أنقرة وخيارات دبلوماسية "المنزلة بين المنزلتين"
الجمل: على خلفية صراع موسكو – واشنطن الذي نجح في إعادة إنتاج نفسه مرة أخرى وبرز إلى السطح بقوة من خلال حرب جورجيا – روسيا الأخيرة فإن حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم وجد نفسه أمام واحدة من أكثر المعادلات تعقيداً في تاريخ الدبلوماسية التركية.
* خيار أنقرة: أبرز التساؤلات الجارية؟
تقف أنقرة حالياً أمام العديد من التساؤلات التي يصعب الإجابة عليها بشكل قاطع ومن أبرزها:
• إلى أين يمضي خط صراع موسكو – واشنطن؟
• إلى أين يمضي مستقبل منطقة القوقاز وغير القوقاز؟
• إلى أين يمضي مستقبل العراق وإقليم كردستان؟
• إلى أين يمضي مستقبل إيران وهل ستواجه الضربة العسكرية أم ستتحول إلى قوة إقليمية كبرى؟
• إلى أين يمضي مستقبل أفغانستان والباكستان؟
• إلى أين يمضي مستقبل البلقان؟
• إلى أين يمضي مستقبل آسيا الوسطى؟
• إلى أين يمضي مستقبل جزيرة قبرص؟
• إلى أين يمضي مستقبل منطقة بحر إيجة؟
• إلى أين يمضي مستقبل أمن البحر الأسود؟
كل هذه التساؤلات تعتبر حيوية بالنسبة لمستقبل أمن واستقرار تركيا، لأن الإجابة على واحد منها أو على بعضها لن يكون كافياً أمام دوائر صنع واتخاذ القرار التركي لجهة تحديد الإجابة القاطعة على السؤال القائل كيف سيكون أمن واستقرار تركيا ممكناً في مثل هذه البيئة الإقليمية والدولية المضطربة أمنياً وسياسياً؟ وهل بالمضي قدماً إلى جانب واشنطن وحليفتها تل أبيب أم بتغيير الاتجاه؟ وهل بالإمكان التوصل إلى حسابات دقيقة لجهة تقوم معادلة حسابات الفرص والمخاطر التي ستواجه تركيا؟ وهل بالإمكان تحديد تداعيات الفرص والمخاطر وتفاعلاتها الإيجابية والسلبية مع عناصر القوة والضعف الموجودة في القوام الجيوسياسي التركي؟
تدرك أنقرة حالياً أنه قد آن الأوان بالضرورة لتحديد الخيار التركي ولكن القيام بتحديد هذا الخيار ما زال يصطدم بعقبة الإجابة على السؤال: في أي اتجاه؟ وكيف؟ وهل بالإمكان القيام بذلك؟
* أنقرة بين خيار إدارة التصعيد وخيار إدارة التهدئة:
المجال الحيوي الإقليمي التركي أصبح يمثل واحدة من الأقاليم الجيوسياسية الحيوية الأكبر في العالم لجهة:
• تعدد الأطراف المحلية والإقليمية والدولية المتصارعة.
• تعدد الملفات التي يدور حولها النزاع والصراع.
وأدت هذه التعددية إلى تداخل حسابات معادلة الفرص والمخاطر بحيث أصبح من الصعب جداً على أنقرة الحصول على الفرص دون أن تكون هناك مخاطر كبيرة مترتبة عليها أو مواجهة المخاطر دون أن تكون هناك فرصة كبيرة ستضيع من ورائها.
• الوقوف إلى جانب محور واشنطن – تل أبيب سيتيح لأنقرة فرصة الدعم الأمريكي ولكنه يعرضها لمخاطر العداء الإقليمي والتورط في النزاعات الإقليمية بالإضافة إلى استهداف موسكو وإيران ومواجهة مخاطر فقدان دمشق وحلفاء أنقرة في الشرق الأوسط.
• الوقوف إلى جانب موسكو سيتيح لأنقرة فرصة التحول إلى منصة لتدفقات النفط القادمة من منابع احتياطيات النفط والغاز الأكبر في العالم من آسيا الوسطى وبحر قزوين وروسيا وكازاخستان ولكنه سيعرضها لمخاطر الاستهداف الأمريكي عن طريق العراق وغيرها من دول الجوار التركي إضافةً إلى أنه يفتح المجال لنشوء تحالفات أمريكية – أرمينية وأمريكية – أذربيجانية وأمريكية – عراقية وأمريكية – يونانية تعمل جميعها على استهداف وتقويض استقرار تركيا.
* أنقرة وخيارات دبلوماسية "المنزلة بين المنزلتين":
من سخرية القدر أن أنقرة أصبحت اليوم أمام خيار البحث عن "المنزلة بين المنزلتين" الذي سبق أن قال به المعتزلي واصل بن عطاء، وحتى الآن ما تزال أنقرة تحاول الوقوف بحذر ضمن ما يحقق لها النجاح في الوقوف في منزلة بين منزلتي واشنطن وموسكو لأنه إذا انحدرت أنقرة ومالت باتجاه جنة واشنطن فإن نيران موسكو ستنفخ عليها والعكس صحيح!
تحركات دبلوماسية أنقرة الحالية تركز على محاولة تجميع دول جوارها الإقليمي وحثها على التفاهم ووضع التصورات المشتركة لجهة حفظ استقرار المنطقة وعلى ما يبدو فإن أنقرة قد اختارت طريقاً صعباً لأن:
• أرمينيا لن تستطيع التخلي عن تحالفها مع موسكو التي توفر لها الدعم والمساندة بما يجعلها تحقق التفوق على أذربيجان المدعومة أمريكياً في الصراع حول السيطرة على إقليم ناغورنو – كرباخ وإقليم ناختشيفان.
• أذربيجان لن تستطيع التخلي عن واشنطن التي ظلت تدعمها وتحقق لها الحماية والمساندة بما أدى إلى منع أرمينيا وردعها من مغبة التمادي في صراعها مع أذربيجان.
• لن تستطيع تركيا التخلي عن المساندة الأمريكية في صراعها ضد الحركات الكردية والانفصالية لأن الدعم والمساندة الأمريكية – الإسرائيلية ستكون بشكل مفتوح لهذه الحركات التي ستلحق أفدح الأضرار باستقرار تركيا.
• لن تستطيع تر كيا بناء تحالف استراتيجي مع إيران لأن ذلك يجعلها هدفاً لمحور واشنطن – إسرائيل.
• لن تستطيع تركيا تقويض علاقاتها الاستراتيجية مع أمريكا لأن ذلك سيقوض ملف انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي.
• لن تستطيع تركيا تصعيد خلافاتها مع أمريكا لأن ذلك سيؤدي إلى تعزيز قدرة اليونان بما يجلب على تركيا الخسارة في ملف الصراع القبرصي وملف الصراع حول جزر بحر إيجة.
• لن تستطيع تركيا معاداة موسكو لأن ذلك سيسبب لها الحرمان من مزايا تمديد أنابيب النفط والغاز عبر أراضيها.
حتى الآن سيظل خيار أنقرة هو الرهان على التهدئة وتكثيف الدبلوماسية الوقائية الهادفة لمنع انتشار وتمدد دائرة الصراع إضافة إلى محاولة السيطرة على بؤرة الصراع التي اندلعت في تركيا ولكن في حالة تزايد نطاق الصراع وحدوث المزيد من التصعيدات فعلى الأغلب أن تحاول أنقرة أن تلعب لعبة دعنا ننتظر ونرى ما الذي سيحدث ومن سيكون متفوقاً في بادئ الأمر ثم نحدد بعد ذلك على أي حصان سنركب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد