«فيتو» أميركي يعوق تصدير الغاز المصري إلى سوريا
احتدم الجدال في القاهرة في أوائل العام الجاري في شأن السعر المفترض أن يسلّم على أساسه الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل ضمن الاتفاقية بين البلدين، التي بدأت دراستها منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي وأبرمت في حزيران من عام 2005. فقد أفادت تقارير صحافية بأنّ السعر المفترض لكلّ مليون وحدة حرارية هو 1،5 دولار، وهي قيمة أقل بكثير من تلك المتداول على أساسها الغاز الطبيعي في العالم (نحو 12 دولاراً) وأقل من كلفة الإنتاج في مصر حتى (2،65 دولار).
- الموقع الاستخباري الإسرائيلي على شبكة الإنترنت، «دبكا فايل»، أورد معلومات تفيد بأنّ العقد الذي يمتد على فترة 15 عاماً وتبلغ قيمته الإجمالية 2,5 مليار دولار، مهدّد بالانهيار بسبب اجتهاد رجال دين في جامعة الأزهر: حرام بيع الغاز والنفط المصريين إلى «العدو الصهيوني»... إلّا أنّ النظام المصري لا يرى في الدولة العبرية «عدواً صهيونياً». لذا، عندما أُحرج وزير النفط سامح فهمي بسؤال عن سعر الغاز المباع إلى إسرائيل، طرحته عضو مجلس شورى بلاده، ليلى الخواجة، ردّ رجل الأعمال المقرّب من الحزب الحاكم، محمد فريد خميس، بأطروحة: السعر هو مسألة أمن قومي. لذا فإنّ التصريح عنه يُعدّ خرقاً للمعايير التي تحكم مسائل مشابهة. ربما السعر ليس 1,5 دولار (أكيد لن تبيع السلطة المصرية الغاز إلى إسرائيل بأقلّ من الكلفة) ولكنّ تقارير كثيرة تشير إلى أنّ «السعر السرّ» أقلّ من 3 دولارات (أي إن هامش الربح المصري هو بين سنت واحد و34 سنتاً).
وعلى أي حال، فإن الاتفاق بين البلدين، حسبما يتضح، ماض تطبيقه تنفيذاً للجداول الزمنية المقررة، وبتماه مع الأطر المعدة بين «شركة شرق المتوسط للغاز» (وهي كونسورتسيوم مؤلف من الشركة الوطنية المصرية للغاز، وشركة «ميرهاف» الإسرائيلية، إضافة إلى شراكة رجل الأعمال المصري المقرّب من نظام مبارك حسين سالم) وشركة الكهرباء الإسرائيلية: ينقل الغاز من مدينة العريش في شمال سيناء إلى مدينة عسقلان الساحلية. وبحسب تقارير إسرائيلية غير رسمية، فإن الضخ قد بدأ فعلاً في شباط الماضي.
وإزاء هذا الواقع، تتزايد أهميّة سؤال: ماذا عن التصدير إلى الدول العربيّة؟
الاتفاقيّة بين عمّان والقاهرة تلزم الشركة الوطنية الأردنية للكهرباء بشراء 1،1 مليار قدم مكعّب من الغاز المصري يومياً، على أن ترتفع هذه الكمية إلى 3،5 مليارات قدم مكعب بحلول عام 2013... تبقى سوريا ولبنان!
بعد اجتماع وزاري محوره خط الغاز العربي استضافته دمشق في 23 شباط الماضي، تبيّن أن الأعمال على الخط حتى محطة دير علي جنوب دمشق، أصبحت منتهية بالكامل، وأن أعمال تجفيف الخط قد بدأت، وبالتالي «أصبح بإمكان محطة دير علي استقبال الغاز المصري منذ منتصف آذار الماضي». ووافق الجانب المصري على بدء ضخ الكميات المتفق عليها إلى سوريا بدءاً من تاريخ 21/3/2008 (!).
ولكن تأزّماً سياسياً مصرياً ــــ سورياً هو الذي أعاق بدء الضخّ في الفترة المحدّدة. فقد كشفت مصادر مطّلعة أنّ عدم انطلاق رحلة الغاز بين البلدين العربيّين سببه كان «فيتو» أميركي في إطار «قرار مقاطعة سوريا». وبالتالي، فإنّ الحديث عن تأخّر في تسلّم «برنامج المعلوماتيّة» (SOFTWARE) الأميركي الصنع، لتشغيل الخط بين مصر وسوريا، يندرج في إطار «الحجج التقنيّة» لتغطية خلاف عربي ــــ عربي استعر في الفترة الأخيرة وينتظر موافقة أميركيّة لحلّه.
وبحسب المصادر نفسها، فإنّ التجهيزات التقنيّة لبدء الضخ بين البلدين ستجهز مع حلول أوّل الشهر المقبل «مبدئياً»، وستنطلق بعدها فترة تجارب تستمرّ شهراً أو شهرين، على أن يبدأ الضخ الفعلي عند انتهائها. وبالتالي سيصبح وصول الغاز المصري إلى لبنان ممكناً، عبر الـ«swap» مع سوريا، إذا لم تلحق الفترة التجريبيّة جولة أخرى من التأزّم السياسي تطلقها إطالة تحقيق «التطبيع الصحيح» مع سوريا (إذا تعرقل اتفاق الدوحة)، أو تطلقها جولات أخرى من «التنافس» المصري ــــ السوري.
وفي هذا السياق، أجرى رئيس الحكومة، فؤاد السنيورة، اتصالات مكثّفة مع نظيره المصري أحمد نظيف في الفترة الأخيرة، بعدما كانت الحكومة اللبنانية قد أكّدت أكثر من مرّة أن ضخّ الغاز المصري سيبدأ في حزيران الجاري أو تموز المقبل، فيظلّ عدم توقيع العقود التفصيلية مع مصر، أو مع الأردن وسوريا، حتّى الآن.
- من جهة أخرى، فإنّ ما يثير في قضية تصدير الغاز المصري، بغض النظر عن مسائل الأمن القومي والأفضليّات الاستراتيجيّة بين إسرائيل ومصر، هو كمية الغاز المتوقع نقلها إلى الدولة العبرية خلال الـ15 عاماً المقبلة، وخصوصاً في ظلّ أسعار تثير الكثير من الريبة. وبالتالي ما الذي سيخصّص من الغاز المصري للتصدير، ويضخ في خط الغاز العربي، وتحديداً ما هي حصة لبنان؟
استهلاك مصر من الغاز الطبيعى ازداد بنسبة 1150 في المئة بين عامي 1982 و2004. ومصر هي الدولة الأولى في استهلاك الغاز في أفريقيا والثالثة في الوطن العربى بعد السعودية والإمارات.
ودفع القلق المتعلّق بضرورة الحفاظ على حقوق الأجيال المقبلة من الغاز السلطات المصرية في عام 2005 إلى تحديد كمية الغاز الممكن تصديره بـ25 في المئة من الاحتياطيات، بينما صادرات مصر من الغاز، بحسب شركة «جنوب الوادي القابضة» للبترول، تصل إلى 28 في المئة من الإنتاج، أي إن الكمية المخصصة للإنتاج تبلغ في وقتنا الراهن: 1،764 مليار قدم مكعب يومياً. ولكن كيف ستقسم؟
الجانب المصري يؤكّد أنّ متوسّط حجم الغاز المكتشف يبلغ 5 تريليونات قدم مكعب سنوياً وأن حجم الاستهلاك المحلي وصادرات الغاز الطبيعي هو بحدود 2 تريليون قدم مكعب، واحتُفظ بالباقي كوديعة للأجيال القادمة، وأنّ احتياطي الغاز في مصر آمن وديناميكي... آمن بالنسبة إلى الحاجات الداخليّة بالتأكيد، ولكن بالنسبة إلى الدول المستفيدة منه، أي البلدان التي سيمرّ فيها خطّ الغاز العربي (الأردن وسوريا وتركيا) إضافة إلى لبنان وأوروبا (بعد وصل الخط بأنبوب «نابوكو» الأوروبي) فإنّ المسألة تتعقّد. وبالنسبة إلى لبنان فهي تتعلّق بإحداثيّات حديّة حسّاسة جداً، وخصوصاً إذا أخذنا بعين الاعتبار العوامل الأربعة التالية:
1 ــــ النمط الذي سيسري على أساسه الارتفاع في الاستهلاك المصري للغاز خلال السنوات المقبلة. 2ــــ مبدأ «قدسيّة الأمن القومي» الذي يحكم التعامل مع إسرائيل. 3ــــ العامل السياسي الذي سيحدّد ما إذا كانت «النواقص البسيطة» التي تعوق الوصلة بين حمص والحدود اللبنانيّة ــــ السوريّة، لا تزال موجودة، رغم أنّ «كلّ شيء مكتمل وجاهز لاستقبال الغاز» حسبما تؤكّد دمشق. 4 ــــ في ظلّ عطش دول الاتحاد الأوروبي للغاز، واستخدام روسيا لمواردها الطبيعيّة كأداة سياسيّة، فإنّ مصلحة القاهرة تقضي بالإفادة حتى الحدود القصوى من إشباع الحاجة الأوروبيّة: المرحلة الأولى من عمليّة ربط خط الغاز العربي بـ«نابوكو» ستبدأ العام المقبل على الأرجح، وستنتهي في غضون عامين.
وبالتالي، إذا كان الـ«فيتو» الأميركي هو ما دفع التوتّرات السياسيّة بين القاهرة ودمشق نحو ملعب «تصدير الغاز»، فإنّ استفادة لبنان تبقى حتى الآن عالقة بين الخلافات العربيّة ــــ العربيّة من جهة، وواقعيّة تطبيع العلاقات مع دمشق: مع اكتمال التجهيزات التقنيّة ربّما يُنتظر التداول بالبنود الحسّاسة بعد افتتاح السفارة السوريّة في بيروت!
حسن شقراني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد