التوتر السوري- الإسرائيلي وشبح الحرب القادمة
الجمل: تزايدت الأصوات السياسية الإسرائيلية, التي تطالب حكومة تل أبيب بضرورة السعي لتعديل وتغيير مواقفها إزاء ملف مفاوضات اتفاق السلام مع سوريا, وبرغم ذلك, فما هو جدير بالملاحظة والانتباه, يتمثل في طبيعة ومحفزات وخلفيات هذه الأصوات:
توصيف التقارير الجارية:
على خلفيات تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان الأخيرة المعادية لسوريا, جاءت تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الجنرال أيهود باراك, المدعومة بواسطة رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال غابي إشكينازي, والمطالبة بضرورة أن تسعى إسرائيل من أجل التوصل إلى اتفاق مع سوريا, وإلا فإن على تل أبيب الدخول في نفق الحرب...
حملت هذه التصريحات مواقفا متعاكسة, وقد أدت تداعيات هذه التصريحات إلى بروز المزيد من الأصوات الإسرائيلية الداعمة لموقف الجنرال باراك-الجنرال إشكينازي, وفي هذا الخصوص نشير إلى أبرز المواقف الإسرائيلية الجديدة إزاء سوريا وخطوطها العامة, على النحو الآتي:
• الموقف التحذيري: ومن أبرز القائلين به المحلل السياسي الإسرائيلي "ألوف بين" والذي أكد بأن معطيات خبرة منطقة الشرق الأوسط قد أوضحت بأن الهدوء يمكن أن يتحول إلى توتر, وبأن التوتر يمكن أن يتحول إلى حرب, وأضاف قائلا, بأن التوتر مع سوريا يمكن أن يتحول خلال لحظة إلى حرب شاملة, مذكرا الإسرائيليين بأن حرب عام 1967م, قد اندلعت بسبب العديد من التوترات وكان من أبرزها التوتر الذي خلقه تصريح رئيس الأركان الإسرائيلي آنذاك إسحاق رابين, والذي هدد فيه قائلا بأن الجيش الإسرائيلي سوف ينتقم من سوريا باعتبارها المسئولة آنذاك عن دعم حركة فتح الفلسطينية, وتطرق المحلل ألوف بين إلى تفسير لتصريح بنيامين نتنياهو الأخير واصفا التصريح, بأنه تضمن عبارتين, الأولى سعى من خلالها إلى استرضاء حليفه وزير الدفاع الجنرال أيهود باراك, عندما قال بأن إسرائيل ترغب في السلام, ولكن دون شروط مسبقة, والثانية سعى من خلالها إلى استرضاء حليفه وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان عندما قال بأن إسرائيل سوف ترد بقوة وحزم ضد أي تهديد تعرض له.
• الموقف الذرائعي-الواقعي: جاء هذا الموقف على لسان الوزير وعضو الكنيست الإسرائيلي عن حزب الليكود ميشائيل إيتان, والذي طالب فيه اليمين-الديني الإسرائيلي المتشدد بضرورة:
1- التخلي عن حلم مشروع بناء إسرائيل الكبرى, والتركيز على الاكتفاء بأرض إسرائيل الحالية.
2- التأكيد على أن حلم بناء إٍسرائيل الكبرى سوف لن يتحقق.
3- التأكيد على أن الوصول في عام 2020 إلى مرحلة يهودية الدولة الإسرائيلية العالية النقاء هو أمر غير ممكن, طالما أن التخلص من الأقليات العربية داخل إسرائيل هو أمر غير ممكن.
هذا وتقول المعلومات, بأن ميشائيل إيتان, قد تحدث مطلقا تحذيراته في مؤتمر تم عقده في مدينة ديمونة الإٍسرائيلية تم إجراؤه بواسطة لفيف من الخبراء الإسرائيليين الذين شاركوا في صنع مبادرة جنيف, وكان من أبرزهم السياسي الإسرائيلي يوسي بيلين زعيم حركة السلام الآن.
تحدث ميشائيل إيتان حول مجموعة ضغط تم تكوينها مؤخرا داخل الكنيست الإسرائيلي, تحمل اسم التكتل البرلماني من أجل إسرائيل الكبرى, وأشار إيتان قائلا بأن جميع المتشددين داخل الكنيست قد انضموا لهذا التكتل الجديد, وما هو مثير للغرابة أن الزعيم الليكودي بنيامين نتنياهو لم ينضم إليه, ولا الوزير الليكودي المتشدد دان ميريدور.
• الموقف الذرائعي-المثالي: أكد على هذا الموقف المحلل السياسي الإسرائيلي عاموس هاريل, ويطالب بهذا الموقف إسرائيل بالعمل من أجل إخراج سوريا من دول محور الشر, وذلك عن طريق تفكيك وتقويض التحالف السوري-الإيراني, هذا, ويتلخص منظور عاموس هاريل في القول بأن إيران قد أعلنت عن موقفين متعاكسين شكلا ومتفقين مضمونا, فقد أكدت إيران مؤخرا بأنها سوف تعمل من أجل رفع تخصيب اليورانيوم إلى مستوى نقاء يبلغ 20%, وهو يتعاكس مع موقفها السابق الذي أكدت فيه عن رغبتها في التوصل إلى صفقة مع الغرب وأميركا حول تخصيب اليورانيوم خارج إيران, ويشير عاموس هاريل إلى أن الموقف الجديد يتكامل مع الموقف القديم, لجهة أن المفاوضين الغربيين قد طرحوا فكرة أن يتم تخصيب 75% من اليورانيوم خارج إيران وبإشراف المجتمع الدولي, وبالتالي, لما كانت طهران تدرك تماما أن الغرب سوف يعمل من أجل فرض المزيد من العقوبات ضد إيران, مهما قدمت من تنازلات, فإن تصريحات الرئيس نجاد برفع مستوى تخصيب اليورانيوم داخل إيران, معناها أن على الغرب أن يدرك تماما وحصرا, بأن ما هو متاح له إما خيار القبول بالشروط الإيرانية الحالية, أو مواجهة خيار أن تتقدم إيران في تطوير قدراتها النووية بما يخلق المزيد من المخاطر في المنطقة. وعلى خلفية الخيارات الصعبة المشار إليها, فقد برزت الحلقة المفقودة من خلال التقارير المخابراتية الغربية والإسرائيلية التي أكدت على أن حزب الله اللبناني قد أكمل قدراته بحيث أصبح أكثر تفوقا لجهة تهديد إسرائيل بالمزيد من الضربات الموجهة, إذا سعت لضرب إيران, أو حتى إذا سعت أميركا لفرض العقوبات المتشددة ضد إيران, وهذا معناه أن على إسرائيل أن تسعى لتدمير قدرات حزب الله, وبالتالي ضرب لبنان, ولما كانت دمشق قد أكدت بأنها سوف تقف إلى جانب لبنان, فإن المشهد سوف لن يكون سوى حرب شرق أوسطية واسعة, وبالتالي, فإن على إسرائيل قبل أن تضرب إيران, أو تقوم واشنطن بفرض أي عقوبات متشددة ضد إيران, أن تقوم حصرا بالعمل من أجل إخراج سوريا من محور الشر, ولن يحدث ذلك إلا بالعودة للمفاوضات مع سوريا والعمل من أجل اتفاق السلام, وهو أمر لن يحدث إلا إذا تم إشراك واشنطن, ولكن كيف؟ وهو السؤال المهم الذي يتوجب على تل أبيب الإجابة عليه, فبنيامين نتنياهو يريد السلام مقابل السلام, وواشنطن لن تستطيع التوسط في هذا الأمر طالما أن البيت الأبيض يعرف مسبقا أن صيغة السلام مقابل السلام, غير ممكنة التطبيق مع سوريا.
نلاحظ هذه المرة, أنه برغم تزايد لهجة التصعيدات الإسرائيلية الأخيرة إزاء سوريا وإيران وحزب الله اللبناني, وحركة حماس الفلسطينية, فإن الأصوات الإسرائيلية المطالبة بالتريث والتهدئة تبدو أكثر ظهورا وغلبة في الساحة السياسية الإسرائيلية, وهو أمر يشير إلى أن أغلبية النخبة السياسية الإسرائيلية, أصبحت أكثر رفضا لسيناريو الحرب, ومع ذلك تبقى الأغلبية المتطرفة التي تسعى لدق طبول الحرب في المنطقة, وهي الأغلبية التي تتكون من زعماء اليمين الديني-الليكودي, وقاعدة الرأي العام الإسرائيلي المؤيدة لهم, والتي لا تدرك حتى الآن بشكل واضح معنى الحرب هذه المرة, لو تجرأت إسرائيل على إشعالها!!.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد