تبادل السفارات بين سورية ولبنان: المقدمات والنتائج (4)
الجمل: تمثل السياسة الخارجية ظاهرة متعددة الأبعاد والجوانب والتداعيات وذلك لأنها ظاهرة برنامجية تنصرف إلى تحقيق الأهداف بشكل عابر للحدود وتأسيساً على ذلك، بعد قيام العلاقات الدبلوماسية السورية – اللبنانية يجوز لنا أن نتساءل: هل تملك النخبة السياسية اللبنانية –وهي التي طالبت بالعلاقات الدبلوماسية- برنامجاً للعلاقات مع سوريا؟ أم أن المطالبة بإقامة العلاقات الدبلوماسية كانت مجرد رد فعل، أو بالأحرى ناتجة عن "موقف نفسي" خاص ببعض النخب التي على خلفية الاستقواء بأمريكا وفرنسا رفعت أصواتها لجهة التسويق لملف العلاقات الدبلوماسية؟
* إلى ماذا ستنصرف السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا؟
تقول معطيات العلوم السياسية وتحديداً الجزء المختص بالعلاقات الدولية بأن برنامج السياسة الخارجية –بشكله العام- يجب أن ينصرف إلى بعدين رئيسيين هما:
• البعد الأول: لمعالجة أربعة جوانب هي: التوجهات، الأدوار، الأهداف، والاستراتيجيات.
• البعد الثاني: يجب أن ينصرف لمعالجة ثلاثة جوانب هي: القرارات، السلوكيات، والمعاملات.
وبإسقاط هذين البعدين على العلاقات الدبلوماسية السورية اللبنانية، وتحديداً ما يتعلق بـ"سياسة لبنان الخارجية إزاء سوريا"، لم يظهر حتى الآن شيء محدد وذلك لأنه لم يصدر على الجانب اللبناني أي برنامج واضح المعالم للسياسة إزاء سوريا، وكل ما هو متاح الآن القليل من التكهنات والتي قد تفيد لجهة أن ملف سوريا في لبنان سيشهد صراعاً بين الكتل السياسية الساعية لبيع هذا الملف في بورصات البيت الأبيض الأمريكي، والكتل السياسية الساعية لتحقيق الاستقرار وتوطيد العلاقات السورية – اللبنانية.
بالنسبة للبعد الأول يمكن طرح التساؤلات الآتية:
• توجهات السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا: كيف سيكون طابعها العام، وكيف ستكون خصائصها الرئيسية؟ هل ستركز على خصوصية العلاقة مع سوريا أم على توتير العلاقات أم على الانعزال، أم على التدخل لمصلحة الأطراف الخارجية أم على عدم الانحياز، أم على الانحياز؟
• أدوار السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا: ما هو الدور الذي سيحاول لبنان أن يلعبه في سوريا؟ وبكلمات أخرى، لما كانت قدرات الدولة تلعب الدور الرئيسي في تحديد دورها الخارجي، فما هي القدرات التي ستعزز الدور اللبناني في سوريا؟ وبوضوح أكثر: تقوم السياسة الخارجية الأمريكية إزاء إسرائيل بدور الحليف المخلص الذي يزودها بالمال والتكنولوجيا والحماية، وتقوم السياسة الخارجية السويسرية بدور الجسر الدولي الذي يعمل على نقل الرسائل والمعلومات بين الدول والحكومات وتقوم أمريكا بدور الشرطي العالمي الذي يعمل على ردع قوى الشر ودعم قوى الخير في العالم.
• أهداف السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا: ما هي هذه الأهداف؟ ومن سيقوم بتحديدها؟ وما هي القيم والمصالح التي سيعكسها مضمون هذه الأهداف؟ وبكلمات أخرى، لم ترسل الولايات المتحدة قواتها لاحتلال العراق لمجرد أن إدارة بوش تعادي وتكره العراق، وإنما لأنها تريد الاستحواذ على مخزونات النفط العراقي، ولم ترسل سوريا قواتها إلى لبنان لمجرد أنها تريد ممارسة النفوذ على لبنان، وإنما لأن اللبنانيين هم الذين طلبوا ذلك لحمايتهم من خطر المليشيات اللبنانية التي زعزعت أمنهم واستقرارهم وحتى الآن لم يتحدد أو بالأحرى، لم يتميز الخيط الأسود من الأبيض فهل سيكون هدف السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا هو دعم سوريا أو الحصول على دعم سوريا؟
• استراتيجيات السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا: حتى الآن لا يوجد تحديد لماهية الحسابات اللبنانية الشاملة، التي تقوم على أساس الربط بين الأهداف المحددة والوسائل المتاحة لتحقيق هذه الأهداف وبكلمات أخرى، لا يوجد حتى الآن أي تصور لبناني يعبر عن الخطوات الإجرائية اللازمة لنقل التوجهات من دائرة التخطيط النظري إلى دائرة التنفيذ العملي.
بالنسبة للبعد الثاني، فمن الممكن طرح التساؤلات الآتية:
• كيف ستكون قرارات السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا؟ وهل ستنصرف هذه القرارات إلى معالجة الجوانب المتعلقة بالقضايا الرئيسية التي تنظم علاقة الدولة اللبنانية بالدولة السورية أم إلى معالجة الجوانب المتعلقة بـ"خصوصية" توجهات زعماء الكتل اللبنانية إزاء سوريا؟
• كيف سيكون سيناريو سلوكيات العلاقة الدبلوماسية مع سوريا وبكلمات أخرى، كيف سيتصرف الدبلوماسيون اللبنانيون في سوريا هل باعتبارهم ممثلين للدولة اللبنانية أم لبعض الزعامات اللبنانية التي بدأت تحركاتها للحصول على حصة في وظائف السفارة اللبنانية المتوقع إقامتها في دمشق؟
• كيف ستتم المعاملات؟ وبتحديد أكبر كيف ستقوم السفارة اللبنانية بتصريف معاملات السياسة الخارجية اللبنانية إزاء سوريا؟ هل ستقوم السفارة بإشراف على الارتباط التقليدي الدبلوماسي بين الحكومة السورية والحكومة اللبنانية أم ستحاول استخدام الغطاء الدبلوماسي من أجل تنفيذ "معاملات أخرى" يقوم بمقتضاها الدبلوماسيون اللبنانيون الذين دعموا ترشيحهم للعمل الدبلوماسي في السفارة؟
على خلفية النقاشات والتحليلات اللبنانية وعلى وجه الخصوص تلك التي تعلقت بالمطالبات الهادفة إلى الدفع باتجاه انتهاج أسلوب التعامل الدبلوماسي عبر السفارات مع سوريا نلاحظ بأنه حتى الآن لم تنصرف هذه التحليلات والنقاشات إلى ما هو أبعد من الموقف النفسي الهادف إلى جوانب أخرى لا يتسع المجال للخوض فيها هنا ولكن على مستوى عموميات العلاقة الدبلوماسية مع سوريا:
• هل ستسعى الخارجية اللبنانية إلى استخدام سفارتها لجهة إقرار نمط العلاقات السورية – اللبنانية الحالي أم أنها ستسعى إلى محاولة تغيير هذا النمط باتجاه تبني نموذج ونمط جديد في العلاقات؟
• هل يوجد تصور واقعي وآخر مثالي لنمذجة العلاقات السورية اللبنانية وبكلمات أخرى هل ستسعى السفارة اللبنانية إلى التكيف مع الواقع السوري كما تفعل معظم سفارات العالم أم ستسعى إلى القيام بما تحاول القيام به السفارات الأمريكية والإسرائيلية وهو نمذجة البلدان التي تعمل ضمنها تلك السفارات وذلك عن طريق إدارة ظهرها للتقاليد الدبلوماسية والعمل باتجاه تنفيذ أجندة السياسات الخارجية المثالية.
• تختلف السفارات على أساس التصنيفات التدخلية فالسفارات الأمريكية تعمل على أساس أنها تمثل القوة التدخلية القاهرة والسفارات مثل البلغارية والتشيكية والكورية الجنوبية وما شابهها من سفارات حلفاء أمريكا تعمل كبروكسي الظل الدبلوماسي الذي يعمل في العلن تحت الغطاء الدبلوماسي الرسمي وفي الخفاء على أساس اعتبارات ما تمليه أجندة تحالفاته مع الولايات المتحدة.
وبرغم أن الساحة اللبنانية ما تزال عامرة بشتى أنماط وألوان من يحاولون القيام بدور بروكسيات الظل لصالح محور تل أبيب – واشنطن فإن الجميع ليس في سوريا وحدها وإنما في معظم أنحاء العالم العربي بما في ذلك لبنان يتمنون أن تكون السفارة اللبنانية في سوريا سفارة لبنانية حقيقية!!
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد