من يلوم جورج بوش
الجمل- دبي- ميساء آق بيق: ننتحب عندما تقصف غزة وتحاصر ويجوع اهلها.. ونصفق عندما يخترق الغزيين الحدود الى مصر.. ونهلل عندما تحدث عملية تفجيرية في ديمونة لم يحدث لها مثيل منذ اكثر من عام.. وفي قلب هذه المعمعة يقع شبان لبنانيون قتلى في احداث مريبة تهز هيبة الجيش رمز الوحدة، ويحصد تفجيران دمويان عشرات القتلى العراقيين في بغداد، ثم تعقد الدهشة اللسان عندما نرى اشتباكات بين الفلسطينيين والمصريين على حدود غزة.. ولكن مهلا.. ما أدرانا أنهم فلسطينيون؟ ألم تكن غزة مليئة بالمستعربين من اليهود المدسوسين؟ وما الذي يمنع أمثال هؤلاء أن يكونوا منتشرين أيضا في لبنان والعراق؟ وفي نظرية الدافع إلى الجرائم تقودنا كل الخيوط إلى أن المستفيد الأكبر من كل ما يجري هنا وهناك ليس سوريا ولا إيران ولا السعودية ولا مصر، هي إسرائيل الوحيدة التي تستطيع أن تجني ثمار أي عملية تهدد الأمن والاستقرار، وهذا ليس كلام للاستهلاك الإعلامي ولا ثرثرة في نظريات مؤامرة، فالواقع لا يدل إلا على هذا..
أكثر من مئة عام مرت منذ أن أخرجنا الأتراك من أراضينا وكنا نعتبرهم سببا في تخلفنا وتأخرنا... بالمناسبة، انظروا أين أصبحوا وأين نحن.. ما علينا ليس هذا لب الموضوع، ما زلنا بعد مرور عشرات السنين على التطور العلمي والتقني في العالم نستسلم للعواطف التي لا تنتج إلا تحركا آنيا وغالبا غير مدروس وأحيانا عنيفا.. أتحدث هنا عن الشعوب وليس عن الحكومات.. الشعوب العربية لم تحاول أبدا أن تتحول إلى طريق العلم والمنطق، ورغم أن أكثرهم سارعوا لاقتناء أحدث الهواتف المتحركة وأجهزة الحاسوب المحمولة والتجارة (غير النظيفة غالبا) مع الدول الأخرى، والتلفزيونات الحديثة والأجهزة الدقيقة التي تحمل أسماء كثيرة مثل "إم بي 3" و"آي بود" وغيرها لكنهم لم يحاولوا أن يعرفوا قيمتها الفعلية وإلى أين يمكن أن توصل.. لدينا عشرات القنوات الفضائية لا تضيف لنا شيئا، فقط تعلمنا الهز والرقص والمسارعة للاشتراك في برامج سوبر ستار وستار أكاديمي، أو أصبحنا نستسهل تكفير هذا وتحريم ذاك، لم نتعلم ماذا يفعل الإعلام الحقيقي والذكي والاستراتيجي فعلا.. وإذا لم يكن هذا الكلام مقنعا فبالإمكان إلقاء نظرة على العرض الهائل الذي قدمته شركة "مايكروسوفت" إلى "ياهو" لشراء الموقع بنحو خمسة وأربعين مليار دولار.. أهمية موقع "ياهو" هي في الكم الهائل من الخدمات والإعلانات والمعلومات التي تؤثر في البشر..
هذا هو الفرق بيننا وبين الناشطين لمصلحة الصهيونية وإبقاء الكيان الإسرائيلي على هيمنته في الغرب.. هل يمكن أن تفترض الشعوب التي تصفق وتهلل هنا وهناك بأن زيارة بوش الأخيرة للمنطقة والتي سارع الجميع لمهاجمتها والسخرية منها قد تكون حملت ضغطا على الحكومة الإسرائيلية من أجل تحقيق السلام ورؤية الدولتين؟
كم شخصا يفترض بشكل علمي أن إسرائيل لا تريد السلام أبدا لا أمس ولا اليوم ولا غدا ولا في المستقبل القريب أو البعيد، ولن ترضى بدولة فلسطينية مسلحة أو منزوعة السلاح، ببساطة لأن استراتيجية بقائها ترتبط بتهديد الجيران لها، وبالأكذوبة الكبيرة التي اخترعها أعوانها والتي تسمى الإرهاب، هكذا تتحول إلى قصف غزة وتحويل الأنظار إلى ثغرات في المعابر ومن يملك السلطة عليها، ثم تسهل تنفيذ عملية تفجيرية في أراضيها لكي يسارع متحدثوها ومسؤولوها لاتهام الفلسطينيين بأنهم لا يريدون السلام ولا يمكن أن يكونوا شركاء حقيقيين..
هل نلوم بوش؟ ربما لقصر نظره وتأثره بالدعايات وعدم اطلاعه الكافي.. ولكن إلى أي مدى نلوم أنفسنا؟ لقد تركنا الأمر لله!! ومنذ متى كان الله يحارب عن البشر في قضاياهم؟ الله عز وجل يساعد المؤمن بقضيته العادلة ويكتب له التوفيق من عنده وقد يباركه، ولكنه جل جلاله لا يقود المعركة بدلا عن الإنسان.
إننا شعوب ألغينا العقل والعمل والمثابرة ومازلنا منذ عشرات السنين كلما ألمت بالأمة مصيبة نضاعف الأوقات التي نجلس فيها للدعاء.. ليس خطأ أن نصلي وندعو الله لمساندتنا ولكن في أي شيء سيساندنا إذا كنا لا نفعل شيئا، ونترك الساحة في الخارج لأعدائنا، ونترك الدفاع عن قضايانا، ونهمل حقيقة أننا يجب أن نكون دائما مستعدين للغدر والاعتداء، ونحجم عن مساعدة بعضنا البعض، ونعتقد أن الغرب سيقتنع بعدالة قضيتنا وظلم أعدائنا عندما يرى دماءنا تسفك على شاشات التلفزة.. للعلم إن المحطات الغربية لا تعرض ما يشاهده العرب.. إن ما يشاهده العرب من إغراق في الحزن والقتل والدم والعنف هو لإحباط عزائمهم وإفقادهم الأمل وتعويدهم على رؤية الموت واسترخاص قيمة النفس البشرية.. هناك في الطرف الآخر من العالم يفكرون بشكل مختلف كليا.. هم بعيدون والمشكلة لا تعنيهم كثيرا، تماما كما نرفع أكتافنا بلا مبالاة عندما يحدث انفجار في سريلانكا أو الفيلبين.. السياسيون منهم يسعون لإرضاء أصحاب الأموال والمصالح.. أين هم أصحاب الأموال عندنا؟ ماذا يفعلون؟ أين يصرفون أموالهم؟ أين إصرارنا على اتخاذ مواقف موحدة في إعلامهم؟ العرب في أمريكا يتقاتلون تماما كما يفعلون في الوطن العربي، على مصالح ضيقة ومسائل تافهة..
قال لي شخص أمريكي في إحدى المرات: إننا عندما نتحدث إلى إسرائيل فنحن نحاور طرفا واحدا بوجهة نظر واحدة ونقاط واضحة ومحددة، ولكننا عندما نحاور العرب نواجه اثنين وعشرين طرفا كل منهم له رأي قد لا يتفق مع الآخر، بل ربما يكون أحيانا معاديا للآخر، وهناك من يحدثنا ويطلب منا إبقاء حديثه أو مقابلته سرا، فكيف تتوقعون أن نقف مع العرب في مواجهة إسرائيل؟ ماذا كنتم ستفعلون لو كنتم في مكاننا؟
بماذا سيجيب العرب عن هذه التساؤلات؟ هؤلاء الذين تغربوا منذ سنين ولا يزال كثير منهم لا يعرف لغة أهل البلاد التي هاجر إليها.. وهؤلاء الذين يتمسكون بنقاب المرأة في أكثر الدول ليبرالية وتحررا في العالم، وكأن تغطية شعرها واحتشامها وعدم تبرجها لا يكفي لإعلان إيمانها، وكأن رجال الدنيا ستترك أعمالها وهمومها ومشاغلها فقط لتنظر في وجه تلك المرأة التي تعتبر أو يعتبر زوجها أن وجهها فتنة!!
ألا يفكر العرب في المهجر أن العنصرية الغربية في أوروبا في العصور الوسطى بدأت ضد اليهود عندما أصروا على العيش في غيتوهات منعزلة بطريقة عيش مختلفة وبرفض عنيد للانخراط في المجتمعات التي يعيشون فيها؟ لماذا نجأر بالشكوى الآن لأن الغربيين الذين قاتلوا طويلا للانفصال عن سطوة الدين يرفضون تطرفنا الديني في عقر دارهم؟ ولماذا نعتبرهم أعداء الإسلام، هل تتقبل المجتمعات العربية طريقة عيش المرأة الغربية وتحررها الشديد؟ ماذا يفعل الرجال في بلاد مثل مصر أو الأردن أو العراق إذا سارت امرأة بينهم مكشوفة الصدر أو البطن أو الظهر أو الساقين، ألا يغضبون ويطالبون بعدم السماح لمظاهر كهذه في شوارعهم وأحيائهم؟
يرفض العدد الأكبر من العرب التنازل عن أتفه معتقداتهم أو التفكير في جدواها وضرورتها، ويسيطر عليهم العناد في كل ما له علاقة بعاداتهم مهما كانت مغرقة في التخلف والجهل، ويقودهم تعصب أعمى في أكثر شؤونهم الاجتماعية، ويختصرون كل أفكارهم وهمومهم في تفاصيل جسد امرأة... المرأة عند كثير من العرب هي شغلهم الشاغل، تحررت، كشفت رأسها أو وجهها أو جسدها، رقصت، عملت، خرجت، تأخرت، وفي هذا الإطار عرفت المرأة العربية نقطة الضعف، فخرجت الكثيرات عن حدود الاحتشام والعقل والرزانة لتستخدم سلاح الأنوثة والميوعة من أجل الوصول إلى غاياتها من مال وعمل ومنصب وغيره، دون أن تتعب نفسها في الدراسة والجد والاجتهاد والعمل الحقيقي.. هكذا تحولت المجتمعات العربية إلى كتلة من الفيروسات والأمراض الاجتماعية والنفسية، ثم يلتفت العرب ليصرخوا بوقاحة: ماذا جاء بوش يفعل في أراضينا وكيف يجرؤ ولماذا يزورنا..
لست في معرض الدفاع عن الرئيس الأمريكي الذي يدعي أنه يأخذ تعليماته من الرب، ولكني لا أجرؤ على مهاجمته وشتمه طالما أنه يعمل بالمثل الشعبي المعروف: قالوا يافرعون من فرعنك، أجاب لم أجد من يقف في وجهي.. وطالما أن الشعوب العربية استسلمت للنوم والأحلام وهيمنة الجنس، فمن الأفضل أن تبقى نائمة بهدوء ولا داعي أن تتحدث أثناء نومها ولتترك فرعون يتصرف ولتوفر بعض السعرات الحرارية التي تصرفها وهي تصفق وتهلل وتنتحب بلا طائل..
الجمل
إضافة تعليق جديد