التسرّب من المدارس الأرقام تتحدث
لعلَّ مشكلة التسرُّب من المدارس واحدة من أهم المشكلات التي تواجه وزارة التربية؛ إذ لانزال نسمع عن أرقام تعدُّ كبيرة لذلك التسرُّب، على الرغم من محاولات التربية للحدِّ منها..
وإن كان التعليم- سابقاً- حلماً للفقراء ورفاهية للأغنياء، فإنَّ ذلك انتهى مع إقرار مجانية التعليم، ولكن، إلى الآن تعجز وزارة التربية عن إنهاء المشكلة بشكل كامل..
وإن كان التسرُّب يبدو بصورة أوضح في الريف، فإنَّ ذلك لا يعني استثناء المدن من وجود هذه المشكلة، وربما يبدو من الطبيعي أن تلقي الجهات التربوية اللوم على الأهل الذين يتساهلون في معالجة مشكلة التسرُّب.. إلا أنَّ ذلك لا يرفع المسؤولية عنها، وهي إن كانت تقوم برفع دعاوى قضائية على الأهل الذي يتسبَّبون في تسرُّب أولادهم، فإنَّ الأهم هو متابعة تلك القضايا.
المشكلة ليست بسيطة كما يتصوَّر البعض, فهي من المشكلات التي تواجه الجهات التربوية بشكل خاص، والدولة بشكل عام، ويجب معالجتها بالتعاون مع الأهل، حتى يجتاز الطالب مرحلة التعليم الأساسي على الأقل, وحتى لا تضاف أعداد جديدة إلى أعداد الأمِّيين الكبار, ويجب التشدُّد في تطبيق القانون الذي يقضي بالحبس والغرامة للممتنعين عن إعادة أولادهم المتسرِّبين إلى المدارس, وتعاون الجميع لمعالجة هذه المشكلة الحساسة...
¶ في حمص.. 208 قضايا مرفوعة.. ولكن إمكانية وصول نسبة التسرُّب إلى الصفر واردة
قد يختلف البعض في تحديد أسبابها، لكن لايمكن لأحد أن ينكر وجودها؛ فظاهرة التسرُّب من المدارس التي بدأت تخفُّ كثيراً في سورية بعد تطبيق إلزامية التعليم، بحاجة إلى ثقافة ووعي أكثر أحياناً من الفرض والعقوبة القانونية.
ويؤكِّد مدير تربية حمص، سهيل محمود، أنَّ ظاهرة التسرُّب تعدُّ من المشكلات التربوية البارزة التي يعاني منها الواقع التربوي، وذلك لانعكاسها على الفرد والمجتمع؛ فآثارها السلبية كثيرة، ومنها أنَّ أغلب المتسرِّبين يتعرَّضون للبطالة، لافتقارهم إلى المهارات الضرورية للعمل في المجالات المختلفة، كما أنَّ التسرُّب يؤدِّي إلى حرمان المجتمع من بعض أصحاب القدرات العقلية العالية الذين يمكن أن يسهموا في تطور وتقدُّم المجتمع.
ويوضح مدير تربية حمص، أنَّ أسباب ظاهرة التسرُّب عديدة؛ أهمها أسباب ثقافية واجتماعية، ومنها الأمّية لدى الآباء، إضافة إلى المشكلات الأسرية، كالطلاق وتغيُّب الآباء. كما توجد أسباب اقتصادية؛ عبر تشغيل الأطفال في سنٍّ مبكرة، وانخفاض المستوى المعيشي، ومحدودية دخل الأسرة، مع التنقُّل والترحال في بعض البيئات. إضافة إلى أسباب تعدُّ ذات طابع شخصي، وهي ضعف الاستعدادات الناتجة عن أسباب وراثية أو سوء الصحة.
وعن كيفية تعامل مديرية التربية في حمص مع ظاهر التسرُّب، أشار محمود إلى أنَّ التخفيف والتخلُّص من الظاهرة يتمَّان من خلال العمل بشكل متكامل مع كلِّ أطراف المجتمع والأسرة؛ إذ من المؤكَّد أنه لاتوجد أسرة ترغب في عدم دخول ابنها المدرسة، إلا لظروف خاصة جداً، لذاك عملت تربية حمص، بالتعاون مع مجالس الأولياء ومجالس الأحياء وعبر رجال الدين، على التخفيف من ظاهرة التسرُّب؛ حيث إنَّ كلَّ طرف له طريقته في التأثير، مع العلم بأنَّ نسبة التسرُّب في حمص تعدُّ قليلة بالنسبة إلى بقية المحافظات؛ فهي لاتتجاوز 1،4%، والأمل في الخطة الخمسية الحادية عشرة وضمن برنامج عمل مستمرِّ، أن تصل النسبة إلى الصفر، وهذا شيء يمكن تحقيقه، لأنه يتمُّ ضمن برنامج عمل معيَّن.
وأضاف مدير تربية حمص، أنه يتمُّ أيضاً تشجيع المدرِّسين على استخدام أساليب تربوية حديثة في التدريس، مع تحسين البيئة المدرسية عبر تزويدها بالمرافق والتجهيزات المطلوبة، وخاصة من ناحية تأمين ما يلزم لممارسة النشاطات اللاصفية.. ومن الأساليب أيضاً، العمل على متابعة المتسرُّبين في المدارس طوال العام، والاتصال بالأهل، مع نشر الوعي في المجتمع حول أهمية التعلم وانعكاسات التسرُّب على الأسرة والمجتمع.
¶679 دعوى قضائية بحق أولياء الأمور في الجزيرة السورية
قامت مديرية التربية في محافظة الحسكة برفع 679 دعوى قضائية بحق أولياء الأمور الممتنعين عن إرسال أبنائهم إلى المدارس، وجاءت الدعاوى نتيجة تزايد أعداد المتسرِّبين واستفحال الأمية؛ إذ إنَّ أعدادهم-بحسب بعض التقارير- تزيد على 35 %، كما أنَّ هناك أكثر من 475 دعوى قيد الإنجاز.
وذهب التقرير الصادر مؤخراً عن مديرية تربية الحسكة، إلى أنَّ هناك لجنة للطواف على المحلات التجارية، والمُشكَّلة من قبل المحافظ، بحيث تقوم بشكل دوري بجولات على المحلات الصناعية لتنظيم الضبوط اللازمة لمخالفي قانون التعليم الإلزامي، وملاحقة ومراقبة من يستخدمون أطفالا (عمالة أطفال) ضمن السنِّ الدراسية والملزمة بالتعلم.
كما أشار التقرير أيضاً إلى عدد المتسرِّبين للعام الدراسي 2009-2010؛ إذ بلغ 8074 تلميذاً وتلميذة، منهم 3191 في الحلقة الأولى، و4883 متسرِّباً في الحلقة الثانية.
وبذلك تكون نسبة التسرُّب خلال العام الحالي 47. 2 %، مسجِّلة ارتفاعاً مقارنة بالعام الماضي والذي بلغت فيه النسبة 8. 1 %.
ووصل عدد التلاميذ المداومين في مدارس الحسكة خلال الفصل الدراسي الحالي 24002 طالب، و21963 طالبة، بحسب إحصاءات مديرية التربية في المحافظة.
كما كشف تقرير سابق صادر عن مديرة التربية في الحسكة، أصدرته عن تأثير الجفاف على الواقع التربوي في محافظة الحسكة، أنه تمَّ إغلاق ودمج 24 مدرسة في المحافظة، وذلك نتيجة الهجرة الداخلية للأهالي، وذهاب أبنائهم الذين هم في سنِّ التعليم مع أوليائهم.
بالإضافة إلى نقص كبير في أعداد التلاميذ في كافة مراحل التعليم.
وبحسب التقرير، تبيَّن أنَّ نسبة التسرُّب، ونتيجة الظروف المناخية خلال السنوات الماضية ازدادت من 6102 تلميذ في بداية العام الدراسي الحالي، وانتهت بـ7381 تلميذاً في نهاية العام الدراسي الحالي.
وأوضح مدير التربية في الحسكة، منير عبد العال، أنه خلال العام الحالي تمَّ نقل 3240 تلميذاً إلى المحافظات الأخرى، مبيِّناً أنَّ أعداد التلاميذ والطلاب تناقصت بشكل ملحوظ بين العامين 2008 و2009؛ فبالنسبة إلى أعداد التلاميذ في مرحلة رياض الأطفال للعام 2008 وصلت إلى 3692 تلميذاً، بينما تراجع عدد الطلاب خلال العام الحالي ليصل إلى 3298 تلميذاً.. أما في مرحلة التعليم الأساسي، فبلغ عدد التلاميذ خلال 2008 حوالي 324897 تلميذاً، بينما انخفضت أعداد التلاميذ خلال العام الحالي إلى 324132 تلميذاً.. أما النقص الحاصل بالنسبة إلى أعداد الطلاب في المرحلة الثانوية، فبلغ 9163 طالباً وطالبة، و230 طالباً في مرحلة التعليم المهني، مشيراً إلى أنَّ أكثر نسبة نقص لأعداد التلاميذ في الشعب تتركَّز في المنطقة الجنوبية من المحافظة؛ ما أدَّى إلى خلل في معايير الخريطة المدرسية بشكل عام..يشار إلى أنَّ عدد النقص الحاصل في أعداد التلاميذ بالنسبة إلى كافة مراحل التعليم في المحافظة خلال العام الحالي، وصل إلى 39401 تلميذ؛ منهم 335 تلميذاً لرياض الأطفال، و765 تلميذاً لمرحلة التعليم الأساسي، و9163 طالباً وطالبة لمرحلة التعليم الثانوي، و230 طالباً بالنسبة إلى التعليم المهني.
تربية حماة عالجت 780 من أصل 9618 حالة
عالجت مديرية تربية حماة 780 حالة تسرُّب للتلاميذ من مرحلة التعليم الأساسي في جميع مدارس المحافظة من أصل 8285 حالة تسرُّب قديمة و1333 حالة جديدة موزَّعة على المرحلة الدراسية من الصف الأول وحتى نهاية مرحلة التعليم الأساسي؛ من خلال إعادة أصحابها إلى صفوفهم الدراسية بالوسائل الممكنة، بالتعاون مع إدارات المدارس والفعاليات المختلفة.
وقال المهندس فيصل محرز، مدير تربية حماة المكلّف، إنَّ شعبة التعليم الإلزامي تكثِّف عملها، لاسيما مع مطلع كلّ عام دراسي، في إحصاء عدد التلاميذ المداومين في كامل هذه الرحلة بدقة متناهية، مع متابعة استيعاب أطفال الفئة العمرية من مواليد العام 2003 في مدارس التعليم الأساسي، بعد إحصائهم من سجلات الأحوال المدنيّة وإجراء التقاطع مع المسح الذي تنفِّذه إدارات المدارس، مشيراً إلى أنَّ عدد الأطفال المستوعبين من الفئة المذكورة زاد على 40500 طفل؛ بقي منهم 164 خارج المدارس، وتتواصل الترتيبات لمتابعة تسجيلهم في أماكن إقامتهم، ناهيك عن متابعة أوضاع حالات أصحاب الاحتياجات الخاصة؛ من خلال قيام إدارات المدارس برفع لوائح بأسماء المصابين بإعاقات، بحسب نوع كلٍّ منها وشدتها، وسيتمُّ التعامل مع هذه الحالات التي بلغ عددها هذا العام 145 حالة، وذلك وفقاً لما تنصُّ عليه التعليمات الوزارية الخاصة بهذا الشأن.
وأوضح أنَّ شعبة التعليم الإلزامي في المديرية تتابع أيضاً حالات الأطفال المكتومين، للعمل على تسجيلهم أصولاً في سجلات الأحوال المدنية، كما ترصد ظاهرة تشغيل الأطفال الذين هم في سنِّ مرحلة التعليم الإلزامي لدى المحلات والورشات الصناعية والحرفية، وتفرض العقوبات الرادعة في حقِّ أصحابها وأهالي التلاميذ، مبيِّناً أنَّ عدد هؤلاء الأطفال في مدارس حماة لهذا العام يبلغ 407 أطفال، كما يتمُّ الإشراف على دقة أضابير التلاميذ في المدارس، من خلال الجولات الميدانية التي يقوم بها أمناء سرِّ التعليم الإلزامي في المناطق، بالإضافة إلى تنظيم تنقلات التلاميذ بحسب التعليمات الواردة في الخطة المرحلية، مع تدقيق الثبوتيات اللازمة لتسجيل الوافدين من خارج سورية إلى مدارس المحافظة.
وأضاف محرز أنَّ الشعبة تشرف أيضاً على تنفيذ سبر المعلومات الفصلي والاطِّلاع على نتائج السبر المدوّنة في السجلّ الخاص، كما تحرص على تنفيذ التعميم المتعلق بقبول الأطفال المستمعين من أبناء العاملين في وزارة التربية بحسب رغبة أولياء أمورهم. ورأى أنَّ هناك جملة من الإجراءات التي من شأنها الحدّ من ظاهرة تسرُّب التلاميذ من مرحلة التعليم الأساسي في محافظة حماة، ينبغي تطبيقها؛ وأهمها استدعاء أولياء أمور التلاميذ المكتومين إلى مراكز المناطق والنواحي والأقسام، والتأكيد عليهم ضرورة تسجيل أبنائهم أصولاً، مع إعفاء المكتومين من الغرامات المادية عند التسجيل، ولفترات محدَّدة، وتخفيض خدمة العلم ثلاثة أشهر للشخص الناجح من الصف الثامن إلى الصف التاسع، مع ترميم شواغر أمناء سر التعليم الإلزامي في المناطق التي تشهد عجزاً في سدِّ احتياجاتها من هذه الكوادر التربوية.
الجدير ذكره أنَّ محافظة حماة تسعى إلى تخفيض نسبة تسرُّب التلاميذ في مرحلة التعليم الإلزامي البالغة حالياً 4 %، بحيث تصبح ما دون 1 % في مختلف أنحاء المحافظة، لاسيما في المناطق التي يتَّسع فيها نطاق هذه الظاهرة السلبية.
¶ إحصاءات تبيِّن انخفاض النسبة
ختم محمود بالإشارة ببعض الإحصاءات والنسب عن التسرُّب في محافظة حمص؛ حيث بلغ عدد التلاميذ المشمولين بالالتزام وهم داخل المدرسة 360051 تلميذاً وتلميذة. بينما العدد الباقي خارج المدرسة في بداية العام الدراسي 2009-2010، فبلغ للذكور 3091، وللإناث 3069. ونتيجة المتابعة المستمرَّة من قبل مديرية التربية والاتصال بالأهل، تمَّت إعادة قسم من المتسرِّبين وعددهم 1589 تلميذاً وتلميذة. بينما كان عدد المتسرِّبين في بداية العام الدراسي 2008-2009 حوالي 7538، ونتيجة المتابعة أصبح في نهاية العام 3674، مع الإشارة إلى أنَّ النسبة الأكبر من المتسرِّبين هي في الحلقة الثانية، بينما لايتجاوز عدد المتسرِّبين في الحلقة الأولى 252 تلميذاً وتلميذة.. كما تمَّ رفع دعاوى للمحامي العام في حمص بحق المخالفين والمتغيِّبين عن إرسال أطفالهم إلى المدارس، فبلغ عدد الدعاوى للعام الماضي 208 قضايا بخصوص حالات التسرُّب، قسم منها تمَّ البتُّ فيها، والقسم الآخر قيد المعالجة. إذاً، التخفيف، بل التخلص من ظاهرة التسرُّب، ليس بالأمر المستحيل، خاصة مع التركيز على حملات مكافحة الأمية التي تعدُّ من الأسباب المهمة لزيادة التسرُّب
إذا كان العلم في الصغر... فمن سينقش على حجر حلب..؟؟
لطالما كانت ظاهرة التسرُّب المدرسي على الدوام عاملاً مؤرِّقاً للجهات التربوية وغيرها، خاصة في نسبها التي لم تذكر بشكل واضح وحقيقي، فتركُّز تلك الظاهرة في أغلب الأحيان على المناطق الريفية والأحياء الكبيرة المجاورة للمدن والأحياء العشوائية، ويبدو أنَّ النظرة المختلّة لتعلُّم الإناث، والعادات والتقاليد، عوامل كان لها على الدوام الأثر الأكبر في التسرُّب المدرسي، بينما كان لدور المرشد الاجتماعي في المدرسة التأثير الضعيف، وربما الغائب، في إجبار الطفل نفسياً على متابعة التعليم ورفض العمل، والذي بدوره (الطفل) يفضِّل في تلك المرحلة العمل ويرفض التعليم، أضف إلى ذلك عوامل أخرى أهمها أمية الكبار، أي الأسرة التي تشجِّع على تسرُّب أطفالها من المدارس. هذا ولم تضبط ظاهرة التسرُّب المدرسي في حلب، بل لوحظ- على سبيل المثال- أنَّ أغلب إشارات المرور في مركز مدينة حلب ينتشر إلى جانبها أطفال متسوّلون لا تتجاوز أعمارهم عشر سنوات، كذلك ينتشر هؤلاء الأطفال في المعامل والورشات الصغيرة والكبيرة دون أن يكتشفهم أحد، وبقيت النسبة مرتفعة في المناطق العشوائية، ولاسيما للإناث اللواتي لاتتجاوز أعمارهن 15 عاماً، كمناطق الحيدرية وهنانو وغيرهما من المناطق العشوائية.. أما المناطق الريفية، فقد تكاثرت فيها تلك الظاهرة بين الذكور والإناث، لعدم قدرة الأهل على تلبية مصروفات التعليم، واعتبار التعليم عبئاً اقتصادياً يثقل كاهلهم، إضافةً إلى الاحتياجات الغذائية والمادية للأسرة، والتي تدفع في كثير من الأحيان الأطفال إلى العمل في سنٍّ مبكرة، كمنطقة الشيخ سعيد وجبل الحص وما يجاورهما من مناطق. وفي هذا السياق، لم يخفِ محافظ حلب، علي أحمد منصورة، أنَّ موضوع محو الأمية إحدى أهم القضايا في حلب، وهو في سلّم الأولويات، لأنَّ زيادة الأمية سوف يؤدِّي إلى تفشِّي ظواهر المرض والجهل والجريمة، وهي كلها أمور مرتبطة ببعضها.
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد