكرَّسَ كتاباته للدفاع عن حرية الفكر والتعبير والمعتقد، وحرية الإبداع الثقافي والفني، وآمَنَ دائماً بأن المستقبل للتنوير و العقلانية و للخَلْق والإبداع وليس لجيوش الرِّدَّة وكتائب الظلاميين ولا لقطعان الرجعيين المنادين بالعودة إلى الوراء.
دعى إلى فصل الدين عن الدولة، و رأى جازماً بأن تحكيم الشريعة من الرجعية لأن الزمن تغير، والأحوال تغيرت، وقال بأن الدولة يجب أن تكون مدنيَّةً عادلة بين جميع أبنائها لا مذهبيةً جائرة ومنحازة لِمُكَوِّنٍ دُوْنَ آخَر.
اهتم د. فودة بالكتابة عن الجماعات المَسَمَّاة بِ الجهادية التي انتشرت في التسعينيات، وهاجَمَ سعيَها الإرهابي الإجرامي تحت مُسَمَّى "الجهاد في سبيل الله والفريضة الغائبة"، وكتب عنها "الحقيقة الغائبة"، وهو الكتاب الذي ناقش فيه تطويع النصوص القرآنية لِنَشْرِ الفكر الإرهابي الظلامي، لاستغلالها في أهداف ومآرِب سياسية قذرة.
اعتبر البعض أن المناظرة الشهيرة بين فودة و نائب المرشد العام لتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي "مأمون الهضيبي" كانت السبب الرئيسي في صدور فتوى اغتيال فودة، إذ أنه ربط بين العمليات الإرهابية واستقلال بعض الإمارات الإسلامية منذ عهد أنور السادات، وبين تَغَوُّل التيار الطائفي المُتَزَمِّت الإلغائي النابع مِن جماعة الإخوان المسلمين، ومحاولة تمكينه لِمَحْوِ ثقافة المجتمع المصري.
يرى "فرج فودة" في "طه حسين" أعظم رمز تنويري ولو أنه كان من الممكن أن يخطو خطوات أوسع مما خطاها لكن يبدو أن مد المعارضة الذي واجه أفكاره قد صدمه، وقد انكسر بعد كتابه " الشعر الجاهلي" وبدا شاحباً لكنه كان واضحاً في مقالاته وكتابه " الفتنة الكبرى"، وبرغم ذلك بَقِيَتْ أصداؤه التنويرية المتناثرة بين كتبه ومواقفه الشجاعة مؤثِّرة، كعبقري شجاع وأحد أبرز قادة حركة التنوير في المنطقة العربية.
تداول العديد من النشطاء، مؤخراً تنبُّؤ "فودة" بما يحدث في مصر بعد ثورة 25 يناير، في كتاباته عما أسماه بـِ "الدائرة المفزعة" التي في ظل غياب المعارضة المدنية، سوف يؤدي حُكْمُ العسكر إلى ابتلاع المشهد مِن قِبَلِ السُّلطة المذهبية المُسَيَّسَة بإسم الدِّيْنْ والفضيلة، ولن ينتزع السُّلطة الدينية من مواقعها سوى انقلاب عسكري جديد يُسَلِّمُ مقاليد الأمور بدوره، بعد زمن يطول أو يقصُر، إلى سلطة دينية جديدة، وهكذا دواليك.. إلخ وأحياناً يختصر البعض الطريق فيضعون العمامة فوق الزي العسكري، كما حدث ويحدث في السودان للأسف.
الحقيقة الغائبة
إن أعمال فرج فودة وجهوده البحثية تندرج في اطار البحث العربي الحديث عن فهم الإسلام بذاته وفك الارتباط بين السياسة الديمقراطية والتوظيف السلطوي لرجال الدين والدين نفسه، وكتابه " الحقيقة الغائبة " ليس كتاباً في التاريخ وإنما رؤية فكرية وسياسية تستند الى وقائع وحقائق التاريخ الإسلامي، وبمثابة رد على أولئك المتزمتين المتعصبين والمتشددين دينياً، الذين يهربون من التوثيق والتأصيل ويحيكون المخططات الإرهابية القمعية ويعملون على وأد وإطفاء منابر الكلمة المضيئة وخنق كل صوت إبداعي يعتبرونه نشازاً في جوقتهم، وإهدارهم دم المثقفين المتنورين والعقلانيين بذريعة وتهمة أنهم "كفار ملحدون" و "معادون" للإسلام وخارجون على القوانين الالهية والنواميس الأخلاقية. وهذا الكتاب هو جهد علمي جاد، وإسهام فكري في تبرئة الإسلام الحق مِمَّن يحاولون توظيفه واستخدامه سياسياً لخدمة أجندات سياسية خارجية قبل أن تكون داخلية. تلك القوى الظلامية المتسترة بالتفسير الحرفي للصحيح النَّصِّي معاكسةٌ لروح وجوهر الإسلام الحقيقي الداعي إلى التقدم، بينما يدعو هؤلاء الجهلة المتعصبون إلى التخلف، والإسلام دين سماحة، وهؤلاء دعاة تعصب، والإسلام يُكرّس الحوار والشورى، وهؤلاء يريدون فرض آرائهم بالإكراه والعنف والإرهاب.
نَوَّهَ فودة إلى أن الإنسان هو الإنسان، فلا عاصِمَ لهُ مِن خطته إلا أنه يستمع بجديّة وتنزُّه لآراء الآخرين فيه.
قبل السقوط
أما في كتابه " قبل السقوط " فيقتحم منطقة أُخرى مِن فكرنا بقيت مغلقة ومحرّمة ومحظورة لأمد بعيد وهي منطقة الدعوة إلى العلمانية، طارحاً بوضوح المبررات التي يقدمها العلمانيون ومؤكداً أن العلمانية ليست كفراً ولا إلحاداً كما يزعم خصومها، بل هي دعوة لممارسة القوانين الوضعية العصرية لإدارة المجتمعات المدنية و نشر قِيَمِ المحبة والتسامح والعيش المُشْتَرَك والتكافل الاجتماعي باتجاه إنشاء وتأسيس الدولة المعاصرة، دولة القانون والمؤسسات، القادرة على التخطيط العلمي الممنهج لخدمة آمال وطموحات الشعب بحياةٍ أرقى!
لا لدولة التعصب الأعمى والفكر المنغلق والجاهلية الجديدة والتصفيات الجسدية لكل مَن يجرؤ على الاجتهاد والتفكير المغاير وممارسة حُرِّيَتِهِ كصوتٍ آخَرْ! يدعو الكتاب بشكل أساسي القوى الإسلامية أن تُقَدِّمَ برنامجاً على غرار الأحزاب السياسية، يُجْمِعُوْنَ عليه، يصلح لأن يكون مُنْطَلَقَاً لِحوارٍ حضاري قائم على مقارعة الحجة بالحجة، والفكر بالفكر، وأن تُطْلَقَ حرية تشكيل الأحزاب دون قيدٍ أو شرط، بحيث تتاح لكل الاتجاهات -تحت سقف القانون- الفرصة لطرح أفكارها بلا حَرَج.
تكفيرواستهداف فرج فودة
في أعقاب حوارات وسِجَالات مُعَمَّقَة حول أفكار و طروحات الإسلاميين في عصرنا الراهن. حاول فودة تأسيس "حزب المستقبل" وكان ينتظر الموافقة من لجنة شؤون الأحزاب التابعة لمجلس الشورى المصري ووقتها كانت جبهة علماء الأزهر تشنُّ هجوماً كبيراً عليه، فطالَبَت الأخيرة لجنة شؤون الأحزاب بعدم الترخيص لحزبه، بل وأصدرت الجبهة عام 1992 من خلال منبرها المُسَمَّى "جريدة النور" بياناً يُكَفِّرُ د. فرج فودة و يُجِيْزُ قَتْلَه.
استقال فرج فودة مِن حزب الوفد الجديد، لرفضه تحالف الحزب مع جماعة الإخوان المسلمين لخوض إنتخابات مجلس الشعب المصري عام 1984.
أسس الجمعية المصرية للتنوير في شارع أسماء فهمي بمصر الجديدة، وهي التي تم اغتياله أمامها عام 1992.
مؤلفاته
الحقيقة الغائبة
زواج المتعة
حوارات حول الشريعة
الطائفية إلى أين؟
الملعوب
نكون أو لا نكون
الوفد والمستقبل
حتى لا يكون كلاماً في الهواء
النذير
الإرهاب
حوار حول العلمانية
قبل السقوط
الاغتيال
تم اغتياله في القاهرة في 8 يونيو 1992 حين كان
يهم بالخروج من مكتبه بشارع "أسماء فهمي" بمدينة نصر إحدى ضواحي القاهرة بصحبة ابنه الأصغر وأحد أصدقائه الساعة السادسة و45 دقيقة، على يد منظمة إرهابية عُرِفَت بإسم "الجماعة الإسلامية" حيث قام شخصان بقتله بالرصاص وكانا يركبان دراجة نارية، فيما أصيب ابنه أحمد وصديقه إصابات طفيفة. أصيب فرج فودة بِجِرَاحٍ بالغة في الكبد والأمعاء، وظل بعدها الأطباء يحاولون طوال ست ساعات إنقاذه حتى لفظ أنفاسه الأخيرة، ونجح سائق فرج فودة وأمين شرطة متواجد بالمكان في القبض على الإرهابيين الجناة.
تبيَّن فيما بعد أن الجريمة جاءت بفتوي من شيوخ الجماعة الإرهابية تلك، وعلى رأسهم "عمر عبد الرحمن" المسجون في الولايات المتحدة الأمريكية، الذي نَعَتَ فودة بِ "المُرْتَد الذي يجب قتله" وأفتى بجواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتئاتاً على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة!
وهذا يعني أنه لا يجوز قَتْلُ من قَتَلَ فرج فودة حسب تعبيره.
أثناء المحاكمة، سُئِلَ قاتِلُ فرج فودة:
- لماذا اغتلت فرج فودة؟
- القاتل: لأنه كافر!
- ومن أي من كتبه عرفت أنه كافر؟
- القاتل: أنا لم أقرأ كتبه!
- كيف؟
- القاتل: أنا لا أقرأ ولا أكتب!
المَصَادِر
^ محمد أبوضيف. ""فرج فودة".. في ذكرى اغتيال "المعرفة"". الوطن.
^ شاكر فريد حسن. "الدكتور فرج فودة.. ضحية الارهاب الديني المتطرف". الحوار المتمدن.
^ فتوى القتل: انج سعدٌ فقد هلك سعيد/ عبدالله بن بجاد العتيبي - العربية نت - تاريخ النشر 16 سبتمبر-2008 - تاريخ الوصول 16 سبتمبر-2008
^ مرت ذكراه فلم يهتم بها أحد. فرج فودة جاهر بما كان يهمس به المثقفون سرا من عورات دولة الخلافة الإسلامية - جريدة القاهرة - تاريخ الوصول 16 سبتمبر-2008
^ انطلاق رصاصات بائع السمك إلي صدر فرج فودة، أخبار الأدب
^ الغزالي.. قلب رقيق ولسان بالحق طليق، إسلام أون لاين
^ جريدة الاتحاد
موقع المعرفة
إضافة تعليق جديد