الحرب الأفغانية والانزياحات الجديدة في التحالفات الدولية

الجمل: أعلنت إدارة أوباما عن قرار الانسحاب من العراق زيادة عدد القوات الأمريكية في أفغانستان وتقول التقارير والمعلومات بأن تركيز الإدارة الأمريكية الحالية سيكون حصراً على المسرح الأفغاني.
* المسرح الأفغاني: أبرز التساؤلات:
تتلازم الوسائل العسكرية مع الوسائل الدبلوماسية في كافة الاعتبارات المتعلقة بإدارة الصراع، وبإسقاط ذلك على واقع مسرح الحرب الأفغاني الحالي تبرز التساؤلات الآتية:
• ما هو السيناريو العسكري القادم في الحرب الأفغانية؟
• ما هو دور باكستان ليس بالنسبة للحرب الأفغانية وإنما كحليف استراتيجي لأمريكا في منطقة شبه القارة الهندية؟
• ما هو دور دول الجوار الأفغاني المتعددة، إيران – أوزبكستان – تركمانستان – طاجيكستان – الصين – باكستان؟
• ما هو دور القوى الكبرى والإقليمية في الحرب الأفغانية وتحديداً الهند وروسيا إضافة إلى الصين وإيران؟
• ما هو مستقبل وجود حلف الناتو في مسرح الحرب الأفغانية وما هو تأثير ذلك على الاتحاد الأوروبي ودوله الرئيسية وعلى العلاقات الأوروبية – الأوروبية والعلاقات الأوروبية – الأمريكية وعلاقات الناتو بروسيا؟
• ما هو دور القوى والأطراف الأفغانية نفسها سواء الحليفة لأمريكا أو تلك التي تقاتل ضد أمريكا؟
• ما هي امتدادات الحرب الأفغانية القادمة عندما تقوم القوات الأمريكية وقوات الناتو بتصعيد عملياتها العسكرية خلال هذا الصيف الذي بدأت تباشيره، هل سينتقل الصراع إلى باكستان التي انتقل إليها بالأساس أم إلى إيران ودول آسيا الوسطى ومناطق غرب الصين التي تشهد حالياً نشاطاً معارضاً بواسطة البوذيين في إقليم الهملايا، الصين، والمسلمين في إقليم سينغ يانغ الصيني؟
• ما هو النطاق الجديد للدبلوماسية الأمريكية؟ وما هي الصفقات الجارية عقدها حالياً مع الأطراف الإقليمية والدولية الرئيسية حول المسرح الأفغاني وغيره من المسارح والتي بالتأكيد سوف لن يكون المسرح الشرق أوسطي والمسرح القوقازي بمعزل عنها؟
هذه التساؤلات وغيرها ما زال الكثير منها بلا إجابة وذلك برغم ظهور المزيد من الملامح والخطوط العامة التي تفيد لجهة أن لوحة الصراع الأفغاني خلال فترة الإدارة الأمريكية الجديدة ستكون أكثر تعقيداً لجهة تقاطع الوسائل الدبلوماسية مع الوسائل العسكرية وعمليات الإسناد المتبادل بين ما هو دبلوماسي وما هو عسكري.
* ماذا تقول آخر المعلومات؟
بدأت تظهر بعض المعلومات حول بعض القضايا الدولية والإقليمية والتي على ما يبدو ستتجمع في نهاية الأمر ضمن ما يمكن أن تطلق عليه تسمية المجهود الدبلوماسي الأمريكي الرئيس في المسرح الأفغاني ويمكن استعراض هذه المشاهد المتفرقة على النحو الآتي:
• عقد مؤتمر دولي حول أفغانستان ستشارك فيه 80 دولة من بينها إيران، التي أعلنت عن قبولها لدعوة أمريكا لها بالمشاركة.
• عد اجتماع طارئ لقمة منظمة تعاون شنغهاي والتي تضم روسيا والصين ودول آسيا الوسطى، ومنغوليا إضافة إلى الهند وباكستان وإيران كمراقبين.
• إعلان وزارة الخزانة الأمريكية عن إدراجها لاسم حزب الحياة الحرة الكردي الإيراني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية.
• تخلي واشنطن عن جورجيا وأوكرانيا وتشيكيا.
• تأكيد حلف الناتو على ضرورة تفعيل الشراكة مع روسيا.
• انتقادات حلف واشنطن وحلف الناتو لأداء حكومة الرئيس كرزاي الأفغانية.
• حدوث المزيد من التفاهمات والمشاورات مع بعض الحركات الأصولية الأفغانية وتحديداً شبكة الحركات الجهادية التابعة للزعيم الأفغاني حقاني.
• حدوث المزيد من التفاهمات والمشاورات بين طهران وزعماء تحالف الشمال الأفغاني.
• موافقة روسيا على تمرير الإمدادات لقوات حلف الناتو.
• التفاهمات التركية – الروسية حول القوقاز الشمالي والجنوبي.
• التفاهمات الأمريكية – الصينية حول تمرير الإمدادات عبر الأراضي الصينية.
على هذه الخلفية يمكن التوصل إلى الاستنتاجات الآتية:
• سيكون هناك تعاون أمريكي – روسي حول أفغانستان ولكن من غير المؤكد أن يمتد هذا التعاون إلى الملف النووي الإيراني.
• سيكون هناك تعاون بين الناتو وروسيا حول أفغانستان ومن المتوقع أن يشمل هذا التعاون القوقاز الشمالي في مواجهة الحركات الانفصالية القوقازية الناشطة في الشيشان وداغستان وأنفوشيا.
• سيكون هناك تعاون تركي – روسي حول جورجيا ولكن من غير المؤكد أن يمتد هذا التعاون إلى أذربيجان.
• سيكون هناك ستعاون روسي- تركي – إيراني حول أرمينيا.
• سيكون هناك تعاون تركي – إيراني – أمريكي حول شمال العراق وقد بدأت بالعمليات التركية المدعومة أمريكياً ضد حزب العمال الكردستاني. والآن هناك بوادر تعاون أمريكي – إيراني – تركي حول حزب «بيجاك» وإن كان اكتمال ذلك لن يكون في القريب العاجل.
• سيتزايد التعاون الأمريكي – الهندي.
• سيتزايد التعاون الباكستاني – الصيني.
هذا، وبرغم تعدد محاور التوقعات فإن منطق جيوبوليتيك الصراع في منطقة شبه القارة الهندية والمناطق الإقليمية المجاورة لها يفيد بأن حدوث كل هذه التطورات سيكون حصراً رهناً بحدوث الآتي:
• إكمال صفقة خط موسكو – واشنطن المتعلقة بأفغانستان وإيران وآسيا الوسطى وشرق أوروبا والقوقاز إضافة إلى ملف إمدادات النفط والغاز الروسي إلى دول الجوار الأوروبي.
• إكمال صفقة على خط طهران – واشنطن تتضمن التوصل للتفاهمات المشتركة حول ابتعاد إيران عن المسرح الشرق أوسطي مقابل إعطائها دوراً في شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى إضافة إلى تجاهل العقوبات الدولية المقررة ضدها، إن لم يكن إلغاؤها في الوقت الحالي ممكناً. إضافة إلى احتمالات التفاهم معها حول إيقاف برنامجها النووي أو إبطاء العمل فيه على الأقل في الوقت الحالي.
• إكمال صفقة على خط واشنطن – بروكسل تلتزم دول الاتحاد الأوروبي بموجبها القيام بتحمل أعباء الحرب في المسرح الأفغاني وعلى وجه الخصوص التكاليف المالية.
إضافة لذلك، من الواضح أن قيمة باكستان الاستراتيجية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية ستنخفض وعلى الأغلب أن يحدث توتر في العلاقات الأمريكية – الباكستانية بسبب تأثير عاملين الأول يتمثل في تزايد العمليات العسكرية الأمريكية في مناطق الحدود الأفغانية – الباكستانية والثاني في تزايد الروابط الهندية – الأمريكية وما يترتب عليها من قيام نيودلهي بدور أكبر في أفغانستان خلال المرحلة القادمة.
* السؤال الصعب الجديد:
الإجابة على السؤال القائل: ما الذي تريده أمريكا من الحرب في أفغانستان؟ هي إجابة تفيد لجهة أن واشنطن تسعى لشن الحرب ضد الإرهاب، ولكن، إذا أعدنا طرح السؤال بشكل آخر وقلنا: ما الذي تريده واشنطن على وجه الدقة من الحرب على أفغانستان؟ فإن الإجابة الواضحة وعلى لسان مراكز الدراسات الأمريكية المرموقة هي إجابة تفيد لجهة الآتي:
• التمركز الأمريكي في المنطقة الأهم لجهة الخصائص والمميزات الجيو-ستراتيجية التي تتيح لواشنطن استهداف القوى النووية الأكثر في العالم: روسيا من الشمال – الصين من الشرق – الهند وباكستان من الجنوب – إيران من الغرب.
• استهداف مناطق غرب الصين.
• استهداف مناطق جنوب روسيا.
• استهداف مناطق شرق إيران.
• ضبط حركة نقل إمدادات النفط والغاز الروسي بين مناطق آسيا الوسطى وجنوب روسيا وشرق وجنوب شرق آسيا.
فهل ستتعاون الصين وروسيا وإيران والهند وباكستان مع أمريكا لجهة تعزيز قبضة واشنطن على أفغانستان وإذا كان المثل السائد يقول "أُكِلتُ يوم أُكِلَ الثور الأبيض"، فإن أمريكا سوف لن تتردد في أكل جنوب روسيا وغرب الصين وشرق إيران وجنوب القارة الهندية إذا نجحت في أكل أفغانستان!!

الجمل: قسم الدراسات والترجمة