تقرير اليونيسيف عن وضع أطفال العالم في 2008
فرق كبير بين كلمة المديرة التنفيذية لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، آن فينيمان، التي تستهل تقرير «وضع الأطفال في العالم – 2008»، ومحاولتها الحض على مزيد من العمل والتضافر، مع إقرارها بعدم الرضا عن النتائج، وبين الأرقام والمعطيات التي ترد في مجمل صفحات التقرير المئة وست وخمسين.
ففي كلمة فينيمان، محاولة للتفاؤل وبث الأمل في تحقيق «هدف الألفية الإنمائي الرابع» الذي طرحته الأمم المتحدة على نفسها، بحلول عام 2015، وهو الحد من وفيات الأطفال بمقدار الثلثين.
ويُعتبر «معدل وفيات الأطفال دون سن الخامسة»، معياراً راسخاً لقياس صحة الطفل ورفاهه. وهو يشير إلى احتمالات الوفاة بين الولادة والسن الخامسة (عدد الوفيات لكل ألف ولادة حية)، التي ترفعها وتخفضها عوامل كثيرة، منها التغذية والرعاية والوقاية من الأمراض، وتؤثّر فيها مباشرة ظروف المناطق الأمنية والسياسية، وأحوال الدول وقدرة مجتمعاتها وهيئاتها الرسمية والأهلية، على تأمين الرعاية وتدارك المساوئ.
«للمرة الأولى في التاريخ، يشهد عام 2006، انخفاض العدد الإجمالي للوفيات السنوية بين الأطفال دون الخامسة، إلى أقل من 10 ملايين طفل، أي ما نسبته 60 في المئة عمّا كان عليه في عام 1960»، تقول فينيمان.
ثم تقرّ بأن هذا لا يعني «الرضا الزائف عن النفس، فإزهاق 9.7 مليون روح من الأطفال سنوياً أمر غير مقبول»، خصوصاً أن حالات كثيرة يمكن تفاديها. وعلى رغم التقدّم الذي أحرِز، لا يزال العالم بعيداً من المسار الصحيح لتحقيق الهدف الإنمائي المتمثّل بالحد من وفيات الأطفال بمقدار الثلثين، بحلول عام 2015. و2015 هو العام الذي ينبغي أن تتحقق فيه أهداف الألفية التي تعهّدت بها الأمم المتحدة، في عدد من المجالات الإنسانية، منها الصحة والتعليم...
وفي حين تحقق تقدّم (غير كافٍ، بحسب الجدول ذي الصلة، الشكل 1-6، صفحة 7) في بعض الدول، إلا أن هناك 62 دولة لم تُحرز أي تقدّم في إبقاء الأطفال على قيد الحياة، 75 في المئة منها في أفريقيا. ومما حال دون ذلك، انتشار فيروس الإيدز، الذي استدعى مزيداً من الجهود، والبرامج.
ولكن الذي يدقق في الجدول المقصود، يلاحظ أن معدّل خفض الوفيات لا يزال نموه بطيئاً وقليلاً، حتى في الدول أو المناطق الصناعية. وقد بلغت النسبة الملاحظة بين 1990 و2006 نحو 3.2 في المئة، بينما النسبة المطلوبة بين 2007 و2105 هي 6.6. ولكن الجدول يعتبر أن تلك الدول هي «على درب» تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية. ويشار إلى أن معدل الوفيات هناك كان متدنياً منذ البداية، ففي 1990 بلغ 10 وفيات لكل ألف ولادة حية، وانخفض إلى 6 في 2006، بحسب تقديرات «يونيسيف».
وتتفوق دول شرق آسيا والهادئ وأميركا الجنوبية والدول المستقلة حديثاً في أوروبا، على الدول والمناطق الصناعية، حيث بلغت النسبة الملاحظة في أميركا الجنوبية 4.4، بينما المطلوب 4.3. وأما التقدّم في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فغير كافٍ، 3.4 في المئة، بينما المطلوب 6.2، وكان معدّل الوفيات 79 لكل 1000، في 1990، وانخفض إلى 46 في 2006. ويشار إلى أن لا تقدّم في غرب أفريقيا ووسطها (0,7 في المئة مقابل 11 في المئة لتحقيق الأهداف الإنمائية، ومعدل الوفيات 208 في 1990 بلغ 186 في 2006).
ثم تشير فينيمان في كلمتها إلى الحاجة الماسة الى التركيز على تقديم تدخلات أساسية على مستوى المجتمع المحلي، «كجزء من الجهود المتكاملة لدعم تأسيس أنظمة صحية وطنية قوية...». وترى أن ما يدعو إلى الأمل ذلك «الزخم المتجدد في شأن الصحة، والاهتمام المتعاظم على المستويين العام والخاص. ويجرى حالياً إرساء الشراكات وتعزيزها، مستفيدين من هذا الزخم المتعاظم». وتختتم بأن التحدي يتمثّل في العمل بحس جماعي، والضرورة لتوسيع نطاق التدخلات التي أثبتت نجاحها.
وتركيزاً على نقطة التدخلات، يلاحظ التقرير (صفحة 18) أن تلبية الاحتياجات المطلوبة تواجه تحديات ضخمة في السلم، وتتضاعف في حالات الطوارئ، كالكوارث والصراعات والحروب، والنزوح السكاني وسوء التغذية إثرها.
وإضافة إلى عمليات الإغاثة الفورية واللاحقة التي تتولاها منظمات دولية، يعتبر التقرير أن قيادة المجتمع المحلي وانخراطه ضروريان في الظروف الصعبة. فخلافاً للاعتقاد بأن المجتمعات المحلية في أوضاع الطوارئ تكون ضعيفة، وقد تنهار تحت ضغط الحرب أو المجاعة أو النزوح، «تشير الأبحاث إلى أن من الممكن حشد المجتمع المحلي، وأن عناصر مهمة منه تبقى سليمة، بل وتكتسب أهمية أكبر تحت الضغط، كما حصل في أثيوبيا ومالاوي وجنوب السودان»، كما ورد في التقرير.
والحق أن بعض الدول والمناطق التي شهدت (ولا تزال تشهد) صراعات مسلّحة، كفلسطين والعراق ولبنان، يثبت الدور الفاعل للمجتمع المحلي في معالجة الأزمات والصدمات المباشرة والآجلة. وتجدر الإشارة إلى أن التعاون بين المنظمات العالمية والمحلية، لا يقتصر على منظمات الأمم المتحدة وحدها، بل يمتد إلى هيئات عالمية أخرى، من دول واتحادات ومنظمات غير حكومية...
ويذكر التقرير (صفحة 45 و46) أن لشراكات المجتمع المحلي فوائد معروفة تشكل جزءاً من خبرة التعلّم اللازمة لتحسين الأوضاع على المدى الطويل. وهي تُعتبر آلية لخفض الفجوة العميقة بين المعرفة والعمل والسياسة، سعياً وراء إزالة تلك الفجوة التي تعوق جهود التعاطي مع جانبي العرض والطلب في الرعاية.
وليس ثمة تعريف عالمي للمجتمع المحلي وهيئاته التي تنشط وفقاً للظروف. ومصطلح «المجتمع المحلي» يشير إلى مجموعة من الناس يقيمون في منطقة معيّنة، تجمعهم اهتمامات وتقاليد وقيم مشتركة. وعليه، تكون الشراكات بمثابة «نهج واستراتيجيات، تسعى إلى إشراك الفرد في نشاطات إنقاذ أو إغاثة أو رعاية، عاجلة أو آجلة.
على سبيل الخلاصة: لتحقيق الأهداف الإنمائية للألفية، وهي بلا شك تعود بفوائد جمّة على البشر، يبدو، مما ورد، أن للأفراد (والمجموعات الصغيرة) دوراً كبيراً في تأمين الظروف المواتية لذلك. وتمكن المطالبة بتخصيص مساحة أكبر لأدوار الدول والحكومات والسياسة، في تقارير «وضع الأطفال في العالم» المقبلة، علماً أن التقرير الحالي أتى على ذكرها ودورها في تيسير الأمور أو تعسيرها.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد