قمة دمشق لقراءة المستقبل وليس تحديده
الجمل- حسام مطلق: ***** قمة دمشق ليست لتحديد المستقبل, بل لقراءة المستقبل. قواعد اللعبة في الشرق الأوسط عادت إلى ما كانت عليه قبل 11ايلول وحتى إلى ما قبل سقوط الإتحاد السوفيتي.فبعد أن جرد السقوط السوفيتي سوريا من الغطاء القطبي(******)، جاءت أحداث 11 أيلول كي يزيد وضع سورية تعقيدا ويدفع بها داخليا أيضا إلى المربع الأول, المربع الأمني. الهجوم الأميركي الشرس بعد 11 من أيلول جعل شعار لا صوت يعلو على صوت المعركة صحيحا للمرة الأولى بعد تاريخ طويل من استنزاف الإعلام السوري والعربي له (*******).. التقدم الأميركي للمنطقة وجدت فيه فائدة.الهروب من فكرة المواجهة يجعل المواجهة دائما أصعب لدى وقوعها. هناك فرق بين الهروب التكتيكي وبين الهروب الإستراتيجي . العرب كانوا في حالة فرار إستراتيجي عبر عقدين تليا إجهاض مصر لإمكانية الاستفادة السياسية العربية من حرب 73. حصد المصريون نتائج تلك الحرب منفردين, ليس لبراعة سياسية, بل لنذالة في يمارسها من يصف الغدر شطارة. التوظيف كان قطريا وليس عربيا, كما كانت الحرب, وهذا يستطيعه حتى من لا يعرف الفرق بين كلمة إمبريالية وماركسية. هناك دائما دوليا من يتبرع بأن يشرح لك كيف تضيع عائدك, خصوصا حين يكون المستفيد هو إسرائيل. التوظيف المصري دل على نذالة أكثر منه عن براعة. منذ اتفاقية كامب ديفيد والعرب يرفعون شعار " لا سلام بلا سوريا ولا حرب بلا مصر " وهو شعار مهزوز يثبت ما تحقق في تموز على يد حزب الله فشله. بعد 11 أيلول لم يعد على العرب أن يختاروا ألا يحاربوا. بل لم يعد بإمكانهم أن يستهلكوا أجيالهم ومواردهم في حروب الوكالة. تنتصر على إسرائيل فتقيم الولايات المتحدة جسرا جويا ويقول لك السادات " أنا ما بقدرش أحارب أميركا " اليوم الواقع تغير. القوات الأميركية هي التي شنت الحرب عليهم. الحرب صارت مع العدو الحقيقي, في النهاية إسرائيل قوية بغيرها لا بذاتها. إسرائيل لم تعد الوكيل, بل لم تعد قادرة على التقدم في أضعف بلدانهم, لبنان. نظام عفن قاتل وسقط دون قتال. مقلات الوحدة الوطنية المؤسسة على الديني فاحت ريحها في الطائفية العراقية وتسيسها اللبناني. العرب في مواجهة مزدوجة, الولايات المتحدة مباشرة دون الوسيط الإسرائيلي من جهة, والقيم العفنة الداخلية التي تأسس عليها الوعي الجمعي طيلة قرن ونصف. التحولات كبيرة, ولكنها, كما أسلفت, في الشرق الأوسط دائما بطيئة بطء قاتلا. قمة دمشق لم تغير, ولن تغير, ولكنها مجهر لرؤية المستقبل, أو للدقة, لاستشفاف قواعد اللعبة السياسية مستقبلا. لقد عادت الأمور إلى سابق عهدها قبل 11 أيلول, بل حتى إلى ما قبل سقوط الإتحاد السوفيتي مع تحسن في النقاط للصالح السوري, وتاليا العربي. السياسة في الشرق الأوسط للمرحلة القادمة سوف تقرأ وفقا للتالي:
الولايات المتحدة تمارس ضغوطا على سوريا, زمن التهديد الحربي الواسع انتهى. سوريا صار لها حليف دولي هو روسيا التي تتعافى من الجراح السوفيتية, روسيا الأقل شيوعية والأكثر قومية قادرة على فهم الاحتياجات السورية أكثر وقادرة على المطالب الواقعية المقابلة بدلا من المطالب الإيديولوجية التي رسمت طبيعة العلاقة مع الحليف المورث. هذا التفاهم الأفضل يجعل الحليف الدولي قادرا على المساندة نفس القوة التي كان الحليف القطبي, السوفيت, يفعل. ولدى سوريا أيضا حليفا إقليميا أكثر قوة هو إيران. إيران الواقفة على العتبة النووية أكثر قوة وفائدة من إيران الغارقة في الحرب العراقية. صدام الجلاد الأميركي للنيل من سوريا سقط. نجاة الأميركي في العراق بما يحفظ ماء وجههم يعتمد على ورقة سورية من ضمن أوراق أخرى كثيرة, أي للولايات المتحدة عند السوريين احتياج يمس وضعها الداخلي وليس مصالح فقط. الملف العراقي اليوم أقوى بكثير من الملف اللبناني قبل ربع قرن. هناك فارق بين المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وبين الدماء الأميركية في الشرق الأسوط. تركيا المتأسلمة خلسة أقل عداوة للجيران العرب من تركيا المتطرفة قوميا بالاتجاه الإسرائيلي. الخروج السوري من لبنان بوجود حلفاء فاعلين هو ورقة أقل ثمنا من الناحية القانونية من البقاء وإتاحة الفرصة للغرب كي يبتز. المأساة العراقية دفعت الاقتصاد السوري للأمام, قبل السقوط وبعده مما انعكس مباشرة على رفاهية المواطن السوري المتقدمة اضطرادا مع الزمن. الحقيقة أن ما حصل طيلة سنوات حكم السيد جورج بوش يشبه ما نشاهده في عالم الحيوان من مطاردة بين مفترس كاسر وأخر ضعيف. ليس عيبا القول بالضعف السوري, علينا أن نتعلم خطاب الواقعية, هو الأقرب إلى القلوب والعقول. تخيلوا معي مشهد المطاردة. الوحش يجري نحو الفريسة. تفر الفريسة, تتخبط يمينا يسارا, إلى الأمام إلى الخلف, في كل الاتجاهات. وبعد ساعات يقف الوحش منهكا وهو على مسافة ليست بعيدة عن الطريدة. تبتعد الكميرا كي تغطي كامل المشهد فماذا نرى؟. الطريدة تقف من جديد على ضفة النهر الذي اندفعت مبتعدة عنه أول الأمر مع فارق واحد, الآن بإمكانها أن تشرب الماء بهدوء ودون قلق. الوحش فاقد لقواه.
هل شاهدتم مشهد الفهود وهي تقف على بعد أمتار من فريستها المفترضة ولم يعد في طاقتها حتى أن تحرك يدها كي تخيف. الولايات المتحدة تقف على خازوق أسمه العراق. لا يعني هذا أن القوة الأميركية قد استنفذت تماما, فعمل عسكري محدود ما يزال مطروحا, وضمن طاقات تلك القوة, ولكن الضربة الواسعة انتهت, ليس في هذا الجيل حتما. هل هذا يعني نهاية المطاف؟. لا. فما زال هناك مساحة للعمل. نعم إن الواقع المعاشي للمواطن السوري تحسن ونتائج الاقتصاد تسجل نقاطا, ولكن يجب ألا ننسى أننا قادمون من حال **** استمرت عقودا لذا يبدو وأكثر من أي وقت مضى من الضروري الالتفات إلى الداخل لتصحيح بعض النقاط. ملفات يمكن وصفها بالسهل الممتنع. الملف الكردي يجب أن يحسم, يجب أن يخرج من التوظيف الخارجي دون أي تسويف, بأية آلية, يجب أن ينتهي مرة واحدة وإلى الأبد. المواطنة هي الحل. من ليس سوريا فلا تعريف آخر له سوى الخيانة. هذا هو الحل. ولكن كي يتحقق لابد من الاعتراف بحقوق ومن القيام بممارسات وتصحيح أوضاع. الفساد بدوره ملف كبير. ولكنه أيضا سهل ممتنع. يجب أن تستعيد الحملة التي بدأ الرئيس بشار الأسد عهده بها أوجها. النزف الاقتصادي يمكن أن يصحح من الوضع المعاشي وتحديدا ملف البطالة. وهذا وحده يؤمن التفافا وطنيا أكبر من أي تصور تنظيري. إنه ببساطة ممارسة يومية تمس كل فرد, في كل لحظة, لذا لا يمكن تأجيله.(**************)
الاعتراف بالفشل الحضاري بداية الطريق. السلطات في سوريا مدعوة إلى تصحيح جوهري للنهج التعليمي والتعبوي. (******************) العراق ولبنان في حال تماس عضوي مع الداخل السوري. النداء الأميركي لاستحضار الحال الشيعي السني لتوصيف المستقبل يجب ألا يغيب. كما كان الإخوان المسلمون كرتا أميركيا للاستنزاف عقدا كاملا يجب ألا يغيب عن الرؤيا أن الوعي الديني يمكن أن يوظف في أي مرحلة وبأتفه الطرق. الواقع الثقافي بحاجة إلى تصحيح مفاهيمي واسع يبدأ في المراحل الدراسية المبكرة. ثلاث علوم هي المفتاح. علم المنطق, بما يحمل من قدرة على التحليل والاستنباط الصحيحين, علم النفس, بما يدفع نحو تجاوز نقائص الذات وتنقية الحال مع الآخر الشريك, كل شريك في الحياة, الفلسفة, بما تفتحه من أبواب أمام العقل الفردي وتاليا الجمعي نحو الحلو الخلاقة وكم يحتاجها وطننا. التصحيح الثقافي يجب ألا يترك اللغة العربية لضياعها. من حق الإنسانية علينا أن نحفظ هذا الإنجاز العظيم ولكن الخوض في التفاصيل يتطلب وقفة أخرى. كل ما تقدم من تصحيح ثقافي غرضه واحد : إخراج المواطن من حال الميوعة الفكرية. ولكن حتى يحدث هذا, وهو أمر يتطلب جيلا في أقل تقدير, علينا أن نفعل شيئا للآن. البداية يجب أن تكون في المصطلحات الملتبسة في توصيف الانتماء. إن ترك تفسير تلك المصطلحات للصدفة وقانون القطيع يؤسس لحالة وعي جمعي مخالف للمصلحة الوطنية. القطيع وطني بالعاطفة لا بالوعي, ما لم يفهم بعد ذلك فنحن في كارثة. المصطلحات تستقر في أذهان البسطاء في مواقع البديهيات بعد أن تتولى التيارات الدينية شرحها في الخفاء, بما فيه (********), وأشرطة الكاسيت التي تباع على الأرصفة, فيما النخب الوطنية مكتفية بحال الهروب. الحديث عن الفكر الديني وتقسيماته للمواطن والوطن أو عن الطائفية حديث مقزز, ولكن أن تفرغ ما في معدتك من طعام مسموم, مع ما في عملية الاستفراغ من قرف, هو حتما الخيار الأمثل والأصح من ترك السموم تصل للدم معتمدا على قدرتك الذاتية على المقاومة. آن ألا نترك حالنا الصحي للقول المصري : معدته بتاكل الزلط . لقد أكلنا الزلط في العراق ولبنان . قواعد اللعبة في الشرق الأوسط عادت إلى سابق عهدها والعود أحمد, لذا علينا أن نتخذ جملة إجراءات لحفظ هذا الحمد بدلا من الاسترخاء فهو مهلك الأمم.
إضافة تعليق جديد