ترتيب الأوراق الإقليمية بعد إعلان إيران النووية
الجمل: على مدى الثلاثة أعوام الماضية ظلت التحليلات تركز على ترجيح حدوث سيناريو الضربة العسكرية الأمريكية أو الإسرائيلية أو الأمريكية – الإسرائيلية ضد إيران من أجل القضاء على قدراتها النووية والدفع باتجاه تغيير النظام الإيراني الحالي، والآن على خلفية التطورات الجارية فقد أصبح هذا السيناريو ضعيف الاحتمال إن لم يكن غير ممكن التحقق، فهل أصبح السيناريو البديل الذي يقوم على فرضية التعايش مع إيران هو السيناريو الأكثر احتمالاً؟
* السيناريو البديل: القراءة في المشاهد وأبرز التساؤلات؟
برغم عدم تطرق المسؤولين الأمريكيين أو الإسرائيليين أو حتى الأوروبيين لسيناريو التعايش مع إيران إلا أن هذا السيناريو على ما يبدو قد أصبح الأكثر احتمالاً. التعايش مع إيران يؤدي إلى العديد من التساؤلات: فأي إيران هي تلك التي سيتعايش معها الغرب وأمريكا وإسرائيل؟ هل هي إيران الثورة الإسلامية التي تحاول تصدير ثورتها إلى العالم؟ أم إيران التي تقدم الدعم اللامحدود إلى الفصائل الفلسطينية وحزب الله اللبناني؟ أم هي إيران ذلك الحليف الاستراتيجي لسوريا؟ أم هي إيران التي تتبنى مشروع البورصة النفطية الذي يهدف إلى القضاء على استخدام الدولار الأمريكي في المعاملات النفطية والمصرفية؟ أم هي إيران التي تدعم المعارضة المسلحة الأفغانية والشيعية العراقية؟
* سيناريو التعايش مع إيران والسؤال الحرج:
إذا اتضح أن إيران واصلت واستمرت سراً في برنامجها النووي وفاجأت العالم بحصولها على القنبلة النووية كيف سيكون الأمر؟ وكيف سيتم التعامل معها على خلفية أن امتلاك إيران للأسلحة النووي قد أصبح أمراً واقعاً؟ باري آر رون الخبير بمركز الدراسات الدولية التابع لمعهد ماساشوستس للعلوم والتكنولوجيا الأمريكي الرفيع المستوى قال أنه من الممكن أن يهدف البرنامج النووي الإيراني على الصعيد المعلن إلى الاستخدام للأغراض السلمية وفي نفس الوقت وعلى الصعيد غير المعلن يمكن أن يسعى إلى امتلاك الأسلحة النووية. وإذا كان من غير الممكن ضرب إيران في الوقت الحالي فإنه من غير الممكن ضربها لاحقاً إذا امتلكت الأسلحة النووية، وتبقى عملية التعايش مع إيران النووية هي الخيار الوحيد المتاح أمام إسرائيل وأمريكا والغرب.
* استهداف إيران: قصة "مسارين":
مضت عملية استهداف إيران ضمن مسارين فرعيين، الأول هو المسار العسكري، وبرغم الحشود واكتمال الخطط والاستعدادات فقد استطاع تقرير التخمين الاستخباري الخاص بالقدرات النووية الإيرانية أن يعرقل حدوث أي تقدم في هذا المسار، إضافة إلى أنه أوصل درجة احتمال حدوث الضربة العسكرية إلى ما يقارب الصفر%، أما المسار الثاني هو المسار الدبلوماسي وبرغم ترسانة القرارات الدولية والأمريكية والأوروبية الهادفة إلى فرض العقوبات على إيران فقد صدر بالأمس تقرير مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي الذي دفع باتجاه تقويض مسار العقوبات الأمريكية والغربية ضد إيران، ويقول الخبراء بأن فعالية تقرير مكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي في تقويض مسار العقوبات لا تقل عن فعالية تقرير التخمين الاستخباري في تقويض مسار الضربة العسكرية. وهكذا، "علقت" إدارة بوش في منتصف الطريق، بحيث لن يكون في وسعها المضي قدماً إنجاز الضربة العسكرية أو المضي قدماً إنجاز العقوبات ضد إيران.
يؤكد تقرير التخمين الاستخباري حول القدرات النووية الإيرانية، بأن إيران قد أوقفت تماماً جهود وأنشطة السعي من أجل الحصول على الأسلحة النووية، أما تقرير المحاسبة الحكومي الأمريكي فيقول بأن العقوبات التي تسعى الإدارة الأمريكية لفرضها على إيران هي عقوبات غير مجدية ولا تحقق أي نتائج مثمرة إضافة إلى أن إدارة بوش نفسها ليس لديها تصور واضح عن الهدف الذي تسعى إلى تحقيقه، وأوصى مكتب المحاسبة الحكومية الأمريكي بضرورة أن تقوم الإدارة الأمريكية بمراجعة هذه العقوبات.
* ردود فعل معسكر الحرب:
يتكون معسكر الحرب ضد إيران من إسرائيل واللوبي الإسرائيلي وجماعة المحافظين الجدد وصقور اليمين المسيحي – الصهيوني.
• محاضرة جون بولتون أمس الأول بمؤتمر هرتسيليا في إسرائيل: حيث قدم فيها بولتون محاضرة ضمن فعاليات مؤتمر هرتسيليا السنوي ركز فيها على النقاط الآتية:
* إن إيران سوف تسعى لامتلاك الأسلحة النووية خلال هذا العام.
* احتمال أن يتخذ الرئيس بوش قرار تنفيذ الضربة العسكرية ضد إيران هو احتمال أقرب إلى الصفر.
* إذا مر عام 2008م الحالي دون تنفيذ الضربة العسكرية فإن إيران سوف تمتلك القدرات النووية التي سوف تهدد أمريكا وإسرائيل والغرب وحلفاء أمريكا في المنطقة إضافة إلى احتمالات أن تقوم إيران بتزويد الإرهابيين بالقدرات النووية.
* أمر القيام بتنفيذ الضربة الاستباقية للقضاء على القدرات النووية الإيرانية أصبح الآن قراراً إسرائيلياً حصراً.
إذا نفذت إسرائيل الضربة الاستباقية ضد البرنامج النووي الإيراني فإن أمريكا والغرب والمجتمع الدولي سوف يتفهمون أن من حق إسرائيل القيام بحماية نفسها واستخدام دواعي ومبررات الأمن في القضاء المبكر على المخاطر التي تهددها.
• تقرير ماثيو ليفيت خبير معهد واشنطن: نشر ليفيت تحليله المتعلق بتقرير المحاسبة الحكومي الأمريكي على الموقع الإلكتروني الخاص بشؤون إستراتيجية الشرق الأوسط التابع لجامعة هارفرد الأمريكية كما تم نشره أيضاً بواسطة معهد واشنطن وأشار إلى النقاط الآتية:
* عدم المصداقية العلمية التي تمثلت في اعتماد تقرير مكتب المحاسبة الأمريكي على الأسلوب الكمي في تحليل تأثير العقوبات على إيران.
* العقوبات الأمريكية تستهدف الإرهاب والإرهابيين وشبكات الإرهاب والدول المارقة، وهي جميعها لا يمكن التعامل معها بسهولة وفقاً لمنهج التأطير العلمي.
* تعبر العقوبات الأمريكية عن إرادة سياسية لمكافحة الإرهاب ولا يمكن التعامل معها تحليلياً مثلما يتم تحليل دراسات جدوى المشروعات الاستثمارية.
* التعرف على تأثير العقوبات لا يمكن أن يتم وفقاً لاستخدام النماذج النظرية وإنما يحتاج لفترة لكي يتم التعرف على طبيعة واتجاه وحجم تأثير العقوبات.
* العقوبات لا تستهدف فقط التأثير سلباً على الاقتصاد وإنما ما هو أبعد من ذلك.
وتجدر الإشارة إل أنه حتى مشروع القرار الجديد الذي يهدف إلى فرض المزيد من العقوبات ضد إيران أكدت التسريبات الروسية والصينية القادمة من مجلس الأمن الدولي بأنه لا يتضمن أي عقوبات جديدة.
إذاً ويبقى ملف التعايش مع إيران النووية، حتى الآن لم تتضح المعالم البارزة والخطوط العريضة الخاصة بسيناريو التعايش مع إيران النووية، وعلى أية حال فإذا نجحت إيران في تفادي الضربة العسكرية وفاجأت العالم بامتلاكها للأسلحة النووية فإن أبرز ردود الأفعال يمكن أن تكون على النحو الآتي:
• لن تستطيع أي دولة شن الهجوم العسكري وضرب القدرات الإيرانية، لأن المخاطر التي سوف تترتب على ذلك لن تستطيع أي دولة في العالم تحملها.
• لن تقوم إيران بتوجيه ضربة نووية هجومية ضد أي طرف لا إسرائيل ولا أمريكا والغرب ولا غير ذلك لأن الإيرانيين يدركون جيداً العواقب الخطيرة المدمرة لمثل هذا الفعل.
• سوف تسعى دول الجوار الإقليمي الإيراني إلى الآتي:
* تركيا: قد لا تسعى لامتلاك القدرات النووية بسبب اعتمادها على غطاء ومظلة حلف الناتو النووية.
* العراق: سوف يسعى إلى المزيد من الارتباط مع إيران وخاصة الأطراف الشيعية التي سوف توفر لها القدرة النووية الإيرانية الفرصة للقيام بشن الهجمات المكثفة ضد القوات الأمريكية لإخراجها من العراق طالما أن إيران أصبحت بعد امتلاكها للسلاح النووي في مأمن من الضربة العسكرية الأمريكية أو الإسرائيلية.
* السعودية والخليج: سوف تسعى إلى تعزيز تحالفها العسكري والأمني مع الولايات المتحدة.
* أفغانستان: سوف تستمر فيها الأوضاع المضطربة على ما هي عليه لأن الطبيعة السنية المتطرفة للحركات المسلحة الأفغانية سوف يجعلها بعيدة عن التحالف مع إيران إضافة إلى أن البيئة الجبلية الوعرة وعامل تأييد قبائل الباشتون سوف يدفعان حركة طالبان إلى التمركز حصراً في مناطق الحدود الباكستانية – الأفغانية وعدم الانتقال إلى مناطق الحدود الإيرانية حيث يتمركز الشيعة الأفغان.
* باكستان: هي بالأساس دولة نووية وبالتالي سوف لن يكون هناك أي توقعات باكستانية تتعلق باحتمالات التعرض لخطر نووي إيراني، إضافة إلى أن باكستان سوف تكف عن القيام بعملية تسليح الجماعات البلوشستانية المعارضة لإيران.
أذربيجان: سوف تنخرط في تحالف استراتيجي مع أمريكا على أساس أنها أصبحت محصورة بين روسيا النووية في الشمال وإيران النووية في الجنوب.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية فإنها ربما تكون قد بدأت جهودها الهادفة إلى "التفاهم وتوفيق الأوضاع وترتيب الأوراق الإقليمية مع إيران النووية القادمة" على النحو الذي يتيح لأمريكا كسب البلدان الثلاثة التي تمثل القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة: إيران النووية، السعودية النفطية وتركيا الحليف الأول وقاعدة الانطلاق العسكري والاستراتيجي الأمريكي إزاء الشرقين الأوسط والأدنى، أما إسرائيل فسوف تقدم لها الولايات المتحدة الضمانات الكافية لحمايتها من الخطر النووي الإيراني.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد