الخلافات الأمريكية- السعودية تطفو على السطح
الجمل: تعتبر المملكة العربية السعودية، البلد الأكثر أهمية بالنسبة للولايات المتحدة والغرب في المنطقة العربية عموماً وفي منطقة الخليج على وجه الخصوص، وبرغم أسلوب الإدارة الأمريكية القائم على الترغيب والترهيب في التعامل مع المملكة العربية السعودية فقد حملت الأخبار اليوم المزيد من المعلومات المتعلقة بخلافات الرياض- واشنطن حول قضايا الشرق الأوسط.
· الأهمية الجيو- سياسية للملكة العربية السعودية:
يعرف الجميع أهمية المملكة العربية السعودية على أساس اعتبار إنتاجها النفطي، ولكن هناك جوانب أخرى نرى ضرورة الإشارة إليها، ومن أبرزها: الوزن المركزي الذي تتمتع به السعودية في العالم الإسلامي، وعلى وجه الخصوص البلدان الإسلامية غير الناطقة بالعربية، مثل أندونيسيا وماليزيا وأفغانستان، ودول آسيا الوسطى، كذلك تتميز المملكة العربية السعودية بوجودها في منطق (القلب الحيوي) في شبه الجزيرة العربية، وذلك بحيث تستطيع القوى التي تسيطر على السعودية من تهديد كافة الدول الموجودة حول المملكة العربية السعودية، فمن الناحية الشرقية تطل السعودية على دول الخليج الخمسة إضافة إلى العراق، ومن الشمال تطل على الأردن، ويفصلها شريط فاصل صحراوي ضيق عن سورية، ومن الجنوب تطل على اليمن، إضافة إلى إمكانية استخدام سواحل السعودية في التأثير على البحر الأحمر، (الممر البحري الأكثر خطورة في العالم) على النحو الذي يترتب عليه قطع الصلة بين قارة آسيا وقارة أوروبا.
· توترات وخلافات محور الرياض- واشنطن:
قطع السعوديون شوطاً كبيراً في ركب التحالف مع أمريكا. وكان آخر المحطات هو الانخراط –تحت الضغوط الأمريكية- في تجمع (المعتدلين العرب) الذي قامت الإدارة الأمريكية بتكوينه في المنطقة بإشراف اللوبي الإسرائيلي، وتحديداً بإيحاء دينيس روس مبعوث السلام السابق في المنطقة.
حاولت إسرائيل دفع السعوديين من خلال هذا المحور، عن طريق استخدام الضغوط الأمريكية، وذلك من أجل.
- تعديل مبادرة السلام العربية.
- الحصول على فرصة التغلغل في السعودية وبلدان الخليج.
- استخدام السعودية كوسيلة للضغط ضد سورية وإيران.
- قطع الدعم والإمداد السعودي والخليجي عن حركات المقاومة الفلسطينية.
- استخدام الدبلوماسية السعودية من أجل التغلغل في البلدان الإسلامية غير العربية المعادية لإسرائيل.
- استغلال وتوظيف رأس المال السعودي في الاستثمارات الإسرائيلية في منطقة آسيا الوسطى.
- الاختراق النهائي للمقاطعة العربية، وذلك لأن قيام علاقات سعودية- إسرائيلية رسمية، سوف تؤدي إلى توجيه ضربة قاضية لما تبقى من المقاطعة، بحيث تكون إسرائيل قد حصلت من العرب على كل شيء، دون أن تقدم لهم شيئاً.
قام السعوديون، تحت الضغط الأمريكي، بمجاراة ومسايرة الرغبات الإسرائيلية، وشاركوا في مؤتمر العقبة، ولقاءات شرم الشيخ وغيرها، وتحملوا (غدر) الإسرائيليين والأمريكيين الذي تمثل في قيام المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين والأمريكيين بالتسريب المتعمد لمشاركة السعوديين للصحافة الإسرائيلية والأمريكية والعالمية، وذلك بهدف إفشاء الحقائق، وجعل الرأي العام العربي والعالمي يفهم بأن العلاقات السعودية- الإسرائيلية هي أمر واقع وإن كانت تفتقر إلى الاعتراف الرسمي.
· أبرز نقاط الخلاف السعودية- الأمريكية:
- التمرد العراقي: فشلت محاولات كوندوليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية، وروبرت غاتز وزير الدفاع الأمريكي في معالجة الخلافات مع السعوديين خلال اللقاء الأخير حول المزاعم العلنية الأمريكية القائلة بأن السعوديين يقدمون الدعم للمتمردين العراقيين. وقد طفحت الخلافات إلى السطح عندما عبر وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عن دهشته واستغرابه من مزاعم إدارة بوش بأن السعودية تقدم المال والعتاد والعناصر للتمرد السني العراقي. وأعلن أيضاً عن رفضه لطلب رايس وغاتز بالإعلان عن دعم وتأييد السعودية لحكومة رئيس الوزراء نوري المالكي العراقية (المنصبة أمريكيا).
تقول المعلومات أيضاً بأن رايس وغاتز قاما بإجراء حوار مع السعوديين حول العراق، إيران، لبنان، والصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
وأضافت المعلومات أيضاً أن السعودية ماتزال رافضة حتى الآن الاستجابة للطلب الامريكي بإعادة فتح السفارة السعودية في بغداد. كذلك أفادت المعلومات بأن السعودية قد أخطرت رايس وغاتز بأنها لم تقرر بعد في أمر المشاركة في مؤتمر الشرق الأوسط الذي دعا له الرئيس بوش. وحدد المسؤولون السعوديون للوزيرين الأمريكيين بأن مشاركة السعودية في هذا المؤتمر سوف تتم حصراً إذا كانت هناك (صفقة جادة) تهدف إلى تحقيق السلام في المنطقة.
الاتهامات والانتقادات الأمريكية الأخيرة ضد السعوديين جاءت على لسان زلماي خليل زاده السفير الأمريكي في الأمم المتحدة، وذلك عندما كتب مقالاً نشرته صحيفة نيويورك تايمز، وأجرى لقاء تلفزيونياً قال فيه بأن السعودية إضافة إلى سورية وإيران تقوم بالإسهام في عدم استقرار العراق.. وقد علق وزير الخارجية السعودي على حديث السفير زاده قائلاً بأن حديث زلماي زاده أثار استغرابه، خاصة وأن زلماي زاده عندما كان موجوداً في المنطقة لم يقل مثل هذا الكلام، وعلى ما يبدو فإن زلماي خليل زاده قد أصبح متأثراً بمنصب الأمم المتحدة الجديد بالنسبة له... وقد لاحظ المراقبون والمحللون بأن تصريحات وزير الخارجية السعودية قد تمت بطريقة مسبوقة وتخالف الطريقة التي ظل يصرح بها المسؤولون السعوديون إزاء الأمريكيين.
أثارت الطريقة التي تعامل بها السعوديون الوزرين الأمريكيين رايس وغاتز، جدلاً كبيراً في واشنطن:
- جون التمان المسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية السابقة والخبير حالياً في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية الأمريكي، وصف رد فعل السعوديين إلى طلبات بوش الأخير بأنه لم يكن بـ(نعم) مثلما كان يحدث في الماضي، ولم يكن بـ(لا) على غرار طريقة سورية وإيران والسودان، وإنما كان أكثر دبلوماسية في قولة (لا)..
- أحد خبراء مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية بشؤون الشرق الأوسط، قال بأن نتائج زيارة رايس- غاتز للسعودية الأخيرة تتمثل في أنها أوضحت (المسار المستقل) الجديد الذي بدأت تأخذه السياسة السعودية إزاء قضايا المنطقة.. وذلك على النحو الذي سوف يؤدي إلى (تخفيف) روابط الرياض- البيت الأبيض في الفترة القادمة.
- يرى بعض الخبراء بأن الإدارة الأمريكية أصبحت متخوفة من احتمال انتقال (عدوى) الموقف السعودي إلى دول الخليج الأخرى، وقد خطط روبرت غاتز خلال زيارته للكويت وبعض المناطق الخليجية الأخرى باستطلاع ردود أفعال هذه الدول إزاء مطالبات بوش الأخيرة مثل عقد المؤتمر الدولي وغيره.
- كتبت المحررة الدبلوماسية آن بينكيك اليوم 2 آب 2007م تقريراً اخبارياً حمل عنوان (السعوديون حذرون حول خطط عقد مؤتمر الشرق الأوسط مع إسرائيل).
يقول التقرير:
وضعت العربية السعودية الشروط على حضور مؤتمر سلام الشرق الأوسط الذي اقترحته الولايات المتحدة، وذلك عندما حاولت وزيرة الخارجية الأمريكية رايس، ووزير الدفاع الأمريكي غاتز الترويج وكسب الدعم والتأييد له خلال زيارتهم الأخيرة للمنطقة.
قال وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بعد محادثاته مع رايس بأن بلاده تفضل مؤتمر السلام الذي يهتم بمسائل وقضايا السلام الجوهرية، وليس بالمسائل الشكلية غير الجوهرية.
وأشار التقرير أيضاً إلى أن السعودية وأعضاء الجامعة العربية الآخرين الذين التقوا في اجتماع القاهرة الأخير يوم الاثنين الماضي، عبروا بوضوح عن عدم رغبتهم في حضور مؤتمر الشرق الأوسط، إذا كان الهدف منه تقديم فرصة الصور واستغلالها لمصلحة الاسرائيليين.
وأضاف التقرير بأن التشديد –كان واضحاً من جانب السعوديين- على ضرورة أن يكون أساس الاجتماع هو مبدأ الأرض مقابل السلام، ومطالبة إسرائيل بالعودة إلى حدود عام 1967م وبأن المحادثات يجب أن لا تقتصر فقط على الصراع الفلسطيني، وإنما يجب أن تشمل وتغطي احتلال اسرائيل للأراضي السورية.
وعموماً، فقد قال الرئيس بوش بأنه سوف يكون عظيماً وهاماً إذا جلس زعماء وقادة العربية السعودية علناً لأول مرة مع إسرائيل، (بعد الشائعات) الماضية حول المحادثات والمباحثات بين البلدين.
كذلك تحدث الناطق الرسمي لرئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود اولمرت في حفل الغداء الذي أقيم على شرف الوزيرة رايس بأن الإسرائيليين يأملون بحضور الكثير من الأطراف العربية لهذا المؤتمر، وعلى وجه الخصوص مشاركة وحضور العربية السعودية.
نلاحظ بأن إدارة بوش قامت في مطلع هذا العام بتبني استراتيجية زيادة حشد القوات العسكرية) في العراق، والآن تقوم بتبني استراتيجية ( زيادة حشد الجهود الدبلوماسية).. فما الذي يكمن وراء هذا التحول المحوري، وهل تريد الإدارة الأمريكية استخدام الجهود الدبلوماسية من أجل تحقيق قيمة مضافة للجهود العسكرية، أم تريد تغطية فشلها العسكري بنجاح دبلوماسي تسعى لتحقيقه عن طريق إقامة (مؤتمر شكري) يحوّل الأنظار ويدير رؤوس خصومها داخل الكونغرس في الاتجاه الثانوي غير الحقيقي.. أم أنها تسعى للقيام بالمغامرة الجديدة التي طال انتظار الإسرائيليين لها، وهي لملمة الأطراف العربية الحليفة لأمريكا.. تمهيداً لضرب إيران.. أم ان المؤتمر ومواقف دول المعتدلين العرب الجديدة تمثل جميعها مناورة دبلوماسية جديدة تهدف في نهاية المطاف إلى تعديل مبادرة السلام العربية بشكل مفاجئ، خلال مفاوضات (اللحظة الأخيرة)، والتي يتم كل شيء فيها على عجل، تماماً مثلما حدث مع السادات في كامب ديفيد، عندما وقع موافقاً على كل شيء.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد