«بوكر العربيّة»: رهانات الشوط الأخير
من يَفوز بجائزة «بوكر» العربية؟ لا أحد يستطيع التنبؤ هذه الدورة. بورصة التكهنات وخبراء لجان التحكيم لم يتفقوا على شيء حتى الآن. حتى أمس، كانت التوقّعات تصب في مصلحة «عزازيل» ليوسف زيدان. يدعم هذا التصور استطلاع أجراه الموقع الرسمي للجائزة، إذ حصلت الرواية على 40 في المئة، تليها «الحفيدة الأميركية» لإنعام كجه جي، ثم «جوع» لمحمد البساطي، فـ «زمن الخيول البيضاء» لإبراهيم نصر الله ثم «المترجم الخائن» لفواز حداد، وأخيراً «روائح ماري كلير» للحبيب السالمي. آراء الجمهور مشكوك في صحتها لأنّه بإمكان أيّ كان التصويت مرات عدّة وترجيح كفة رواية على أخرى، وهو ربما ما فطنت إليه هيئة الجائزة، التي أشارت أنّ التصويت الإلكتروني لا يؤثر في النتيجة.
علينا البحث عن وسيلة أخرى. قد تكون قراءة «مزاج» لجنة التحكيم واختياراتهم السابقة. تضمّ اللجنة 5 أعضاء: رئيسة اللجنة اللبنانيّة يمنى العيد، والباحث المصري رشيد العناني، والمترجم الألماني هارتموت فندريش، والكاتب الإماراتي محمد المر، والإعلامي الأردني فخري صالح، لكن يصعب قراءة ما يدور في أذهانهم: أولاً لتبنّيهم مناهج نقدية مختلفة، كما أنّ الروايات المرشحة تتقاطع في مناطق كثيرة. إذا دخلنا من باب السياسة، فسنجد أنّ إنعام كجه جي تحكي الاحتلال الأميركي للعراق، ويتناول إبراهيم نصر الله القضيّة الفلسطينية، ويرصد محمد البساطي أحوال عائلة عربية في زمن القمع والدكتاتورية. حتى رواية يوسف زيدان يمكن اعتبارها «رواية ضد الأصولية الدينية». ويرصد فواز حداد حالات الفساد الثقافي، فيما يقارب الحبيب السالمي «تلك العلاقة المعقّدة بين الشرق والغرب».
وإذا نظرنا من الزاوية الفنيّة، فسنجد عند البساطي تلك الحفاوة بالصمت ونعومة الكتابة عن العوالم الخشنة. كذلك «المترجم الخائن» التي تتقاطع مع رواية معروفة لساراماغو بعنوان «كل الأسماء». ولن نعدم ملامح فنية مميزة في بقية الأعمال أيضاً. ويبدو أنّ المواجهة الأخيرة بين أعضاء لجنة التحكيم، ستدور تحديداً حول «فنيّة» العمل الفائز، وهناك من يقف ضدّ فوز إنعام كجه جي مثلاً رغم ميل كبير إلى التعاطف معها بسبب موضوعها. بل تسرّب كلام عن «مشكلة» قد تنتقل إلى الساحة العامة إذا فاز العمل بأكثريّة الأصوات!
السلطة العربيّة، دينيّة ومدنيّة، حاضرة بقوّة أيضاً، بصفتها عائقاً لحريّة الأفراد: بطل «روائح ماري كلير» ممنوع من دخول بلاده. الجدل الصاخب الذي أثارته «عزازيل»، ربّما زاد من حظوطها في الفوز، وإن كان بعضهم يرى أنّ «بوكر» قد يصعب أن تذهب إلى رواية «اعترضت عليها الكنيسة»، وخصوصاً أنّ الجائزة ما زالت في بداياتها ولا تريد إثارة الغبار حولها عبر تدعيم أعمال خلافية. كما أنّ هذه الرواية صدرت عن «دار الشروق» المصرية التي حصلت العام الماضي على الجائزة عبر «واحة الغروب» لبهاء طاهر، وربما استهجن بعض أعضاء لجنة التحكيم أن تحتكر الجائزة دارٌ واحدة. هناك من يذكّر بأنّ جائزة العام الماضي ذهبت إلى كاتب مصري، وقد لا تذهب إلى مصري آخر هذه الدورة. وهذا ينطبق أيضاً على البساطي. لكن بين أعضاء لجنة التحكيم مَن يرفض أي تصنيف جغرافي، معتبراً أن فنيّة العمل هي الاعتبار الوحيد (راجع الحوار مع يمنى العيد صفحة 20 ـــ 21).
إلى مَن ستذهب الجائزة إذاً؟ علينا الانتظار ساعات فقط، كي نعرف إذا كانت «بوكر» ستذهب إلى عمل مزعج دينياً/ سياسياً أو عمل متقن أدبياً، إلى شاب أو مكرّس، مغاربي أو مشرقي، امرأة أو رجل، منفيّ أو مقيم في ربوع الوطن...
محمد شعير
والرواية الفائزة هي...
في 2007، أُعلِن رسمياً في أبو ظبي إطلاق «الجائزة العالمية للرواية العربية ــــ بوكر العربيّة»، بدعم من «مؤسسة الإمارات» و«جائزة بوكر» البريطانيّة. منذ ثلاثة أشهر، التأمت لجنة تحكيم الدورة الثانية في «ساوث بانك سنتر» (لندن)، برئاسة يمنى العيد، وعضويّة رشيد العناني (مدير معهد «الدراسات العربية والإسلامية» في جامعة «أكستر»)، والمترجم الألماني للأدب العربي هارتموت فندريش، والكاتب الإماراتي محمد المرّ رئيس «مجلس دبي الثقافي»، والناقد والصحافي الأردني فخري صالح المتخصص في الأدب العربي المعاصر. وأعلنت العيد، بحضور جوناثان تايلور رئيس مجلس الأمناء، اللائحة القصيرة للجائزة: «زمن الخيول البيضاء» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر) لإبراهيم نصر الله، «المترجم الخائن» (دار الريّس) لفواز حداد، «جوع» (دار الآداب) لمحمد البساطي، «روائح ماري كلير» (الآداب) للحبيب السالمي، «الحفيدة الأميركيّة» (دار الجديد) لإنعام كجه جي، «عزازيل» (دار الشروق) ليوسف زيدان. اختيرت العناوين بين 16 عملاً ضمتها القائمة الطويلة، بينها العراقي علي بدر («حارس التبغ»)، واللبنانيّان ربيع جابر («الاعترافات») ورينيه الحايك («صلاة من أجل العائلة»)، والمغربي سالم حميش («هذا الأندلسي»)، والليبي إبراهيم الكوني («الورم»)... وينال كل عمل بلغ اللائحة القصيرة مبلغاً قدره 10 آلاف دولار أميركي. كما يترجم إلى الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والألمانية. بقي أنّ الرواية الفائزة (50 ألف دولار أميركي) تُعلن الليلة خلال حفلة رسميّة في أبو ظبي، عشية انطلاق «معرض أبو ظبي الدولي للكتاب».
عن «بوكر» والقضايا الكبرى
العام الفائت، فاز بهاء طاهر بـ «بوكر» عن «واحة الغروب» التي طرحت فهمها الخاص لعلاقة الغرب والشرق. إنّها رواية تاريخية تناقش إحدى المسائل التي تستحوذ على الوعي العربي! كذلك الروايات التي بلغت القائمة القصيرة، تحمل ما دُرج على تسميته القضايا الكبرى. أذكر تعليقاً لأحد أعضاء اللجنة العام المنصرم: « لسنا في حالة رفاهية فكرية، نحتاج إلى أدب ينتقد المجتمعات ويتناول القضايا الكبرى» من الهوية إلى الإرهاب والأصولية.
وباستعراض الروايات المرشّحة هذه الدورة، نجد أنفسنا أمام مسألة الغرب والشرق. بل إنّ وصول بعضها يثير الاستغراب، أمام تنحية روايات متقنة أخرى كأعمال رينيه الحايك أو سالم حميش. هل تمكن قراءة منطق لجنة تحكيم «بوكر» باستعراض العناوين المُستبعدة من المنافسة؟
إنعام كجه جي في «الحفيدة الأميركية» تمسك العصا من الوسط بالضبط و«روائح ماري كلير» يصوّر فيها الحبيب السالمي حال المثقف العربي أمام المرأة الغربية المتحرّرة. وإذا انتبهنا إلى أنّ هدف «بوكر» توسيع دائرة قرّاء الأدب العربي عبر ترجمة الأعمال، هل هذا يعني أن اللجان تضع في اعتبارها رغبات القارئ الغربي؟ وفي ظل ثقافة الانهزام التي تعيشها المجتمعات العربية، هل نحاكم الإبداع على القيم التي يحملها أم من منطلقات فنّيّة؟ ولو افترضنا أنّ مبدعاً كتب روايةً عظيمةً عن عجز جنسي، هل نتوقع أنّ يرشّحه أحد؟
نوال العلي
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد