تقريرأمريكي متشائم عن العراق:أي تقدم لا يستحق تكلفته البشرية والمالية
مع اقتراب ساعة الحسم لجهة اتخاذ قرار حول مواصلة سحب القوات الأمريكية في العراق من عدمها، أصدرت “مجموعة دراسة العراق” التابعة للكونجرس تقريراً جديداً حول الوضع في البلد المحتل الذي وصفه بالهش، حيث وضع واشنطن أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول تخلي حكومة بغداد عن سلطتها للمحافظات أو جدولة الانسحاب، والآخر هو عملية اعادة نشر جميع القوات الأمريكية في العراق وبلا شروط بدءاً من يناير /كانون الثاني المقبل، على أن تنتهي عام ،2011 وتضمن التقرير تحديد المصالح الأمريكية في العراق في خمس مصالح رئيسية، في وقت تتنازع وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) الحيرة بين تواضع المكاسب التي تحققت على الأرض، وحاجة القوات المسلحة الى التقاط أنفاسها، وسط مخاوف حيال انتشار الأمراض الذهنية والعقلية والنفسية بين جنودها الذين يتكرر انتشارهم في البلد المحتل.وبالتزامن مع مثول كل من السفير الأمريكي بالعراق راين كروكر وقائد قوات الاحتلال هناك الجنرال ديفيد بترايوس أمام الكونجرس غداً الثلاثاء، أصدرت نفس مجموعة الخبراء التي سبق أن قدمت تقرير “مجموعة دراسة العراق” المعروف ب “تقرير بيكر - هامليتون” عام ،2006 تقريراً جديداً على درجة كبيرة من الأهمية حول الوضع في العراق، لكنه هذه المرة بتكليف من “معهد الولايات المتحدة للسلام”، وهو أحد مراكز الأبحاث القومية الممولة من الكونجرس.
التقرير المتشائم الذي وضعه خبراء يمثلون كافة التوجهات السياسية الأمريكية يشرح العقبات والخيارات السياسية التي تواجهها الولايات المتحدة بالعراق، حيث توصلت مجموعة الخبراء إلى حقيقة مهمة هي أن التقدم السياسي في العراق “بطيء للغاية ومتعثر وسطحي”، وأن “التمزق السياسي واضح وغالب جداً”، والنتيجة ان وضع الولايات المتحدة في العراق مماثل لوضعها هناك منذ عام بالنسبة لعامل “قدرتها على مغادرة العراق”.
هذه الحقيقة التي توصل إليها التقرير تتعارض مع الأهداف التي سبق ان اعلنها وما زال الرئيس الأمريكي وإدارته وهم يبررون عملية التصعيد التي بدأها مطلع العام الماضي عندما حث الكونجرس على انتظار نتائج التصعيد ومطالبا بفرصة أخرى أخيرة حتى يأخذ العراقيون فرصتهم لبناء مؤسساتهم السياسية بعيدا عن التهديدات الأمنية المستمرة.
وتوصلت مجموعة دراسة “معهد السلام الأمريكي” في تقرير لها إلى عدم حدوث تغيير يذكر على مدى العام الماضي يمكن ان يؤثر في قرار البقاء في العراق.
وحذر التقرير من أن أي تقدم يحدث في المستقبل قد لا يكون يستحق التكلفة العالية في الأرواح وفي الأموال على الجانب الأمريكي.
وأكد التقرير أن بعض التطورات الجيدة التي حدثت مؤخرا في العراق كانت نتيجة عوامل لا تخضع للولايات المتحدة ولا علاقة لها بها، وهي عوامل قابلة للتغير بسرعة، في إشارة إلى تجميد الزعيم الشاب مقتدى الصدر عمل جيش المهدي وانشاء مجالس الصحوة.
وأوصى التقرير في حالة استمرار الولايات المتحدة بالبقاء في العراق بالتركيز بشكل أكبر على حدوث تنمية اقتصادية وتطوير سياسي على المستوى المحلي، باعتباره محكاً خطيراً ومهماً، لا سيما وأن حكومة المالكي فشلت منذ ان جاءت إلى الحكم 2005 في التواصل مع شعبها وأوصى التقرير أي حكومة أمريكية بدلاً من محاولة حل المشكلات السياسية والخلافات حول شكل الدولة وغيرها بين العراقيين، أن تتجاهل هذه الخلافات وتعمل على تنمية قدرات الحكم على المستوى المحلي وعلى مستوى المراكز والمحافظات، وخلق زعماء محليين لخلق الظروف التوافقية الحقيقية، وحث التقرير الولايات المتحدة على تشجيع احضار جميع الطوائف لمناقشة الخلافات السياسية بجانبها وتوزيع السلطة والفيدرالية والتعديلات الخاصة بالدستور.
وبالنسبة للخيارين اللذين وضعهما التقرير أمام الإدارة الأمريكية فكانا..
الخيار الأول يربط بين بقاء الولايات المتحدة واستمرارها بالعراق بموافقة الحكومة ببغداد على التخلي عن السلطة للمحافظات بحيث لا تتولى الحكومة المركزية ببغداد سوى مسؤولية الجيش وتوزيع الدخل على المحافظات، وانه في حالة رفض الجانب العراقي فمن المفترض حينها أن توقف الولايات المتحدة نزيف الخسائر وتبدأ بجدولة للانسحاب.
أما في حال موافقة الجانب العراقي فيجب حينها أن تحتفظ واشنطن بتواجد عسكري مفترض لتساعد في تدريب الجيش العراقي لأن أي تخفيض في مستوى القوات الأمريكية بالعراق في هذه الحالة غالبا ما سينتج عنه درجة من الفوضى والعنف بغض النظر عن مستوى التخفيض في عدد القوات الأمريكية.
وتوقع التقرير أن تنجح محاولة خلق حكومة مركزية عراقية قادرة على القيام بالدور الأمني في الوقت المتبقي (لإدارة بوش).
أما الخيار الثاني، فهو القيام بإعادة انتشار لجميع القوات الأمريكية بالعراق وبلا شروط بدءاً من يناير/كانون الثاني 2009 على ان ينتهي في 2011 وذلك بالتزامن مع خلق تواجد عسكري أمريكي محسن بالمنطقة وبالقيام بخلق تحالفات مؤيدة بالمنطقة تعطي التأييد السياسي المطلوب لحكومة بغداد.
وبينما واجه التقرير ادارة بوش بالخيارين وإما الاستمرار في الوضع الحالي بكل ما فيه، فإنه اعتبر التحسن الطفيف الحادث بالعراق مجرد تحسن “هش”، ومحدداً خمس مصالح أساسية للولايات المتحدة بالعراق على الادارة الأمريكية وضعها بالحسبان حينما تحدد الخيار الأمثل وهذه المصالح مرتبط تحقيقها بأي الخيارات ستسلك واشنطن، وهي:
1 منع العراق من ان يتحول إلى ملجأ وملاذ آمن للارهاب الدولي (وفي حالة تنفيذ الخيار الأول أو الثاني فالنتيجة ستكون ايجابية)، أما في حالة الاستمرار في السياسة الحالية أي عدم القيام بأي من الخيارين فالنتيجة ستكون سلبية.
2 المصلحة الثانية هي استعادة مصداقية الولايات المتحدة وهيبتها وقدرتها على العمل دولياً (في حالة الخيار الأول ستكون النتيجة سلبية، أما إذا نفذ الخيار الثاني فستكون النتيجة ايجابية إلى حد ما).
3 المصلحة الثالثة وهي تكريس الاستقرار بالمنطقة، في حالة خيار حكومة في بغداد لامركزية وسلطات للمحليات (ربما فيدرالية) فالنتيجة ستكون متوسطة لا سلبية ولا ايجابية، أما في حالة الخيار الثاني (خيار اعادة الانتشار الأمريكي في كافة الأنحاء) فالنتيجة ستكون سلبية.
4 المصلحة الرابعة: وهي الحد من اعادة توجيه النفوذ الايراني، ففي حالة الخيار الأول ستكون ايجابية، أما في حالة تنفيذ الخيار الثاني ستكون النتيجة سلبية.
5 المصلحة الخامسة وهي المحافظة على العراق كدولة واحدة فإنه في حالة الخيار الأول ستكون النتيجة ايجابية جداً، بينما في حالة الخيار الثاني ستكون سلبية.
وفي كل الأحوال فإن مصالح الولايات المتحدة الخمس ستكون على المحك، وستتعرض لنتائج سلبية في حالة تجاهل الخيارين تماماً، ومع تقليل تواجد القوات الأمريكية، بالعراق فالنتيجة ستكون سلبية، وذلك حسب تقييم خبراء دراسة الوضع بالعراق بمعهد السلام الأمريكي.
اللافت في التقرير ان البند المتصل والمعنون تحت “جيران العراق” وضع ثلاثة خيارات أمام ساسة الولايات المتحدة لها احتمالات أكبر في النجاح، وذلك في حالة تعاون جيران العراق، حيث تم رصد تحسن طفيف في سلوك دول كسوريا وايران حيث تعتقد البنتاجون حدوث تقليص في تسرب من يوصفون بالارهابيين من الحدود مع سوريا.
كما قل عدد الهجمات التي تتعرض لها القوات الأمريكية باستخدام أسلحة يعتقد انها من ايران.
أيضا كان من اللافت تسجيل تغير في قناعات أكراد العراق بعد التدخل العسكري التركي الأخير بموافقة واشنطن في شمال العراق، حيث زعزعت هذه الأحداث ثقة الأكراد في الولايات المتحدة، بينما لم يهتم جيران العراق بتاتا بهذا الأمر.
وأوصى التقرير بأن تشجع مجهودات جيران العراق لا سيما ايران والسعودية لاحلال الاستقرار بالعراق الذي لن يحدث دون حد أدنى من التعاون، لا سيما من قبل إيران والسعودية التي مازالت مترددة في اقامة علاقات دبلوماسية كاملة مع العراق، وفي انهاء وحسم موضوع الديون العراقية.
المصدر:الخليج
إضافة تعليق جديد