تحذيرات أيهود باراك من مخاطر عدم السلام مع سوريا
الجمل: تحدث وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال أيهود باراك يوم أمس الاثنين 1 شباط (فبراير) 2010م, أمام عدد من كبار الضباط الإسرائيليين, قائلا, بضرورة أن تسعى إسرائيل إلى تحقيق السلام مع سوريا, وأضاف الجنرال باراك قائلا, بأنه في غياب وجود أي ترتيبات للسلام مع سوريا, فإن إسرائيل سوف لن يكون أمامها سوى الاتجاه نحو الحرب الشاملة في المنطقة.
تصريحات الجنرال باراك: ماذا تحمل؟
برغم عمق الطبيعة العدوانية السياسية, فإن الأداء السلوكي السياسي الإسرائيلي يتميز بأنه ينطوي على الكثير من الإشارات المتعاكسة والمفاهيم المتضاربة, وعلى سبيل المثال لا الحصر. نشير إلى واقعتين سياسيتين حدثتا بالأمس في إسرائيل:
• ظلت إسرائيل تطالب الزعيم الفلسطيني محمود عباس طوال الأسابيع الماضية بضرورة العودة لطاولة المفاوضات, وبالأمس أعلن محمود عباس موافقته على العودة لطاولة المفاوضات, وطالب الإسرائيليين بوقف الاستيطان لفترة ثلاثة أشهر, واليوم جاء رد الفعل الإسرائيلي الرافض لطلب محمود عباس بفترة الثلاثة أشهر!
• ظل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يعمل من أجل تقويض المحادثات السورية-الإسرائيلية, والقضاء على دور تركيا كوسيط في هذه المحادثات, وفي نفس الاتجاه سعى وزير الخارجية الإسرائيلي إفيغدور ليبرمان إلى إذلال السفير التركي بما أدى إلى المزيد من التدهور في العلاقات التركية-الإسرائيلية, وإعاقة جهود الوساطة التركية. وبالأمس, جاءت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال أيهود باراك التي تطالب من أجل السعي إلى السلام مع سوريا, محذرا الإسرائيليين من مخاطر أن الحرب الشاملة سوف تكون هي البديل الذي من المستحيل تفاديه في حالة عدم السلام مع سوريا.
الطرح الإسرائيلي السياسي المتعاكس, يطرح أكثر من سؤال, فهل السبب هو تعمد اختلاق الرسائل التي تحمل الإشارات السياسية المتعاكسة, أم أن السبب هو خلافات سياسية إسرائيلية-إسرائيلية بين رموز نخبة العمل والنخبة الليكودية؟
الخبير الإسرائيلي شلومو بروم: السلام مع سوريا وفرصة التغيير الاستراتيجي الإقليمي؟
نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي التابع لجامعة تل أبيب ورقة بحثية, أعدها الخبير الإسرائيلي شلومو بروم المختص بشؤون سوريا, وقد حملت الورقة عنوان "المفاوضات السورية-الإسرائيلية: فرصة التغيير الإقليمي الاستراتيجي"
تتكون ورقة شلومو بروم من 10 صفحات, وركزت على دراسة خلفيات متغير الأداء السياسي السلوكي الإسرائيلي إزاء مفاوضات السلام مع سوريا, من خلال دراسة خلفيات متغير آخر, هو الإدراك الإسرائيلي لطبيعة وخلفيات المعطيات والتطورات الجارية في منطقة الحدود الشمالية الإسرائيلية, وبكلمات أخرى, فقد ركزت الورقة على دراسة العلاقة بين متغير إدراك قوة الردع الإسرائيلي في مناطق الحدود الشمالية كمتغير مستقبل, ومتغير مفاوضات السلام مع سوريا كمتغير تابع.
أبرز النقاط التي أشارت إليها ورقة الخبير شلومو بروم, هي:
• تميز عام 2008م, بمحاولة إعادة إحياء مسار المفاوضات السورية-الإسرائيلية, وذلك بسبب المتغيرات والتطورات التي واجهت إسرائيل على ضوء نتائج حرب صيف عام 2006 مع حزب الله في جنوب لبنان.
• انطوت السياسة الإسرائيلية إزاء مسار المفاوضات مع سوريا على العديد من تأثيرات المتغيرات الجارية, والتي تعود خلفيتها إلى إدراك الإسرائيليين المتزايد إزاء الآتي:
1- سياسة التصرف من طرف واحد, التي اعتمدتها إسرائيل, عندما قررت من طرف واحد الانسحاب من جنوب لبنان, وقررت من طرف واحد الانسحاب من قطاع غزة, هي سياسة أصبح الإسرائيليون يدركون بأنها لم تنجح في تحقيق أمن إسرائيل, وذلك لأن جنوب لبنان الذي انسحبت منه إسرائيل من طرف واحد أصبح مصدرا للخطر, وقطاع غزة الذي انسحبت منه إسرائيل من طرف واحد, أصبح مصدرا للخطر أيضا.
2- تمتلك إسرائيل قوة ردع هائلة متفوقة لجهة القدرة على احتواء وتثبيت أمن الحدود الإسرائيلية مع سوريا ولبنان, وبرغم أن إسرائيل كانت تستطيع إسقاط هذه القوة على الواقع الميداني واستخدامها بفعالية, فإنها لم تفعل ذلك, ولاحقا أدى إهمال إسرائيل المتزايد إزاء استخدام هذه الميزة إلى إتاحة الفرصة لخصوم إسرائيل, وتحديدا سوريا وحزب الله, إلى بناء قدراتهم, بما جعل القدرات الردعية الإسرائيلية تواجه خطر الردع اللامتماثل.
• تطرقت ورقة شلومو بروم إلى تفسير مضمون الردع مقابل الردع اللامتماثل, على أساس اعتبارات, أن الردع الإسرائيلي الذي يتميز بالقدرة الفائقة على توجيه الضربات ضد خصوم إسرائيل, هو ردع يتميز في نفس الوقت بالانكشاف الكبير, والعجز التام عن حماية السكان الإسرائيليين من خطر ضربات خصوم إسرائيل, وبسبب هذا الانكشاف فقد أصبحت إسرائيل في مواجهة مشكلة حقيقية تتمثل في أن المطلوب ليس تأمين قدراتها العسكرية, وإنما تأمين السكان الإسرائيليين, الأمر الذي ألقى بالمزيد من الأعباء الإضافية على إسرائيل.
• قدرات خصوم إسرائيل لجهة فرض الردع اللامتماثل ضد إسرائيل, هي قدرات سوف تظل تظهر نفسها بشكل متجدد, وسوف يظل حضورها قويا, في كل حسابات الصراع.
• بعد انتهاء حرب لبنان الثانية, وتزايد معاناة الإسرائيليين من تداعياتها, فقد سيطر على أذهان الإسرائيليين إدراك متزايد, بان خصوم إسرائيل سوف يسعون إلى تكرار نموذج حرب صيف عام 2006م, بما يدخل إسرائيل في سلسلة من الصراعات المشابهة.
• توقع الإسرائيليون أن تقوم دمشق على الفور بالمبادرة لجهة إشعال الصراع على خلفية نتائج حرب صيف عام 2006, ولكن, دمشق أربكت حسابات الإسرائيليين أكثر فأكثر, لأنها وبكل بساطة وضعت الإسرائيليين في حالة مفاضلة مرهقة, بين خيار استئناف المفاوضات, وصولا إلى السلام مع دمشق, وخيار مواجهة الصراع المسلح وفق النماذج التي لم تألفها إسرائيل, ولا تستطيع السيطرة عليها أو على تداعياتها الداخلية والخارجية.
خلصت ورقة الخبير الإسرائيلي شلومو بروم, إلى أن إسرائيل لن تستطيع تحقيق أمن حدودها الشمالية أو أمن حدودها الجنوبية, طالما أنه لم يتحقق السلام مع سوريا.
وأشار شلومو بروم إلى أن إسرائيل قد أضاعت فرص السلام مع سوريا بسبب اهتمام تل أبيب بردود الفعل الدولية إزاء جولات المحادثات, السورية-الإسرائيلية غير المباشرة السابقة التي رعتها تركيا, وتحديدا ردود الفعل الأميركية غير المتحمسة, وردود الفعل الفرنسية التي كانت غير متحمسة أيضا, ويلمح شلومو بروم, إلى أن ردود الفعل الأميركية غير المتحمسة كانت بسبب رغبة واشنطن في الضغط على دمشق لجهة تصفية حسابات أميركا مع سوريا بشأن "الملف العراقي", أما ردود الفعل الفرنسية غير المتحمسة, فكانت بسبب رغبة باريس تصفية حساباتها مع دمشق بشأن "الملف اللبناني". وتأسيسا على ذلك فإن النتيجة التي توصل إليها شلومو بروم ولكنه ولكنه لم يصرح عنها في ورقته البحثية, تتمثل في أن عملية صنع واتخاذ القرار الإسرائيلي بشأن مسار المفاوضات مع سوريا هي عملية لا تتميز بالاستقلالية التامة كما يزعم الزعماء الإسرائيليون. وإنما تخضع في جزء كبير منها إلى مخاطر الاملاءات الخارجية على النحو الذي يكشف مدى هشاشة القوام المؤسسي السياسي الإسرائيلي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد