عودة ليلى نصير
فضّلت الفنانة التشكيلية ليلى نصير العزلة في مدينتها اللاذقية، فقد أجبرها المرض والتقدم في السن على الانكفاء قليلاً.
وهذا ما أمن لها وقتاً للتأمل والكمون الإبداعي ومن ثم الإبداع «عمري الآن حوالي السبعين عاما، ليس لدي منزل في دمشق، أعيش في مرسم صغير في اللاذقية واستطعت رسم الكثير من الأعمال، لكن مدينة اللاذقية بعيدة عن الحركة الفنية والمدن الصغيرة البعيدة مقتل للفنان، ابتعدت عن الحركة التشكيلية أكثر من 15 سنة، الأستاذ خالد السماوي صاحب «غاليري أيام» شجعني على العمل والحركة.. ربما شجعتني«الغاليري» لأنها تحملت مسؤولية النقل والبراويظ ..وأنا مريضة دائماً ومن دون مساعدة لا أستطيع إقامة معرض، وهذا المعرض استعادي نصف لوحاته قديم وقسم آخر جديد....
- وتتذكر نصير لاذقية الماضي فتقول: اللاذقية كانت من المدن القليلة التي تتمتع بمستوى ثقافي عالٍ وعدد كبير من المثقفين وكانت تستقطب الكثير من النشاطات كالباليه الروسي مثلا العزلة أفادت نصير بمراجعة نفسها وفنها حيث أتاحت لها إعادة الحسابات «أنا من النوع الذي يعيد حساباته دائما، وكما أعيد حسابي اليومي أيضا في فني أعيد الحسابات ماذا فعلت وماذا أعطيت.... وكيف سأتجه والى أين سأصل..»
وهذا ليس أمرا استثنائيا فليلى نصير كما بقية الفنانين لديها قلق الإبداع: «انه قلق الفنان الدائم مع نفسه ومعطياته، يوميا يغوص الفنان في داخله، الاستعادة ضرورية فتراكم البصريات والتراكم الذهني كله يتجمع داخلي ويحركني إلى الأمام، لدي فترات كمون «استراحة» وعندما أبتدئ بالعمل أنتج كمية كبيرة من الأعمال حيث أعمل بشكل متواصل ومستمر، وعندما أتوقف أستمر لشهور طويلة،...»
وهل الفن التشكيلي إلّا أحد ضروب الابداع؟! تقول نصير: والفن التشكيلي كالكتابة هناك فترات توقف «أنا أكتب أيضا» شعر وقصة لدي قاعدة تقول كلما عاش الإنسان مع نفسه يعطي أكثر ، إضافة لذلك يجب أن يتواصل مع المحيط أيضا ويأخذ كم كبير من البصريات ومن الحقائق والبحث عن معطيات جديدة كل ذلك يتجمع في داخله، بعد ذلك يعيش مع نفسه فترة من الزمن ليخرج بلوحات غنية، لكن العزلة لاتعني الابتعاد عن المجتمع «فالإنسان حسب نصير » ابن المحيط كما هو ابن التراث «اللباس والعمارة والموبيليا واللغة والحكايا والشعر والأساطير والتاريخ». فنحن استمرار لكل هذه الأشياء مهما قلنا فنحن جزء من التراث والتاريخ، فالمعطيات دون أن نشعر تنعكس علينا، دراسة الفنان الأكاديمية، بحثه الدائم.. تقنياته.. أفكاره.. تطوره... الفنان يتطور فهو ليس ثابتا وانما متطور كالعالم والمحيط الاجتماعي..
ولا تستغرب نصير وصفها بسيدة التشكيل الاولى أو رائدة الفن التشكيلي «أنا تعبت على نفسي وتفرغت للفن، لم أتزوج وعملت حوالي ستة معارض في دمشق وعرضت عدة مرات في حلب وفي حمص والرقة وحماة ودير الزور وفي اللاذقية عدة مرات
- أنا بطيئة في الإنتاج حقيقة وعندي قلة بعكس غيري لأن العمل يأخذ مني وقتاً كبيرا فالعمل يجب أن أتفاعل معه وأحبه لكي أبدع، لكن أحاول أن يكون إنتاجي مدروساً وإنتاجي جزء مني وأنا جزء منه.
تغلغلت الأسطورة في لوحات نصير والسبب «تأثرت بالفنون المصرية القديمة كوني درست في مصر وأخذت منها معطيات جميلة جدا ، كتلة ضمن خطوط مبسطة هذه الكتلة المعمارية المبسطة سواء بالرسم المصري أم بالنحت المصري هي من صفات عملي، الخط عندي فيه تلخيص وتبسيط و كل هذا أخذته من الفن المصري لا كمحاكاة وإنما كمعطيات، فالمحاكاة مرفوضة بالعمل الفني كما أخذت من روح الفنون القديمة الأولية الاوغاريتية... يجب أن تنعكس خصوصيتي وخصوصية المنطقة في عملي ولدي اهتمام بالأيقونة الشرقية ضمن معطيات حديثة حاولت الدخول إلى الأساطير للهروب من الواقع المؤلم عبر الصوفية والشعر والموسيقا مع جملة أساطير».
رغم ذلك لم تستطع ليلى نصير الابتعاد كليا عن الألم والواقع المر «مررت بمرحلة قديمة كنت أعبر عن الواقع وهمومه بطريقة حديثة».
تراجعت حدة فرشاتها وألوانها في الفترة الأخيرة؟! تقول نصير: كنت فنانة تعبيرية حادة بالقلم واللون والطرح انتقلت فيما بعد إلى مرحلة عكسية هي التقارب اللوني الذي يعطي حالة صوفية وشعرية وموسيقية، وهذا ما أريد الوصول إليه، والإنسان عندما يكبر ويمرض كثيرا يتجه نحو حالات غنية أكثر وصوفية أكثر فيها جمالية أكثر مما فيها تعبيرية، في مرحلة الشباب كنت أستوحي الكثير من موضوعاتي من البيئة مثلا عندما أريد رسم العيون أستوحيها من البيئة.. من المعاناة التي أجدها في الباصات مثلا، أحب التعبير عن المحيط والواقع بطريقتي الشخصية وبثقافتي وبحداثتي عبر التجريد والأعمال التعبيرية، مررت بمراحل مختلفة وبأساليب مختلفة حتى وصلت إلى المرحلة الأخيرة الحالة الوجدانية الصوفية الشعرية الموسيقية «هروب من الواقع» الفنتازيا.
أجرى الحوار بمناسبة معرضها الاستعادي في صالة أيام
أحمد الخليل
المصدر: تشرين
إضافة تعليق جديد