تساؤلات عن «إهانـة» نتنـيـاهـو لبـايـدن
غادر نائب الرئيس الأميركي جو بايدن إسرائيل تاركاً وراءه مواقف متضاربة بشأن أثر الإهانة التي ألحقتها به سياسة الاستيطان في حكومة بنيامين نتنياهو. وفيما يؤكد نتنياهو، الذي قدم اعتذاراً رسمياً عن الإهانة، أن المشكلة «باتت وراءنا»، يؤكد آخرون أن المشكلة مع إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لم تبدأ بعد جراء هذه الإهانة. فقد عادت الأمور في نظرهم إلى «نقطة الصفر».
لقد كانت زيارة بايدن لإسرائيل، التي انتهت أمس الأول، محاولة من جانب أوباما لتصحيح الانطباعات في العلاقة بين إدارته والدولة العبرية. وهناك من يصر على أنها جرت بضغط من اللوبي اليهودي في واشنطن الذي لم يرتح لرؤية اهتمام إدارة أوباما بتصحيح العلاقات مع العالمين العربي والإسلامي من دون المحافظة على مستوى مواز من العلاقة مع إسرائيل. وهكذا زار أوباما تركيا وأندونيسيا والسعودية ومصر، وألقى خطابات حاولت مغازلة القلوب في هذه الدول، ولكنه لم يزر إسرائيل.
وتوافق مع ذلك انتخاب حكومة نتنياهو الذي جعل من مجرد استئناف المفاوضات مع الفلسطينيين هدفاً للادارة الأميركية، بعد أن تراجعت أهدافها الأولية بتحقيق السلام خلال زمن قصير. وبدت العلاقات متوترة وميالة للصدام بين الحكومتين، خصوصاً أن إدارة أوباما تعمل من
أجل معالجة آثار الحقبة «البوشية» في العراق وأفغانستان سياسياً واقتصادياً.
وأسهم تراجع شعبية الرئيس الأميركي والحاجة إلى إنجازات، في اضطرار إدارة أوباما لـ«التصالح» مع حكومة نتنياهو والتجاوب مع اللوبي اليهودي. ولم يكن لدى إدارة أوباما أفضل من بايدن الذي يعتبر صديقاً تاريخياً لإسرائيل للتعبير عن رغبة المصالحة هذه. وتقرر أن تكون الزيارة ذات طابع «تعاطفي» تظهر لليهود في إسرائيل و«الشتات»، مقدار التزام الإدارة الأميركية بأمن الدولة العبرية.
غير أن ذلك كله لم يتحقق كما يبدو، بسبب الرغبة المتعاظمة في إسرائيل لفرض الوقائع على الأرض. ووزير الداخلية إيلي يشاي لم يفعل شيئاً بالإعلان عن المصادقة على مشروع استيطاني أثناء زيارة بايدن سوى مواصلة السياسة المقرة لفرض الوقائع. وهكذا استقبلت إسرائيل بايدن بالإعلان عن مصادقة اللجنة اللوائية على مشروع بناء 1600 وحدة سكنية في مستوطنة رمات شلومو في الضفة الغربية، ثم كشفت جمعية «عير عميم» أثناء زيارة بايدن، عن مخططات لبناء 50 ألف وحدة سكنية في القدس الشرقية المحتلة.
غير أن هذه السياسة، هذه المرة، كانت في صدام مع الهيبة الأميركية. ولهذا السبب وبالتشاور مع أوباما، أبلغ بايدن المسؤولين الإسرائيليين بأن سياستهم الاستيطانية يمكن «أن تشعل النار في الشرق الأوسط». وبحسب «يديعوت أحرونوت» فإن بايدن قال أيضاً إن «ما تفعلونه هنا يمس بأمن جنودنا الذين يقاتلون في العراق، وفي أفغانستان وباكستان. هذا يعرضنا للخطر، وهذا يعرض سلام المنطقة للخطر».
وكان لذلك أبلغ الأثر في اضطرار نتنياهو إلى تقديم اعتذار رسمي، تمت صياغة كلماته بعناية بين ديوان رئاسة الحكومة الإسرائيلية والمستشار الخاص للرئيس الأميركي دينيس روس. صحيح أن بايدن قبل رسمياً اعتذار نتنياهو، لكن العديد من المصادر الإسرائيلية تؤكد أن الأمر ليس بهذه السهولة. ففي البيت الأبيض والخارجية الأميركية يعتقدون أن حكومة نتنياهو نصبت كميناً لبايدن لتظهر أنها نجحت في تمرير السياسة الاستيطانية والاحتفاظ في الوقت ذاته بالعلاقة المميزة مع أميركا.
وقد أشار لذلك المراسل السياسي لـ«هآرتس» ألوف بن، تحت عنوان «الأخرق والصديق»، الذي أوضح أن نتنياهو أراد أن يثبت بزيارة بايدن «لمنتقديه والهازئين به بأنهم اخطأوا، وأنه كان محقاً: يمكن الجلوس في ائتلاف مع اليمين المتطرف وفي الوقت ذاته التمتع بعلاقات رائعة مع الولايات المتحدة». ولكن ما حدث فعلياً هو أن «نتنياهو أثار أزمة جديدة في العلاقات مع واشنطن، وبرر ادّعاءات خصومه في أنه يذر الرماد في العيون على نحو منتظم، وأنه يمرر الزمن في الحكم: كي يحافظ على أرض إسرائيل. وبدلاً من الخروج منتصراً، فقد نتنياهو السيطرة على جدول الأعمال وعاد إلى نمط الأخرق، ذات النمط الذي ميز بيبي القديم في الولاية السابقة».
وخلص الوف بن إلى أن نتنياهو «عاد إلى نقطة الصفر التي بدأ منها علاقاته العكرة مع إدارة اوباما. مرة أخرى يتخذ في العالم صورة المخرب للمسيرة السلمية، والفلسطينيون يبدون كضحايا سياسة الإلحاق والاستيطان الإسرائيلية».
ونقل المعلق السياسي لـ«معاريف» بن كسبيت عن مصادر دبلوماسية أميركية قولها إن «أوباما تميز غضباً. نائبه بايدن هو من هدأ خاطره. ولم يكن سهلاً تهدئة غضب الرئيس». وأشار إلى أن زيارة بايدن «كان يفترض أن تكون الزيارة التي تعيد بناء الثقة. فكانت الزيارة التي هدمت الثقة. ركل بنيامين نتنياهو مرة أخرى الدلو الذي كان فارغاً من الحليب. وكان يفترض أن يملأه بايدن. بدل ذلك استشاط بايدن غضباً. «لقد غرسوا سكيناً في ظهري»، قال نائب الرئيس الثلاثاء (الماضي) في المحادثات التي أجراها، «مسوا بي، وبالرئيس اوباما، وبالولايات المتــحدة، وبمسيرة السلام، وبالثقة، وبكل من يؤمن انه يمكن فعل شيء ما هنا». لقد غضب. ليلة الثلاثاء حادث اوباما. اشتمل الحديث على تعبيرات تنديد لا تستطيع النشرة احتمالها. كان يوشك أن يلغي العشاء مع الزوجين نتنياهو. غيّر، مرة بعد أخرى الخطبة المعدة ليوم الخميس في الجامعة. لم يعرف ماذا يفعل مع نفسه، والى أين يذهب بخيبة الأمل وبالإحساس بالخيانة وإضاعة الفرصة».
وكتب آري شافيت في «هآرتس» إن إسرائيل بإقرار اللجنة اللوائية مشروعاً استيطانياً «بصقت في وجه نائب الرئيس الودي وفي وجه القوة العظمى الودية». واعتبر أن ما جرى هو الحماقة بعينها، ففي مواجهة التهديد المحدق بإسرائيل وفي هذا الوقت بالذات «تختار العمل بجنون. فهي تخرب على الأمن الوطني بكلتي يديها. لجنة التخطيط والبناء في القدس قامت بعمل من شأن آثاره أن تكون جسيمة بقدر لا يقل عن فعل فعنونو»، في إشارة إلى الخبير النووي الإسرائيلي موردخاي فعنونو، الذي اتهم بإفشاء أسرار نووية عن إسرائيل.
ويتساءل شافيت إذا كان نتنياهو «حقاً لا يسيطر على الحكومة وعلى الدولة. مهما يكن من أمر فإن النتيجة خطيرة. دولة نتنياهو لم تظهر هذا الأسبوع مثل دولة وادي السيليكون. بدت مثل دولة بائسة ومعيبة».
حلمي موسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد