الوضع الميداني وخيارات إسرائيل المتاحة بمواجهة حماس
الجمل: تطرح التطورات الجارية للعملية العسكرية الإسرائيلية ضد قطاع غزة المزيد من التساؤلات حول المزيد من القضايا المتعلقة بالصراع العربي – الإسرائيلي ومستقبل الأوضاع وتحديداُ في قطاع غزة، يبرز الآن وبقوة السؤال حول مستقبل حركة حماس وطبيعة وضعها المستقبلي وفقاً للاعتبارات المتعلقة بتوازنات الـ"دور" والـ"مكانة".
* هل استطاعت القوات الإسرائيلية إضعاف حركة حماس؟
يقول المحللان السياسيان الإسرائيليان عاموس هاريل وعافي إيساخاروف بأن حركة حماس المتمركزة في القطاع تعرضت خلال الأربعة والعشرين ساعة الماضية لخسائر هي الأسوأ طوال فترة العملية العسكرية التي دخلت يومها الثاني والعشرين. هذا، وأشار المحللان إلى أن العملية العسكرية الجارية ضد القطاع قد أنجزت في ملف استهداف حركة حماس الآتي:
• اغتيال سعيد صيام.
• اغتيال صلاح أبو شرخ.
• تطويق منزل محمود الزهار.
• تغلغل قوات المدرعات والمشاة والقوات الخاصة الإسرائيلية في عمق الجزء الجنوبي الغربي من المدينة حيث يوجد المربع الأمني الخاص بحركة حماس والذي يضم مراكز القيادة والسيطرة الخاصة بالحركة.
• حتى الآن لم تدخل أي وحدة من حركة حماس في مواجهة قتالية مباشرة مع القوات الإسرائيلية وكل ما تقوم به عناصر الحركة حتى في داخل المدينة هو مجرد عمليات اعتراضية.
وعلى خلفية هذه المعطيات يقول المحللان الإسرائيليان أنه برغم الأضرار التي ألحقتها العملية العسكرية الإسرائيلية بحركة حماس في غزة، فإنه من غير المتوقع أن يرى الإسرائيليون عناصر حماس وهم يحملون الأعلام البيضاء طالما أن حركة حماي سوف لن تسمح بذلك مطلقاً.
* نقطة التحول من المرحلة الثانية إلى المرحلة الثالثة:
تقول التسريبات والمعلومات الإسرائيلية أنه بينما كان الخلاف متزايداً في أوساط القيادة السياسية وتحديداً بين أطياف مثلث مجلس الوزراء الأمني المصغر، أولمرت – ليفني – باراك، فقد دفع رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غابي أشكينازي باتجاه البدء فوراً في تنفيذ المرحلة الثالثة وأوضحت المعلومات الآتي:
• الخلاف بين أطراف المثلث السياسي – الأمني أولمرت – ليفني – باراك كان يتمثل في رغبة باراك وليفني في اللجوء إلى التهدئة ووقف إطلاق النار المؤقت، أما أولمرت فقد كان أكثر إصراراً على ضرورة دفع القوات الإسرائيلية لجهة القيام بتصعيدات اللحظة الأخيرة.
• لاحظ الجنرال غابي أشكينازي من خلال المعلومات الميدانية التي تلقاها بأن وحدات حركة حماس المسؤولة عن العمليات الدفاعية في منطقة حي الزيتون قد تخلت عن مواقعها مما دفع أشكينازي إلى اعتبار ذلك نقطة ضعف ميدانية يتوجب استغلالها، ومن ثم دفع باتجاه قيام القوات الإسرائيلية بالشروع في مخطط المرحلة الثالثة الهادف إلى التغلغل داخل مدينة غزة وتقول المعلومات أيضاً بأن القوات الإسرائيلية كانت تضع في اعتبارها الدخول في مواجهة كبيرة فاصلة مع عناصر فرقة مسلحة تابعة لحركة حماس، يعتقد الإسرائيليون بحسب المعلومات التي حصلوا عليها بأن عناصر هذه الفرقة قد تم تدريبهم وتسليحهم وإعدادهم بواسطة إيران، ومن بين العوامل التي دفعت الإسرائيليين إلى بدء المرحلة الثالثة هو ملاحظتهم تفادي مقاتلي حماس الدخول في المواجهات المباشرة مع القوات الإسرائيلية.
* ما هي أبرز التحفظات والمخاوف الإسرائيلية الميدانية الجارية؟
تقول تسريبات المصادر الإسرائيلية بأن تقديرات الموقف المتعلقة بحسابات تنفيذ المرحلة الثالثة والرابعة من العملية العسكرية هي تقديرات ما تزال تنطوي على عدد من المخاطر وعدم اليقين ويتمثل أبرز ذلك في النقاط الآتية:
• إن عدم دخول فرقة حماس المدربة إيرانياً ليس معناه أن هذه الفرقة غير موجودة أو أن العمليات العسكرية الإسرائيلية السابقة نجحت في القضاء عليها خلال المرحلتين الأولى والثانية.
• توجد احتمالات كبيرة بأن يواجه الإسرائيليون عمليات انتحارية مكثفة في حالة المضي قدماً في تنفيذ مخطط المرحلة الثالثة لأن العمليات الانتحارية المكثفة سيترتب عليها وقوع الكثير من القتلى والخسائر البشرية والمادية في الجانب الإسرائيلي وهذا ما تركز القوات الإسرائيلية على تفاديه.
• الاندفاع وخوض المواجهات في عمق المدينة سيؤدي إلى سقوط المزيد من الضحايا المدنيين وتدمير المنشآت المدنية وتقول التسريبات الإسرائيلية أن قصف القوات الإسرائيلية للمنشآت التابعة لمنظمة الأونروا ومقرات المراسلين الصحفيين والمستشفيات والمدارس كانت بمثابة "قصف استطلاعي" هدفه الأساسي استطلاع ردود فعل الرأي العام العالمي وبعد ذلك يتم تحديد مدى إمكانية تنفيذ أو عدم تنفيذ عملية اقتحام المدينة وضمن أي ضوابط وقيود.
• احتمال حدوث المفاجآت غير المتحسب لها وعلى سبيل المثال فقد نجحت حركة حماس وحلفائها في إعداد الكمائن والإيقاع بعناصر القوات الخاصة وبالمدرعات الإسرائيلية وتقول التسريبات أن الجنرال يواف غالانت قائد القيادة الجنوبية الإسرائيلية قد أصدر الأوامر لعناصره بعدم البقاء في البنايات والمنازل المهجورة تحسباً لاحتمالات أن يكون قد تم تفخيخها وتلغيمها للإيقاع بالإسرائيليين.
حتى الآن ومن خلال الأوضاع الميدانية الجارية نلاحظ أن إسرائيل لم تعلن حتى الآن رسمياً بدء قواتها الدخول في تنفيذ المرحلة الثالثة من العملية العسكرية وعلى ما يبدو أن ما يجري حالياً من عمليات عسكرية إسرائيلية يدخل ضمن مجرى "الاستطلاع" لجهة معرفة مدى إمكانية أو عدم إمكانية تنفيذ هذه المرحلة.
* القيادة السياسية – العسكرية – الأمنية الإسرائيلية: السؤال الحرج؟
تقول بعض التحليلات الإسرائيلية بأن على القيادة الإسرائيلية أن تراجع حساباتها وتقديرات موقفها وتخميناتها جيداً وذلك قبل إصدار قرار المضي قدماً في استمرار العملية العسكرية وذلك لأن الخيارات المتاحة أمام إسرائيل حالياً هي:
• الخيار الأول: المضي قدماً في تنفيذ سيناريو القضاء الكامل على حركة حماس.
• الخيار الثاني: وقف العملية العسكرية وسحب القوات الإسرائيلية.
• الخيار الثالث: الإبقاء على الوضع الميداني الحالي.
وتأسيساً على هذه الخيارات الثلاثة، فعلى القيادة العسكرية الإسرائيلية أن تقوم ببناء السيناريو الذي سيحدث ضمن تداعيات كل واحدة من هذه الخيارات.
• الخيار الأول: هو غير ممكن طالما أن حماس تمثل تيار اجتماعي لا يمكن استئصاله بالوسائل العسكرية إضافة إلى أنه سيترتب على تنفيذه المزيد من الخسائر وتشويه موقف إسرائيل الإقليمي والدولي.
• الخيار الثاني: يترتب عليه سيناريو استمرار العمليات العسكرية ضمن وتائر منخفضة الشدة وسيؤدي ذلك إلى إرهاق القدرات الإسرائيلية إضافة إلى تزايد الانتقادات.
• الخيار الثالث: وسيترتب عليه سيناريو على غرار انسحاب القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان في العام 2006م على نحو لا يعني سوى هزيمة إسرائيل. وإذا أصدرت القيادة الإسرائيلية الحالية قرار وقف العملية والانسحاب فإن تحالف كاديما – العمل سيكون قد انتحر سياسياً.
إضافة لذلك، تقول بعض التسريبات الإسرائيلية أن الأجهزة الأمنية والعسكرية تقوم بإعداد تقديرات الموقف لجهة الإجابة على السؤال الرئيسي الآتي:
أيهما أفضل لأمن إسرائيل: القضاء على حركة حماس نهائياً في غزة؟ أم تركها موجودة في القطاع؟ وعلى خلفية هذا السؤال تتعدد الإجابات. هناك من يقول أن القضاء النهائي على الحركة هو أمر غير ممكن لأن البديل لحماس في غزة لن يكون سوى حماس نفسها أو ربما صعود تنظيم الجهاد الإسلامي الذي يعتبر الأكثر خطورة وتهديداً لأمن إسرائيل، إضافة إلى ذلك فإن خروج حماس من غزة معناها تزايد نشاطها في الضفة الغربية وهذا معناه تقويض نفوذ محمود عباس، أما الجانب الثاني المتمثل في إضعاف حركة حماس وجعلها تستمر في السيطرة على القطاع فهو سينطوي على قدر من المخاطرة بالنسبة لإسرائيل حيث ستبقى حماس قادرة على إعادة بناء قدراتها بما يفوق تلك التي كانت لها قبل حدوث العملية العسكرية تماماً كما فعل حزب الله بعد حرب 2006م كما أن إسرائيل لن تستطيع فرض السيطرة على النحو الذي يجعلها تنجح في ضبط نمو حركة حماس.
ولكن إضافة إلى خيار إنهاء وجود حماس في القطاع وخيار إضعافها مع الإبقاء عليها في القطاع يوجد رأي إسرائيلي ثالث يقول بأن إسرائيل يمكن أن تكتفي بالوضع الميداني الحالي مع تشديد الضغط على القطاع، وذلك بما يتيح للخلافات داخل حركة حماس من التزايد والتفاقم وتقول التسريبات الإسرائيلية بأن اثنين من قادة حماس في الداخل هما: راضي أحمد، وأحمد يوسف، قد وجها بعض الانتقادات لقيادة حماس في الخارج لجهة تحميلها المسؤولية عن رفض عرض تمديد الهدنة السابق بما أدى إلى إدخال القطاع في مواجهة كارثة العدوان الإسرائيلي.
وتأسيساً على هذا الرأي الثالث فمن المحتمل أن تحاول القيادة السياسية - العسكرية – الأمنية الإسرائيلية اللجوء إلى الرهان على خيار محاولة استخدام الضغوط العسكرية والسياسية والدبلوماسية بمعاونة مصر، وصولاً إلى تصعيد الخلافات داخل حماس بما يؤدي إلى تقويض استقرارها التنظيمي الداخلي ويفتتها إلى مجموعات تتبادل العداء والاتهامات على غرار سيناريو تفتيت حركة فتح وغيرها من الفصائل الفلسطينية الأخرى.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد