تطورات الصراع في شبه القارة الهندية وأركان التحالف الآسيوي الجديد
الجمل: نفذت إسرائيل العملية العسكرية ضد قطاع غزة وبرغم أن التحليلات والتقارير ركزت على الجوانب المتعلقة بالتطورات الميدانية على الجانبين الإسرائيلي والفلسطيني والتداعيات والفظائع التي ارتكبها الإسرائيليون بحق الفلسطينيين، فقد كان هناك جانب آخر مواز للعملية العسكرية لم يتم التعرف إليه وإن كانت بعض التسريبات لمحت إليه بشكل جانبي، وهو متابعة الخبراء العسكريين الأمنيين الأمريكيين والهنود لهذه العملية منذ لحظة البدء في التخطيط وحتى الآن، هذا، وقد برزت بعض التسريبات الأخيرة التي تقول أن ما هو هام بالنسبة للأمريكيين والهنود لا يكمن في الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وإنما في تعميمات هذه العملية وتحديداً مدى إمكانية تفعيل نماذجها في مناطق شبه القارة الهندية؟
* خلفيات مثلث واشنطن – تل أبيب – نيودلهي:
أسفرت تطورات الصراع في شبه القارة الهندية إلى نشوء حالة من التعاون العسكري – الأمني المتزايد على خط واشنطن – نيودلهي،ـ والذي ترافق معه كما جرت العادة، إلى أن تقوم واشنطن باستصحاب تل أبيب معها إلى نيودلهي.
ظلت تل أبيب تحاول تعزيز تعاونها مع باكستان في مجالات مكافحة الجماعات المسلحة وذلك لجهة رغبة واشنطن في نقل نموذج التعاون الإسرائيلي – الأمريكي العسكري في مجال مكافحة المقاومة المسلحة العراقية، إلى الساحة الباكستانية والأفغانية، ولكن رغبة تل أبيب في التركيز على الهند كحليف حصري لمحور واشنطن – تل أبيب كانت لا تقاوم وبالفعل فقد استطاعت إسرائيل إقناع الولايات المتحدة بمدى أفضلية المزايا النسبية السياسية – الأمنية – العسكرية والاستراتيجية التي يمكن أن تحصل عليها واشنطن من تعاونها مع نيودلهي استراتيجياً ومع إسلام آباد تكتيكياً.
* منظور الإسقاطات الجديدة لعملية غزة: إلى أين؟
تقول المعلومات والتسريبات بأن العديد من السمنارات وورش العمل وتبادل الخبرات تمت بواسطة الأمريكيين والإسرائيليين والهنود، وقد شملت:
• تبادل المعلومات حول المليشيات والحركات المسلحة.
• تبادل الخبرات في مجال مكافحة الحركات المسلحة.
• تنسيق الجهود في تنفيذ بعض العمليات السرية المشتركة.
• التعاون في استخدامات تكنولوجيا المعلومات والتكنولوجيا المتطورة في مجالات مكافحة الحركات المسلحة.
• التعاون في استخدامات البرنامج الفضائي الهندي – الأمريكي – الإسرائيلي.
• بناء شراكة في مجال الحرب ضد الإرهاب.
وأشارت التسريبات إلى قيام الكثير من الخبراء الإسرائيليين بالتمركز في المنشآت العسكرية والأمنية الهندية، وبالقدر نفسه فقد ظل الكثير من الخبراء الهنود يتواتر حضورهم إلى إسرائيل.
أشارت بعض الأوراق والبحوث العسكرية – الأمنية الهندية إلى ضرورة أن تسعى الهند للاستفادة من تجربة وخبرة الإسرائيليين في مكافحة الحركات المسلحة لأن الأوضاع في شبه القارة الهندية أصبحت تشهد تطوراً دراماتيكياً في تصاعد عمليات الجماعات المسلحة التي أصبح عددها يقدر بالمئات في تلك المنطقة.
أعدت إسرائيل منذ أكثر من ستة أشهر مخطط العملية العسكرية ضد قطاع غزة وفي كل مرحلة من مراحل الإعداد كان يتواجد الخبراء الهنود المعنيون بالأمر وبكلمات أخرى فقد شارك الخبراء الهنود في متابعة كافة مراحل العملية العسكرية الإسرائيلية بدءاً من لحظة التخطيط حتى اللحظات الأخيرة التي أخذت فيها العملية شكلاً متقطعاً.
المطلوب هندياً هو القيام بتنفيذ مثل هذه العملية العسكرية في مناطق شبه القارة الهندية وعلى وجه الخصوص في اعتبارات المواجهات الهندية – الهندية الداخلية المتعلقة باستهداف القوات الهندية للجماعات المسلحة الموجودة في مناطق شمال غرب الهند ومنطقة كشمير، وضد الجماعات الشيوعية الماوية الناشطة في شرق وشمال شرق الهند.
* التعاون الهندي – الإسرائيلي – الأمريكي: سيرلانكا نقطة البداية:
بعد سنوات طويلة من الصراع السيرلانكي الداخلي بين الحكومة السيرلانكية الهندوسية الحليف للهند والمتمردين البوذيين حلفاء الصين، نجحت القوات الحكومية في شن عملية عسكرية واسعة النطاق أدت إلى حصر المتمردين في الركن الشمالي الشرقي من الجزيرة، وفي الوقت الذي كان العالم يتابع قيام القوات الإسرائيلية بعدوانها الوحشي ضد قطاع غزة كانت قوات الحكومة السيرلانكية تشن واحدة من أكبر العمليات العسكرية الوحشية ضد قوات التمرد في المدن الشمالية الشرقية التي ظل سكانها يشكلون القوام المساند للتمرد.
وتقول المعلومات أن نجاح القوات الحكومية كان بفضل التعاون الهندي – الإسرائيلي – الأمريكي فقد كان التمويل أمريكياً، والعتاد هندياً، والتخطيط إسرائيلياً، أما التنفيذ فقد كان سيرلانكياً وشاركت فيه بطريقة أو أخرى الهند وإسرائيل وأمريكا.
* سيناريو توظيف أحداث بومباي على غرار أحداث الحادي عشر من أيلول:
شكلت أحداث 11 أيلول نقطة البداية أو بالأحرى الشرارة التي استخدمتها الولايات المتحدة في تنفيذ مشروعها في الحرب على الإرهاب والآن يحاول محور واشنطن – تل أبيب دفع الهند من أجل استغلال أحداث مومباي للقيام بحرب هندية ضد الإرهاب في مناط شبه القارة الهندية وبمناط جنوب شرق آسيا.
امتلأت الكيانات العسكرية الهندية بالخبراء الإسرائيليين إضافة إلى التواجد الكبير لهؤلاء الخبراء في الوحدات العسكرية الهندية المعنية بشؤون مكافحة الحركات المسلحة وتقول المعلومات بأن الهند تحضر حالياً لتنفيذ عملية عسكرية واسعة النطاق ستشمل المسارح الآتية:
• المسرح الكشميري – الهندي حيث تتمركز الحركات الإسلامية المسلحة.
• المسرح الأسامي – الهندي حيث تتمركز الحركات الشيوعية.
• المسرح الباكستاني وتحديداً مناطق الحدود مع باكستان.
• المسرح الأفغاني أي مناطق جنوب أفغانستان.
وتقول المعلومات أن الولايات المتحدة تمارس ضغوطاً على باكستان لتتعاون مع الهند في تنفيذ العمليات بتنظيف القبائل الباكستانية المتاخمة للحدود، وتقول المعلومات والتسريبات بأن إسلام آباد أصبحت تواجه واحداً من أخطر المواقف الدبلوماسية ابتزازاً لجهة وقوعها أمام خيار التعاون مع الهند وبالتالي الحصول على الدعم الأمريكي، أو رفض التعاون وخسارة الدعم.
هذا، وبرغم أن المواجهة الهندية – الباكستانية أصبحت أقل احتمالاً بسبب امتلاكهما للقدرات النووية فإن ما هو أكثر احتمالاً يتمثل في قيام الهند بشن هجوم عسكري واسع النطاق ضد الحركات الإسلامية الكشميرية بشكل تستخدم فيه الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وهو أمر لو تحقق فإن باكستان ستخسر حلفاءها في كشمير إضافة إلى أن إسلام آباد ستواجه السخط الشعبي بواسطة سكان وسط وجنوب باكستان.
أما بالنسبة لدخول القوات الهندية المسرح الأفغاني فهو أمر أصبحت كل ترتيباته واضحة المعالم، وتهدف أمريكا ومعها إسرائيل إلى دفع الهند إلى:
• توقيع شراكة عسكرية – أمنية مع حلف الناتو.
• الدخول في حلف عسكري واسع يقيمه كل حلفاء أمريكا في جنوب وجنوب شرقي آسيا ليعمل على غرار الناتو الآسيوي، الذي ستستضيف الهند قياداته الغربية وتستضيف الفلبين قياداته الوسطى وتستضيف كوريا الجنوبية قياداته الشرقية أما الرئاسة ففي أستراليا.
إضافة لذلك، فسيدخل هذا الحلف العسكري الآسيوي الجديد شراكة مع حلف الناتو وسيكون الهدف الرئيسي لهذا الحلف الجديد متمثلاً في الآتي:
• احتواء منظمة تعاون شنغهاي من التوسع جنوباً.
• ردع القدرات الصينية.
• السيطرة على مناطق المحيط الهندي والممرات البحرية الهامة في جنوب شرق آسيا وعلى وجه الخصوص ممر ملقة الاستراتيجي.
هذا، وتسعى واشنطن حالياً إلى دفع الهند للدخول في شراكة استراتيجية مع كازاخستان، حيث تمثل الهند الدولة الرئيسية في منظومة دول شبه القارة الهندية (باكستان – سيرلانكا – نيبال – بوتان – بنغلاديش – جزر المالديف) وتمثل كازاخستان الدولة الرئيسية في دول آسيا الوسطى (كازاخستان – أوزبكستان – تركمانستان – طاجيكستان - كيرغيزستان)، وبالتالي فإن منظومة دول شبه القارة الهندية سيرتبط مع منظومة دول آسيا الوسطى عبر أفغانستان التي ستمثل الممر الاستراتيجي الذي أصبح واقعاً تحت سيطرة النفوذ الأمريكي.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أن هذا التكتل الرأسي يمضي بشكل متواز مع تكتل رأس آخر يبدأ من خليج عمان ويشمل بلدان الخليج العربي والعراق وتركيا وجورجيا. وحتى الآن ما تزال توجد المزيد من الشكوك حول مدى قدرة ومصداقية الإدارة الأمريكية الحالية على الاضطلاع بتنفيذ مثل هذا المشروع الاستراتيجي، والذي سيؤدي إلى فرض واشنطن لسيطرة جيو-سياسية غير مسبوقة على خارطة العالم. عموماً، برغم ذكاء الخطط وبراعة المخططين فإن الواقع سيظل عصياً إن لم يكن مستحيلاً على سيطرة واشنطن وبكلمات أخرى مهما أفلح الزعماء الأمريكيون في الجلوس على كراسي المكتب البيضاوي في البيت الأبيض الأمريكي فإنهم لن يفلحوا في ترويض العالم الذي أصبحت شعوبه أكثر وعياً وجموحاً وعدم قابلية للترويض.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد