لماذا ستنقل واشنطن حربها من أفغانستان إلى اليمن والصومال
الجمل: سعت بعض التحليلات السياسية الأميركية الصادرة خلال هذا الأسبوع نحو توجيه المزيد من الانتقادات التي تحذر إدارة أوباما بشكل استباقي من مغبة الشروع في تحديد جدول زمني لسحب القوات الأميركية الناشطة حاليا في مسرح الحرب الأفغانية, هذا, وبرغم أن الإدارة الأميركية لم تصدر حتى الآن, أي قرارات أو حتى تصريحات تلمح إلى أي انسحاب عسكري أميركي من أفغانستان, فإن مجرد ظهور مثل هذه التحليلات, وبشكل متواتر, هو أمر ينطوي في حد ذاته إلى الوجود المبكر لمفاعيل الانسحاب من المسرح الأفغاني.
الإدارة الأميركية وإشكالية المفاضلة حول البدائل:
تقول المعلومات, بوجود خلافات متزايدة داخل البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) حول كيفية الاستمرار في تفعيل العمليات العسكرية في مسرح الحرب الأفغانية, وأكدت التسريبات, بوجود المزيد من الخلافات حتى بين القادة العسكريين الأميركيين أنفسهم, وتحديدا المعنيون بإدارة مفاعيل الصراع العسكري على مستوى المسرح الأفغاني.
تعود سردية الخلافات إلى تقرير الجنرال ماكريستال, الذي أعده وقدمه خلال نهاية العام الماضي, وطالب فيه البنتاغون برفع عدد القوات الأميركية بشكل تدريجي في المسرح الأفغاني, بما يصل إلى حوالي نصف مليون جندي, بما يتضمن إضافة إلى ذلك تركيز نوعي يهدف إلى رفع عدد عناصر ووحدات القوات الخاصة الأميركية الناشطة حاليا في هذا المسرح, هذا, وتجدر الإشارة إلى أن الجنرال ماكريستال نفسه, كان يتولى قيادة القوات الخاصة الأميركية في المسرح العراقي, وذلك خلال فترة تولي الجنرال ديفيد بترايوس- قائد القيادة الوسطى الأميركية الحالي- لمهمة قائد القوات الأميركية في العراق.
بعد خلافات مستفيضة, وافقت الإدارة الأميركية على زيادة القوات الأميركية في المسرح الأفغاني, ولكن, وبرغم وصول عدد كبير من هذه القوات, فقد برزت المشاكل والعقبات الآتية:
• تزايد نفقات وتكاليف الحرب الأفغانية, الأمر الذي أدى إلى حدوث المزيد من الخلافات بين الزعماء الديموقراطيين والذين يطالب العديد منهم بضرورة الحد من نفقات مشروع الحرب ضد الإرهاب, بما يتيح للإدارة الأميركية الجديدة تنفيذ مشروع الضمان الصحي الذي وعدت به الشعب الأميركي.
• تزايد عدم قبول الدول الأوروبية الغربية إزاء الاستمرار في تقديم المزيد من الدعم للقوات الأميركية في حرب أفغانستان, وبالفعل فقد أعلنت بعض دول أوروبا الغربية ودول حلف الناتو عن رغبتها في سحب قواتها من المسرح الأفغاني, وضعت المزيد من القيود والشروط, المتعلقة بأن لا تشارك قواتها في أي عمليات عسكرية, وفقط ينحصر دورها في دعم مشروع إعادة إعمار أفغانستان.
• تزايد ضغوط المسرح العسكري, فقد تزايدت في الآونة الأخيرة العديد من بؤر المخاطر العسكرية, بسبب اتساع نطاق انتشار عناصر حركة طالبان, بشكل لم يشمل جنوب وجنوب شرق أفغانستان, وحسب, وإنما وسط وبعض أجزاء شمال أفغانستان, إضافة إلى نجاح حركة طالبان في التغلغل وتنفيذ المزيد من العمليات الجريئة داخل العاصمة كابول نفسها.
• انتقال عدوى الصراع من المسرح الأفغاني إلى المسرح الباكستاني, بشكل أصبح يهدد بتفويض أركان ودعائم التحالف الأميركي-الباكستاني, إضافة إلى إشعال الصراع الهندي-الباكستاني.
• تزايد سلبية دور الجوار الأفغاني في تقديم الدعم لأميركا, فالصين, وإيران تقفان على بعد وبمنأى عن الصراع, وإضافة إلى ذلك, أظهرت دول آسيا الوسطى الثلاثة المتاخمة لأفغانستان وهي أوزباكستان-طاجاكستان-تركمانستان عن المزيد من عدم الرغبة إزاء التورط إلى جانب أميركا في المسرح الأفغاني.
شكلت هذه النقاط مفاعيلا لجهة المزيد من الضغوط السلبية على توجهات عملية صنع واتخاذ القرار الحربي-العسكري-الأمني, داخل البنتاغون, ووكالة المخابرات المركزية الأميركية, إضافة إلى بعض دوائر الإدارة الأميركية بضرورة السعي, لوضع حد لوجود القوات الأميركية في المسرح الأفغاني, وفي هذا الخصوص, فقد برزت محاولة أخيرة, قام بها المبعوث الأميركي الخاص لأفغانستان وباكستان, هولبروك, وذلك عندما قام خلال الأسبوع الماضي, بزيارة, دول آسيا الوسطى, ضمن محاولة دبلوماسية أميركية أخيرة لجهة طلب الدعم من هذه الدول, واستطلاع مدى إمكانية نجاح واشنطن في عقد الصفقات مع دول آسيا الوسطى بما يتيح استدراجها إلى جانب أميركا في صراع المسرح الأفغاني.
ابتزازات قدرات المعتدلين العرب: القراءة في خطوط السيناريو البديل؟
تحدثت بعض التحليلات الأميركية عن إمكانية استخدام استراتيجية الهروب إلى الأمام, كوسيلة للتخلص من ضغوط الحرب الأفغانية, وأكدت هذه التحليلات, والتي تم إعدادها بواسطة خبراء اللوبي الإسرائيلي, فريدريك كانمان, مايكل روبين, وغيرهم, بأنه لا مجال للتراجع في مشروع الحرب ضد الإرهاب, طالما أن التراجع سوف يترتب عليه تراجع قوة النفوذ الأميركي العالمي, واقترحت هذه التحليلات المسارات الآتية:
• تعزيز الوجود العسكري الأميركي البحري في مياه المحيط الهندي.
• نشر القوات الأميركية في اليمن.
• نشر القوات الأميركية في الصومال.
• تعزيز الوجود العسكري الأميركي في منطقة البحر الأحمر.
وتأسيسا على ذلك, أضافت هذه التحليلات, بأن التوسعات العسكرية الأميركية الجديدة, سوف تتيح لأميركا الحصول على المزايا الآتية:
• إسقاط المزيد من عوامل القوة العسكرية البحرية والبرية والجوية في مناطق جنوب البحر الأحمر, وجنوب الجزيرة العربية, إضافة إلى المناطق البحرية المطلة على جنوب إيران, ومناطق شرق أفريقيا.
• الشروع في تنفيذ برنامج السيطرة على منطقة القرن الأفريقي.
• إحكام قبضة البحرية الأميركية على حركة الملاحة في ممر مضيق باب المندب, وممر مضيف هرمز.
أما الجائزة الكبرى بالنسبة لأميركا, فستتتمثل في استغلال قدرات حلفاء أميركا في هذه المنطقة, لجهة تقديم الدعم الآتي:
• الدعم المالي: تستطيع واشنطن إلزام الدول العربية النفطية لجهة القيام بتمويل مشروع الحرب ضد الإرهاب, في المسرح اليمني والمسرح الصومالي, إضافة إلى الوجود البحري الأميركي في منطقة مضيق هرمز ومضيق باب المندب, وخليج عدن, طالما أن هذه المناطق تقع ضمن المجال الأمني الحيوي الخاص بالبلدان العربية النفطية الأميركية, وذلك وفقا للمفاهيم التي سبق وأن استقرت عليها روابط الشراكة الأمنية-السياسية بين الولايات المتحدة الأميركية وشركاءها النفطيين العرب.
• الدعم العسكري: وفي هذا الخصوص, تقول بعض المعلومات والتسريبات, بان مصر سوف تساهم بتقديم عناصر القوات الخاصة المصرية, لجهة المشاركة في دعم الجهود العسكرية الأميركية الساعية لتثبيت المسرح الصومالي والمسرح اليمني, وتقول بعض المعلومات والتسريبات, بان الأردن سوف تساهم بتقديم القوات الخاصة أيضا.
• الدعم السياسي: المشاركة المصرية والأردنية, إضافة إلى دعم البلدان النفطية الخليجية سوف تعزز الموقف السياسي الخاص بمشروع الحرب ضد الإرهاب, وعلى وجه الخصوص سوف تتيح لصقور الإدارة الأميركية استخدام المزيد من الذرائع الجديدة, لجهة أن شركاء أميركا في المنطقة, يواجهون خطر الإرهاب, وبالتالي فإن على واشنطن أن تتقيد وتواصل الالتزام بإيفاء مسئولياتها إزاء الدفاع وتوفير الحماية لأمن حلفاءها.
توسيع نطاق مسرح الحرب ضد الإرهاب بهذه الطريقة, سوف يفتح المزيد من أبواب "الرزق" الجديدة للشركات الأمنية الأميركية, مثل شركة بلاك ووتر وغيرها, إضافة إلى شركات المجمع الصناعي العسكري, وتقول بعض التسريبات, بأن بعض الخبراء الماليين الأميركيين, يفكرون في كيفية التلاعب بأرقام الميزانيات المالية للتوسعات الحربية الجديدة, بما يتيح مضاعفة قيمة التكاليف الحقيقية, بما يحقق المزيد من الفوائض, والتي يمكن بدورها أن تستخدم في تغطية بعض تكاليف الحرب في المسرح الأفغاني, إما لجهة تغطية تكاليف العمليات الحربية المعلنة بما يؤدي إلى تحقيق الضغط على ميزانية الحرب, أو لجهة تغطية تكاليف العمليات الحربية السرية, التي برغم اكتمال مخططاتها, فإنها لم تنفذ بسبب عدم توافر ميزانيات تمويلها, وفي هذا الخصوص, فقد كشفت التسريبات الصادرة بالأمس, بان الرئيس الصومالي الشيخ شريف أحمد زعيم حركة المحاكم الشرعية الصومالية, الذي تحاصره حاليا قوات حركة شباب المجاهدين, وقوات الحزب الإسلامي الصومالي, قد أعلن موافقته ومباركته لقيام الطائرات الأميركية بتوجيه الضربات المكثفة ضد خصومه في المسرح الصومالي, وتقول المعلومات والتسريبات, بان الطائرات الحربية الأميركية على أهبة الاستعداد والجاهزية لتنفيذ هذه الضربات المكثفة, والتي سوف يتم الشروع في تنفيذها متى ما تمت موافقة حلفاء أميركا في المنطقة على تحمل تكاليف برنامج القصف الأميركي للصومال, والذي تم إعداده بواسطة خبراء البنتاغون بحيث يستغرق تنفيذه فترة طويلة, قد لا تنتهي إلا بانتهاء مشروع الحرب الأميركية ضد الإرهاب.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد