مستقبل الحركات الأصولية في المغرب العربي وشمال إفريقيا
الجمل: يتضمن المفهوم الجيو-سياسي الخاص بالشرق الأوسط الإشارة إلى حيزين جغرافيين أو بالأحرى فرعين جيو-سياسيين هما: شرق المتوسط وشمال إفريقيا، وبرغم الدور المركزي الذي تلعبه منطقة شرق المتوسط في ضبط التفاعلات السياسية – الأمنية الشرق أوسطية فإن منطقة شمال إفريقيا تقوم بدور مكمل في ضبط هذه التفاعلات.
* خصائص القوام الجيو-سياسي لمنطقة شمال إفريقيا:
• شمال إفريقيا: البعد الهيكلي – البنائي: يتكون الحيز الجيو-سياسي الخاص بمنطقة شمال إفريقيا ستة دول هي: مصر – ليبيا – تونس – الجزائر – المغرب – موريتانيا – الصحراء الغربية إضافة إلى السودان الذي يمثل تقاطعاً استثنائياً فهو من الناحية الشمالية يرتبط بشمال إفريقيا عبر مصر وليبيا ومن الناحية الشرقية يرتبط بالقرن الإفريقي ومن الناحية الجنوبية يرتبط بدول إفريقيا السوداء ومن الناحية الغربية يرتبط بدول غرب ووسط إفريقيا. ويبلغ عدد سكان دول شمال إفريقيا حوالي 190 مليون نسمة وذلك بما يشكل تقريباً حوالي ثلثي سكان الدول العربية. وتتميز هذه المنطقة بالتنوع المناخي الذي يجمع بين البيئة المناخية المتوسطية والصحراوية إضافة إلى المدارية وتوجد في هذه المنطقة خمسة دول نفطية: الجزائر – ليبيا – السودان – مصر – موريتانيا.
• شمال إفريقيا: البعد القيمي – الإدراكي: تاريخياً يطلق على هذه المنطقة اسم بلاد المغرب العربي كمصطلح مقابل لتسمية بلاد المشرق العربي وقد شهدت بلاد المشرق والمغرب الكثير من مراحل التنافس التي لم تقتصر حصراً على السياسية وإنما امتدت إلى الفلسفة فقد كان ابن رشد وابن طفيل وابن خلدون يعتبرون من فلاسفة المغرب العربي في مواجهة ابن سينا والغزالي الذين كانوا يمثلون فلاسفة المشرق. لا توجد وحدة قيمية إدراكية بين أطراف بلاد المغرب العربي فبلدان ما يعرف حالياً ببلدان الاتحاد المغاربي (تونس – الجزائر – المغرب - موريتانيا) ما تزال أكثر ارتباطاً بالثقافة الفرانكفونية بعكس البلدان الأخرى التي تتميز بخصوصيتها الثقافية – السياسية والمجتمعية.
• شمال إفريقيا: البعد التفاعلي – السلوكي: ما تزال بلدان شمال إفريقيا تعاني من الانقطاع وعدم التواصل لوجود ثلاثة عوامل أولها يتمثل في الخلافات السياسية والثاني في وجود الصحراء الكبرى، والثالث في عدم وجود شبكات الطرق والبنيات التحتية التي تربط بينها.
وحالياً ما تزال هذه الخصائص تمارس حضورها القوي على بلدان شمال إفريقيا وحتى الآن يمكن الإشارة إلى أن الإرادة والرغبة الحقيقية في تحقيق الترابط بين هذه البلدان ما تزال غير موجودة.
* الاستقرار الإقليمي وإشكالية المخاطر الكامنة الخفية:
برغم عدم وجود صراع بارز واضح في شمال إفريقيا مقارنة بشرق المتوسط التي تتميز بالصراع العربي – الإسرائيلي، فإن منطقة شمال إفريقيا تتضمن صراعاً كامناً مخفياً يمكن أن يؤدي اشتعاله إلى واحد من أكبر الحرائق المدمرة في الشرق الأوسط وبهذا الخصوص يمكن الإشارة إلى النقاط الآتية:
• تعاني دول شمال إفريقيا من ضغوط اقتصادية متزايدة بسبب تزايد معدلات البطالة واكتظاظ السكان في المناطق الساحلية إضافة إلى تزايد المديونية الخارجية ومعدلات التضخم بما أدى إلى تزايد ظاهرة الفقر.
• يوجد عدم إجماع سياسي داخل دول شمال إفريقيا وتشهد بلدان شمال إفريقيا المزيد من الصراعات السياسية الداخلية إضافة إلى الخلافات والصراعات بين حكومات هذه الدول.
حالياً، فإن دول شمال إفريقيا هي الأكثر خطورة لجهة تصاعد الحركات الأصولية الإسلامية وقد قطعت الحركات الأصولية شوطاً كبيراً في إعداد وتجهيز أنفسها لخوض المواجهات المسلحة وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• تزايد عدد الحركات الأصولية الإسلامية المسلحة في الجزائر برغم حملات السلطات الجزائرية وحالياً تمثل حركة الجبهة الإسلامية للإنقاذ التنظيم الذي يحظى بدعم أغلبية الرأي العام الجزائري. وتجدر الإشارة إلى أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ تمثل الجناح السياسي بينما يمثل تنظيم الجماعة الإسلامية الجناح العسكري للتيار الأصولي.
• صعود عمليات الحركات المسلحة الإسلامية في المغرب لعدة أسباب من أبرزها: وجود الروابط والعلاقات بين إسرائيل والنظام الملكي في المغرب وتزايد النفوذ الفرنسي – الأمريكي وتزايد معدلات الفقر، وتشير التوقعات إلى أن العام القادم سيشهد تزايداً ملحوظاً غير مسبوق لأنشطة الحركات الأصولية في المغرب.
• تزايد حركة الاستقطاب الأصولي في تونس وتقول المعلومات أن الجماعات الأصولية التونسية المسلحة التي تفرعت عن حركة الزعيم الأصولي راشد الغنوشي أصبحت برغم ضغوط أجهزة السلطة أكثر استعداداً للقيام بشن موجة من التفجيرات وأعمال العنف السياسي التي تستهدف بشكل مباشر قطاع السياحة في تونس والذي ينظر إليه الأصوليون في تونس باعتباره المسؤول عن تزايد حنقهم نتيجة تزايد النفوذ الفرنسي والروابط بين إسرائيل وتونس.
• في ليبيا أدى انفتاح السلطات الليبية على الغرب بعد قرار ليبيا تسليم أسلحة الدمار الشامل وتفكيك البرنامج النووي الليبي إلى تزايد الروابط بين طرابلس وأمريكا وإيطاليا وفرنسا وفي هذا الخصوص فإن الحركات الإسلامية الليبية التي لم تكن بالأساس على وفاق مع النظام الليبي تسعى إلى تجاوز حالة الارتباك لأنها كانت تجد الدعم والمساندة بواسطة أمريكا والبلدان الغربية ولكن بعد التطورات الأخيرة سعت أمريكا والغرب إلى التخلي عن دعم هذه الحركات وحالياً تسعى الحركات الأصولية الإسلامية الليبية إلى تعميق وجودها في أوساط القبائل الصحراوية الليبية المعادية لنظام الرئيس القذافي ومن المتوقع أن تزاول هذه الحركات نشاطاتها وعملياتها بعد عام أو عامين على الأكثر.
• تعتبر الساحة السياسية المصرية "الحاضنة الرئيسية" التي نشأت وترعرعت فيها الحركات الأصولية منذ اغتيال الشيخ الذهبي زعيم الأزهر والرئيس المصري أنور السادات فقد تطورت في مجرى حركة الصراع السياسي المصري المزيد من الحركات الأصولية الإسلامية وحالياً يوجد نوعان من هذه الحركات:
- أصولية إسلامية تعتمد العمل السياسي من أبرزها جماعة الإخوان المسلمون.
- أصولية إسلامية تعتمد العنف المسلح ومن أبرزها تنظيم الجهاد المصري وتنظيم التكفير والهجرة.
من المتوقع أن يؤدي رحيل الرئيس المصري مبارك إلى إشعال جولة جديدة من الصراع السياسي في مصر وتقول التوقعات أن وزير المخابرات اللواء عمر سليمان أصبح يمثل الرجل الأكثر احتمالاً لتولي رئاسة مصر خاصة وأنه يجد تأييد ومساندة واشنطن وتل أبيب إضافة إلى البلدان الخليجية ونخب الرأي العام المرتبطة بالرئيس مبارك وعلى وجه الخصوص أساتذة الجامعات وقادة الرأي والصحافة الرسمية إضافة إلى تمتعه بمساندة المؤسسة العسكرية – الأمنية. تشير المعلومات إلى أن جمال مبارك نجل حسني مبارك بدأ تحركاته من أجل القضاء على تولي عمر سليمان وسيجد مبارك مساندة بعض الأطراف داخل الحزب الوطني وبعض رموز نظام الرئيس مبارك.
على خلفية معطيات البيئة الدولية المضطربة وتصاعد نشاط الحركات الأصولية الإسلامية في أفغانستان وباكستان والهند إضافة إلى العراق والأراضي الفلسطينية، فإن نافذة انتقال عدوى العنف السياسي الأصولي المسلح من المؤكد ستؤدي إلى اضطراب بلدان شمال إفريقيا والتي لن تكون استثناءاًَ من دوي الانفجارات والسيارات المفخخة والهجمات الانتحارية خاصة وأن شمال إفريقيا تمثل الأصل الذي انطلقت منه الحركات الأصولية والتي تولت التعبئة لدعم حركة الجهاد الأفغاني في ثمانينات وسبعينات القرن الماضي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد