أعـط دولـة تربح ٥٧ دولـة!
بدا ان الإعلان عن المبادرة العربية في الصحف الإسرائيلية يوم أمس، نوع من التسويق لبضاعة كاسدة. ومن الجائز أن النظرة الشعبية إليها في إسرائيل ، لا تختلف عن بقية أنواع الإعلانات عن البضائع في موسم الكساد وفي ظل تفاقم الأزمة الاقتصادية. وهذه النظرة تجد ما تستند إليه بعدما كاد اليمين الإسرائيلي يحسم مسبقا نتائج الانتخابات النيابية المقررة في شباط المقبل في استطلاعات الرأي.
فالمبادرة العربية التي قامت على مبدأ الأرض مقابل السلام، ووجوب الحل على أساس الدولتين، تسوقها منظمة التحرير الفلسطينية اليوم بطريقة »أعط دولة تربح ٥٧ دولة«. وإذا كانت هذه الدول، كبضاعة، غير معروفة لك، فيمكنك التعرف عليها من خلال أعلامها وأسمائها التي كتبت بالعبرية والعربية. وفي بادرة تعبر عن »الدقة« لدى مسوقي البضاعة الجديدة القديمة، جرى استبعاد العلم الإيراني (كما جرى استبعاد اعلام سلطنة عمان واليمن واوزبكستان واوغندا وطاجيكستان).
ويبدو أن القائمين على فكرة تسويق المبادرة العربية بهذا الشكل، لم يأخذوا بالحسبان حقيقة أن الصحف الإسرائيلية نشرت المبادرة مرارا وأشبعتها تحليلا وتحقيقا، بل وأكثرت من نشر مواقف التأييد لها من جانب المثقفين. ولكن هذه المبادرة واجهت في الأصل مشكلة »صغيرة« هي عدم التفات المسؤولين الإسرائيليين إليها، إلا من باب العلاقات العامة. بل ان الحكومة الإسرائيلية أفلحت في دفع الإدارة الأميركية إلى تجاهل المبادرة هذه أو التعامل معها ببرود.
وقد قال أمين سر منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عبد ربه، ان نشر هذا الاعلان يهدف الى »تفسير مبادرة السلام العربية للرأي العام« الاسرائيلي. واضاف »كان لا بد من هذا الامر لشرح المبادرة... لانها تعرضت الى تشويه من اتجاهين، اتجاه بعض القوى السياسية في اسرائيل اليمين الاسرائيلي المتطرف الذي حاول ان يصورها وكأنها مؤامرة عربية ضد اسرائيل ومستقبلها«.
ولا تتلخص العقبات الإسرائيلية أمام المبادرة العربية في مواقف اليمين الإسرائيلي بل تتخطاه إلى مواقف قادة كل من الوسط واليسار الصهيوني. ويمكن الإشارة إلى أن زعيمة حزب كديما تسيبي ليفني عمدت إلى إفراغ المبادرة العربية من مضمونها عندما رفضت عودة أي لاجئ فلسطيني وعندما أكدت سيادة إسرائيل على القدس والكتل الاستيطانية.
وعندما سئلت ليفني عن الإعلان، الذي نشر ايضا في صحف فلسطينية واوروبية، قالت مجددا انها بينما ترى ان المبادرة »ايجابية«، فانها تحتاج الى مراجعات بشأن قضايا مثل مستقبل اللاجئين الفلسطينيين والقدس المحتلة. واوضحت »يجب على العالم العربي ان يفهم ما أقوله الآن: انتم لا تطرحون خطة سلام على المائدة وتقولون... اقبلوها أو اتركوها«.
حتى ان »داعية السلام« الإسرائيلي شمعون بيريز أعلن أن المبادرة العربية جيدة، ولكنها تحتاج إلى مفاوضات لأنه ليس بوسع إسرائيل قبول عدد من البنود فيها. ويوم أمس، أبلغ بيريز البريطانيين بأن إخلاء المستوطنات في الضفة الغربية يعني حربا أهلية إسرائيلية، في طريقة مغلفة لرفض المبادرة العربية.
ولعل أسوأ ما في المبادرة العربية ليس بنودها، وإنما افتقار المجموعة العربية إلى أدوات الاقناع السياسية بجديتها. فإسرائيل، التي ترى أنظمة عربية تتعامل معها سرا وعلانية تارة من أجل ضمان مصالحها، وأخرى من أجل إرضاء الأميركي، لا تجد نفسها مضطرة لأخذ المبادرة العربية بالحسبان جديا. وليس ثمة في تسويق المبادرة العربية بالعبرية وتزيينها بأعلام الدول العربية والإسلامية وبشارة الجامعة العبرية، ما يغير من الأمر شيئا. كل ما في هذا الإعلان أنه كشف أن بؤس الفعل هو أيضا ثمرة بؤس الفكرة. فالإسرائيليون، كما يبدو، لن تغريهم أعلام ٥٧ دولة من أجل السماح بقيام دولة لا يفصلون هم قياساتها.
وتكفي نظرة واحدة إلى استطلاعات الرأي حول نتائج الانتخابات المقبلة في إسرائيل للدلالة على أن الإسرائيليين في واد والمبادرة العربية في واد آخر.
وقد أعلن زعيم الليكود بنيامين نتنياهو قبل أيام، تعليقا على تأييد بعض الساسة الإسرائيليين شكليا للمبادرة العربية، انها مطالب مبالغ فيها وبعيدة عما تستطيع إسرائيل تقديمه. وأضاف »ليس العرب من سيرسمون خط الحدود بيننا وبين الفلسطينيين«.
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد