من هو المستهدف في الغارة الأمريكية على الأراضي السورية
الجمل: تتسم أبعاد وتداعيات الغارة الأمريكية الأخيرة ضد سوريا بالكثير من المفاعيل الساعية لجهة التأثير على توازنات النسق الإقليمي الشرق متوسطي وبكل المقاييس لا يمكن اعتبار هذه الغارة أنها تهدف لمجرد القضاء على مجموعة لوجستية تقدم السند وتلعب دور الخلفية الإمدادية للمسلحين الموجودين في العراق.
* المجهود الرئيس للغارة: إلى أين؟
يتضمن العمل العسكري، أي عمل عسكري، مجهود رئيس ومجهود فرعي، وعادةً ما تهمل المجهودات الفرعية في خدمة المجهود الرئيس الذي يهدف إلى تحقيق الهدف، وعلى هذه الخلفية من الصعب –إن لم يكن من المستحيل- الاعتقاد بأن المجهود الرئيس للغارة العسكرية الأمريكية يهدف إلى القضاء على مجموعة لوجستية مكونة من بضعة أفراد.
تأسيساً على قاعدة الخبير الاستراتيجي كلاوزفيتز القائلة بأن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى، وما ترتب على ذلك لاحقاً من إسقاطات استراتيجية تفيد لجهة أن السياسة نفسها هي أيضاً استمرار للحرب بوسائل أخرى يمكن الإشارة إلى التساؤلات الآتية:
• ما هو الرابط بين العملية العسكرية وسياسة محور واشنطن – تل أبيب إزاء لبنان؟
• ما هو الرابط بين العملية العسكرية وسياسة محور تل أبيب – واشنطن إزاء المحادثات السورية – الإسرائيلية غير المباشرة التي تتم بوساطة تركية؟
• ما هو الرابط بين العملية العسكرية وسياسة محور واشنطن – تل أبيب إزاء مستقبل الوجود الأمريكي في العراق؟
• ما هو الرابط بين العملية العسكرية وتوجهات محور واشنطن – تل أبيب إزاء إيران؟
• ما هو الرابط بين العملية العسكرية وتوجهات محور واشنطن – تل أبيب إزاء صراع المحاور العربي – العربي، بين محور دبلوماسية الحقوق العادلة المشروعة الذي تقوده دمشق، ودبلوماسية التنازلات المفتوحة الذي تقوده القاهرة التي نصبت نفسها مؤخراً زعيمة للمعتدلين العرب بعد نجاحها في فرض التبعية الدبلوماسية على الرياض وعمان ورام الله.
لجهة التوقيت الزمني فقد جاءت العملية في وضح النهار، ولجهة التوقيت السياسي فقد جاءت العملية في لحظة مفصلية انتقالية يتحدد بعدها مصير الوجود الأمريكي في العراق ومصير المحادثات السورية – الإسرائيلية ومصير الملف اللبناني ومصير الملف النووي الإيراني وغيرها من القضايا والملفات التي أصبح مصيرها مرتبطاً بمصير الصراع على دخول البيت الأبيض الأمريكي والصراع على تولي منصب رئيس الوزراء الإسرائيلي.
* محور البنتاغون – البيت الأبيض وخيار العملية العسكرية:
الصراع الديمقراطي – الجمهوري في الساحة السياسية الأمريكية هو بالأساس صراع بين مذهبية أولوية اعتبارات الأمن القومي ومذهبية أولوية اعتبارات الأوضاع الاقتصادية الداخلية، وبكلمات أخرى، فقد استطاع الديمقراطيون الذين يراهنون على جدوى أطروحات المدرسة الاقتصادية – الاستراتيجية أن يحرزوا تقدماً على الجمهوريين الذين يراهنون على جدوى أطروحات المدرسة السياسية – العسكرية التي تعتمد عامل الاستباق عن طريق استخدامات نظرية اتخاذ القرار القائم على تقديرات الموقف الجاري، مهما كانت خاطئة أو غير صحيحة أو مفبركة عمداً.
* دبلوماسية سوريا هي الهدف الرئيس:
من الواضح، أن البيت الأبيض والبنتاغون هما اللذان أعطيا الضوء الأخضر لقائد القوات الأمريكية الموجودة في العراق للقيام بتنفيذ المهمة وذلك لجهة الطابع العابر للحدود الدولية الذي تتميز به العملية عن غيرها من العمليات العسكرية الميدانية الجارية التي تقوم بها القوات الأمريكية يومياً في المسرح العراقي.
ومن الواضح أيضاً، أن البيت الأبيض والبنتاغون لم يصدرا الموافقة والأمر التنفيذي الخاص بذلك إلا بعد دراسة متأنية لتقديرات الموقف السياسي الإقليمي المرتبط بالوضع السياسي الكلي في منطقة الشرق الأوسط وتقديرات الموقف السياسي الإقليمي المرتبط بالصراع الرئاسي الأمريكي:
• المطلوب حالياً هو إرباك التحركات الدبلوماسية السورية في المنطقة وعلى وجه الخصوص:
- دبلوماسية سوريا الوقائية الهادفة لحل أو على الأقل تهدئة الصراعات في المنطقة.
- دبلوماسية سوريا التعاونية مع حلفائها في المنطقة وعلى وجه الخصوص تأييد ودعم الدبلوماسية السورية لحقوق الأطراف الشرق أوسطية التي من أبرزها حق الشعب العراقي في الاستقلال من نير الاحتلال العسكري الأمريكي وحق الشعب الفلسطيني وحق اللبنانيين في الدفاع عن بلدهم وحق الإيرانيين في الدفاع عن سيادتهم وحقوقهم التي نصت عليها المواثيق الدولية.
• ردع دبلوماسية خط واشنطن – دمشق وعلى وجه الخصوص دبلوماسية المسار الثالث التي ظل يقوم بها بعض السياسيين الأمريكيين من قادة الكونغرس وزعماء الرأي التي ظلت تتم رغماً عن الحظر الذي ظلت إدارة بوش تحاول فرضه على العلاقات والروابط السورية – الأمريكية.
التأثير المطلوب للغارة، يهدف إلى استخدام مفاعيل تداعياتها لجهة تقليل وزن سوريا الدبلوماسي الإقليمي – الدولي الذي أصبحت تتمتع به خلال الفترة الأخيرة، وذلك لجهة إظهار أن سوريا قد أصبحت تقع تماماً ضمن دائرة الاستهداف العسكري الأمريكي على النحو الذي:
• يردع حلفاء سوريا الإقليميين والدوليين مثل أنقرة، طهران، وموسكو.
• يردع دول الاتحاد الأوروبي الراغبة في المضي قدماً ضمن مسار دبلوماسية التعاون مع سوريا وعلى وجه الخصوص فرنسا وألمانيا.
• يردع المعتدلين العرب وتحديداً الأطراف التي أدركت مخاطر المضي قدماً إلى جانب الولايات المتحدة وذلك بما يمنع هذه الدول من "التوبة" والعودة إلى دبلوماسية الحقوق العادلة والمشروعة التي ظلت تتبناه وتراهن عليه دمشق؟
وما هو جدير بالملاحظة أن الإشارات التي تهدف إلى نقلها الغارة تتجاوز دمشق هذه المرة إلى تل أبيب نفسها وذلك لجهة محاولة الحصول على انقلاب متزامن في توازنات القوى داخل تل أبيب وداخل واشنطن.
• في واشنطن المطلوب لفت انتباه الرأي العام الأمريكي باتجاه ضرورة إعطاء الأولوية للعامل الأمني بدلاً من العامل الاقتصادي الذي برز إلى المقدمة جراء تأثير الأزمة الاقتصادية المندلعة حالياً.
• في تل أبيب المطلوب لفت انتباه الرأي العام الإسرائيلي باتجاه ضرورة إعطاء الأولوية لعامل السلام مع سوريا واستبدال ذلك بإعطاء الأولوية لعامل نظرية تأمين الحدود الشمالية الإسرائيلية الذي ينسجم مع التوجهات الليكودية الساعية لاستهداف المنطقة وإشعال حرب جديدة.
حتى الآن لم تصدر الإدارة الأمريكية أو وزارة الدفاع سوى بعض البيانات والمعلومات الإخبارية العادية وعلى ما يبدو فإن ملف الغارة الأمريكية ضد سوريا لا يخلو من علاقة وارتباط مع ملف الغارة الإسرائيلية ضد سوريا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد