هل تعهد دحلان بـ «ذبح» عرفات؟
«حرب الوثائق» التي تفجرت بعد حرب غزة الاخيرة وصلت شراراتها الى دمشق وعمان, ولو ان تداولها لا يزال على نطاق ضيق. الوثائق التي يتناقلها الاردنيون تدعم وجهة نظر السلطة, والوثائق التي يتناقلها السوريون وجهة نظر «حماس», وقد يكون اخطرها ما نشر عن تعهد وقعه محمد دحلان في 13 تموز /يوليو/ 2003, في رسالة وجهها الى شاوول موفاز يتعهد فيها بـ«ذبح» ياسر عرفات في رام الله والتعاون مع الاسرائيليين في محاصرة «حماس».
ماذا ايضا في «الوثائق» التي باتت من الاسرار التي يعرفها كل الناس؟
القصة باتت معروفة وفصولها تتكشف يوما بعد يوم في ضوء التطورات الاخيرة. لكن رواية الوقائع تختلف بين «فتح» و«حماس» وهذا طبيعي بالمنطق السياسي كما بالمنطق الاستخباري. ما بات معروفا ايضا هو ان «حماس» التي اقتحمت المقار الامنية التابعة للسلطة وضعت يدها على كم هائل من الوثائق والمستندات والمعلومات السرية, الامر الذي احرج الرئيس الفلسطيني محمود عباس وعددا من الحكومات العربية التي تتعاون معه, لأنها تتحدث عن مخططات تقف وراءها اطراف عربية الى جانب اسرائيل.
وأبرز الوثائق التي وصلت الى العاصمة الاردنية رسالة وقعها محمد دحلان وزير شؤون الامن المفوض في وزارة الداخلية وهي موجهة الى شاوول موفاز رئيس اركان الجيش الاسرائيلي يومذاك, يتعهد فيها بالقضاء على «عصابات المافيا» التي تنشر الفوضى في صفوف الشعب الفلسطيني واستئصال آثارها وأفكارها, كما يتعهد بـ«ذبح عرفات» على طريقته لا على الطريقة الاسرائيلية, انقاذا للوعود التي قطعها امام الرئيس جورج بوش.
و«حرب الوثائق» لا تزال في بداياتها وثمة ترجيحات بأن تشهد الفترة المقبلة مزيدا من كشف الاسرار, سواء لجهة «فتح» او لجهة «حماس», ردا على الحصار الذي تتعرض له غزة. وإذا صحت الاتهامات الموجهة الى دحلان تكون الوثيقة التي تتعلق باغتيال عرفات الاولى من نوعها في القضية وقد تتكشف عن ادوار فلسطينية اخرى في تصفية الزعيم الفلسطيني.
نقرأ في الوثيقة:
السيد وزير الدفاع الاسرائيلي شاوول موفاز المحترم,
تحية طيبة وبعد,
بداية يجب ان تعلموا اننا نعمل ضمن قناعات وليس تنفيذا لأوامر احد, فنحن نؤمن تماما ان مصلحة شعبنا تقتضي القضاء على عصابات المافيا هذه التي تنشر الفوضى في صفوف شعبنا وتثير الفزع والاحقاد بيننا وبينكم من اجل اهدافهم الشخصية او اهداف عبثية, ولهذا تأكدوا تماما اننا لن نسمح لهؤلاء المتطفلين علينا وعلى شعبنا بالبقاء في صفوف شعبنا بل اننا سنستأصلهم وسنستأصل آثارهم وأفكارهم حتى لا يبقى في صفوف شعبنا إلا من يقبل التعايش معكم. وتأكدوا ايضا ان السيد ياسر عرفات اصبح يعد ايامه الاخيرة ولكن دعونا نذبحه على طريقتنا وليس على طريقتكم, وتأكدوا ايضا ان ما قطعته على نفسي امام الرئيس بوش من وعود انني مستعد لأدفع حياتي ثمنا له.
السيد وزير الدفاع الاسرائيلي شاوول موفاز,
اننا نعلم انكم دولة حضارية وديمقراطية مثلما اميركا دولة حضارية وديمقراطية, ونعرف انكم لا تستطيعون ان تتعاملوا مع عصابات مافيا وهذا من حقكم تماما, ولكن تأكدوا ان هذه المرحلة انتهت بلا رجعة وابتدأ عصر القانون والمحاسبة والسلطة الواحدة, ولكن كل هذا يتطلب منا ومنكم التعاون الكامل من اجل تحقيق هذه الاهداف التي تصب في مصلحة شعبنا وشعبكم, ولهذا اناشدكم ان تكونوا اكثر مرونة في تعاملكم معنا, وذلك من اجل مصلحة الهدف الذي نعمل من اجله وهو السلام ويجب ان لا تدفعونا الى اتخاذ خطوات غير محسوبة قد تكلفنا فشل مخططنا او اعاقته.
فالخوف الآن ان يقدم ياسر عرفات على دمج المجلس التشريعي ليسحب الثقة من الحكومة, وحتى لا يقدم على هذه الخطوة بكل الاحوال اتمنى التنسيق بين الجميع لتعريضه لكل انواع الضغوط كي لا يقدم على هذه الخطوة. ونحن قد بدأنا في محاولة استقطاب الكثير من اعضاء المجلس التشريعي من خلال الترهيب والترغيب كي يكونوا الى جانبنا وليس الى جانبه لكننا نخشى المفاجآت.
اما بالنسبة الى بقية المؤسسات التابعة لمنظمة التحرير مثل المجلس الوطني والمركزي فهذه اسماء يجب ان تنتهي وأن تفرغ من مضمونها وأتمنى ان تمنعوها من الانعقاد داخل الضفة او غزة مهما كلف الثمن وهذا يصب في مصلحتكم قبل مصلحتنا.
السيد وزير الدفاع شاوول موفاز,
في النهاية لا يسعني إلا ان انقل امتناني لكم ولرئيس الوزراء شارون على الثقة القائمة بيننا ولكم كل الاحترام.
غزة 13/7/2003
محمد دحلان
(وزير شؤون الامن المفوض لوزارة الداخلية)
نشير هنا بالمناسبة الى ان دحلان كان قد اتهم حركة «حماس» والحكومة الحماسية بالذات باختلاس وسرقة مئات ملايين الدولارات, وهو اتهام كرره احد وزراء «حكومة الطوارئ» بعد خروج دحلان ورفاقه من قطاع غزة. في غضون ذلك رددت مصادر «حماس» ان السبب الرئيسي لاستيلاء الحركة على القطاع المعلومات السرية التي نقلها انصار «حماس» داخل الاجهزة الامنية التابعة للسلطة عن «عملية وشيكة» تعد لها «فتح» للقيام بعمليات تصفية واسعة في صفوف «حماس» على طريقة «فرق الموت» العراقية, الامر الذي يعطي تحرك «حماس» طابع العملية الوقائية. المعلومات ايضا تقول ان محمد دحلان قد هرب مع بعض اعوانه ولم يعد لهم اثر في القطاع ولا في الضفة, كما اختفى معه جبريل الرجوب وأحمد قريع, الامر الذي يوحي بأن «حرب الوثائق» مرشحة للاتساع لأن ارشيف مخابرات «فتح» غني للغاية وسوف تلجأ اليه «حماس» لفك الحصار عندما تدعو الحاجة.
هذا «الكنز المعلوماتي» الذي تناولته الصحف الاسرائيلية في الفترة الاخيرة, وأشارت الى عمليات الترهيب والترغيب التي لوّح بها دحلان في رسالته الى موفاز عبارة عن اشرطة لوزراء ونواب ومسؤولين فلسطينيين في اوضاع جنسية فاضحة مع نساء تم استعمالهن كمصيدة للايقاع بهم على ان يتم ابتزازهم من قبل الاجهزة الامنية. وزير الداخلية في حكومة «حماس» خليل الحية اشار الى هذه الاشرطة في مؤتمر صحفي عقده في 22 حزيران /يونيو الفائت, بعد اسبوع تقريبا على انقلاب غزة, لكنه رفض نشرها او تسريبها, وهناك من يعتقد ان هذا التسريب قد حصل او انه في طريقه الى الحصول. وقد حاول العميد توفيق الطراوي, نائب مدير الاستخبارات الفلسطينية التقليل, من حديث «حماس» عن وقوع الكنز المعلوماتي في يدها, وقال اذا كان لديهم وثائق تثبت خيانة الاجهزة الامنية فلينشروها. ورد بهجوم مضاد استهدف افراد وقادة في الحركة, وروى الطيراوي عنهم قصصا ليقول انهم ليسوا فوق الشبهات.
ولم يخفف كلام الطيراوي, من الهمس الذي يزداد في الشارع الفلسطيني حول الاشرطة الجنسية وهوية اصحابها, وبدأت تتردد اسماء معينة بقوة, من بينها وزير وقيادي فتحاوي بارز, عرف بمعاداته الشديدة لحركة «حماس», وكان من الهاربين الى رام الله. ووفقاً لصحيفة «معاريف» التي نشرت تقريرا اخيرا عن هذه الاشرطة الجنسية, فإن اجهزة الامن الفلسطينية لم تسجل اشرطة لقادة من «فتح» ومسؤولين في السلطة, وهم بأوضاع فاضحة فقط, ولكن لأشخاص من «حماس», ساومتهم, اما على العمل معها والتجسس على حركة «حماس», او نشر الاشرطة الفاضحة.
ووفقاً لما توافر من معلومات, فإن اجهزة الامن الفلسطينية توسعت في استخدام النساء للايقاع بالسياسيين, واستجلبت بائعات هواء محترفات من الخارج, لهذه الغاية, اضافة الى تجنيد فلسطينيات ايضا, مما يذكر بتجربة صلاح نصر قائد الاستخبارات المصرية السابق, الذي حوكم بعد هزيمة 1967, وظهر بأنه استخدم فنانات جنسيا في الاعمال الاستخبارية. وحسب مصادر في «حماس», فإنه لم يتم الآن سوى فحص نسبة قليلة من الكنز المعلوماتي الذي اصبح في يد الحركة, وأن ما فحصته الجهات المختصة في الحركة ما زال يثير دهشتها, حيث لم يكن هناك اي تصور بأن يصل ما تسميه هذه المصادر الانحطاط لدى الاجهزة الامنية, خصوصا جهازي الامن الوقائي والاستخبارات العامة, الى المستوى الذي تظهر ما اصبحت تطلق عليه حركة «حماس» «اشرطة الرذيلة». وتحدثت هذه المصادر عما اسمتها المتاجرة بالمعلومات من قبل هذين الجهازين وبيع معلومات تمس بالامن القومي لدول عربية ولجهات اجنبية.
وقد اصبحت تصرفات الكثير من مسؤولي السلطة الفلسطينية تفسر بعلاقتها المفترضة بهذه الاشرطة, مثل ما حدث مع قيادي فتحاوي بارز ظهر على شاشة التلفزيون الفلسطيني قبل ايام, وشن هجوما على «حماس», وقال فجأة للمذيع: «اعرف ان ما اقوله الآن ضد «حماس» سيكلفني الكثير», وكرر ذلك اكثر من مرة. وسرى همس بأن هذا المسؤول ربما يخشى على ان تنتقم منه «حماس» بتسريب شريط له, في حين لوحظ بأن الكثيرين من لاجئي غزة في رام الله, لم يظهر اغلبهم على وسائل الاعلام, منذ تفجر الازمة, على الرغم من انهم كانوا من نجوم الفضائيات. ويتوقع المراقبون ان الايام المقبلة ستشهد, بطريقة او بأخرى, تسريب بعض الاشرطة الى مواقع مختصة على الانترنت, على الرغم من التزام «حماس» الرسمي حتى الآن بعدم نشر الاشرطة, ويعتقد ان بعض الاشرطة سيتم تسريبها بعلم قيادة الحركة, في حين ان اشرطة اخرى يعتقد انها وقعت في ايدي جهات اخرى, خلال حالة الفوضى التي شهدها القطاع, سيتم نشرها بشكل اسرع, وهو ما حدث فعلا حين بث موقع يو تيوب بعض مقاطع جنسية لمسؤولين من «فتح» وهم في صور محرجة اخلاقيا او جنسيا, قبل ان يتم حذفها. ويعتقد ان موضوع هذه الاشرطة وأصحابها, سيكون الموضوع الابرز خلال الفترة المقبلة, وسيشكل فضيحة سيستمر دويها لسنين طويلة.
أوراق... وأوراق
يبقى ان دخول الاعلام الاسرائيلي على الخط من شأنه ان يزيد الامر تعقيدا لأن في مصلحة الاسرائيليين نسف اي حوار ممكن بين «فتح» و«حماس» في المرحلة المقبلة, في ضوء الخطط الموضوعة للتوسع الاستيطاني ومنسف كل مساعي السلام. موقع «زمن الاسلام» الالكتروني وضع جردة بالتوقعات والسيناريوات الممكنة للمرحلة المقبلة استنادا الى الاوراق التي تملكها «فتح» والاوراق التي تملكها «حماس» في هذه المرحلة وخلص الى النتائج الآتية:
«فتح» تملك ورقة المراهنة على حصار «اسرائيل» لقطاع غزة اذ من المعلوم ان القطاع يعيش على كهرباء ومياه مرتبطة بشبكة المياه والكهرباء في فلسطين المحتلة العام 48, الامر الذي يهدد المجتمع الفلسطيني الغزاوي, ويهدد بقاءه واستمراره في مواجهة هذا الحصار المتوقع, خصوصا ان المعابر التي تملكها غزة, مرتبطة بالكيان الاسرائيلي او مرتبطة بمصر, التي تعارض بصورة رسمية الوجود الحمساوي في غزة.
ورقة المساعدات الدولية والتي بدت واضحة مجرد اعلان «ابو مازن» عن حكومة الطوارئ, حيث اعلنت الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي تجاوبهما مع الحكومة الجديدة, مع وعود بضخ الاموال والمساعدات الى الحكومة الجديدة فور تشكيلها, بغض النظر عن اعتمادها من المجلس التشريعي من عدمه, المهم انها تكون فتحاوية او موالية لـ«فتح العباسية» الامر الذي ينعكس ايضا بالسلب على قطاع غزة, ويرشح لمزيد من الحصار إلا لمن استجاب للشروط.
ورقة الاجتياح العسكري الاسرائيلي, حيث يتم طرحها كورقة تهديدية لـ«حماس» وللقطاع.
ورقة التدخل العسكري الدولي والتي تم التلويح بها دوليا.
ورقة الدعم الدولي والاقليمي سواء من الرباعية الدولية, او من الرباعية العربية, حيث تحظى «فتح» العباسية بدعم غير مسبوق من المجتمعين العربي الرسمي والدولي.
ورقة الحصار والتشويه الاعلامي, حيث بدأت كثير من الفضائيات العربية ووسائل الاعلام الغربية والعربية, تصور القطاع على انه سقط في مستنقع التطرف والارهاب والاصولية, مع تحجيم ظهور جماهير غزة التي بدأت تشعر بنوع من الاستقرار الامني.
ورقة الاصولية حيث يتم الترويج لوجود دولة اسلامية, على حدود مصر تهدد الامن القومي المصري, وتثير الازعاج في المنطقة وتتوغل في ممارسات غير مسؤولة بعيدة عن سلطة القانون.
ورقة الشرعية حيث تركز «فتح» العباسية, على نزع الشرعية الدستورية والقانونية من حكومة «هنية», وبالتالي تظل «حماس» في غزة بعيدا عن شرعية السلطة.
في المقابل تملك «حماس» اوراقا مضادة لعل ابرزها:
ورقة الوثائق والتي تفجرت عقب سيطرة «كتائب القسام» على مقار الامن الفلسطينية, التي كانت تسيطر عليها قوات «دحلان» و«رشيد ابو شباك» الامر الذي تمخض عنه كمية هائلة من الوثائق السرية, التي قالت حركة «حماس» انها تؤكد «تورط مجموعات الامن الدحلانية في جرائم, تمس الامن القومي الفلسطيني والعربي والاسلامي».
ورقة الاعلام من خلال ترويج الوثائق, التي عثرت عليها «حماس» في المقار الامنية الفتحاوية في غزة, خصوصا في الضفة الغربية, مما يظن معه إحداث خلخلة في مجتمع الضفة, التي تحظى «فتح» فيها بقبول جيد.
ورقة الدعم الشعبي العربي والاسلامي, استنادا الى طرح فكرة عمالة اجهزة الامن الفتحاوية, وهو ما يمكن ان يؤدي الى نوع من التعاطف الجماهيري, مما يشكل ورقة ضغط على الانظمة العربية الرسمية التي تسعى, الى تأييد حركة «فتح» العباسية على حساب حركة «حماس».
ورقة الانتصار العسكري التي تمكنت «كتائب القسام» من تحقيقها في غزة, وهي ورقة اربكت الحسابات الفتحاوية العباسية, تحسبا لتكرار وقوعها في الضفة.
ورقة «حماس» في الضفة وهي ورقة مشتركة, حيث يمكن ان تتعامل «حماس» مع اعضاء «فتح» في غزة بالدرجة نفسها, والطريقة ذاتها التي يمكن ان تتعاطى بها «فتح» مع «حماس» في الضفة.
ورقة «فتح» المجاهدة وهي ورقة تراهن عليها «حماس», بصورة كبيرة من خلال تأييد عدد من قيادات «فتح» المجاهدة, لاجراءات «حماس» في القطاع.
في ضوء هذه المعطيات وكل الاسلحة والوثائق يمكن القول ان سيناريو الحصار والتجويع وارد جدا, وكذلك تزايد شعبية «حماس» على المستويين العربي والاسلامي. وارد ايضا سيناريو الانقسام داخل «فتح» وقد بدأ كما سيناريو المصالحة والوحدة في ضوء توازن القوى بناء لوساطات عربية او دولية, عندما يدرك جميع الاطراف الحاجة الى تدخل الآخرين للخروج من المأزق.
أسعد العزوني
المصدر: الكفاح العربي
إضافة تعليق جديد