المؤثرات الداخلية والخارجية في الانتخابات العراقية
الجمل: بدأت الساحة السياسية العراقية, وكأنما هي على وشك التحول إلى مختبر سياسي إقليمي- دولي, كبير تتجاذبه العديد من الرهانات السياسية الإقليمية-الدولية, وعلى خلفية الوضع القائم الحالي, أصبح النموذج السياسي العراقي القادم في مواجهة, العديد من الخيارات الصعبة: فما هي حسابات الفرص والمخاطر التي سوف تواجه السيناريو السياسي العراقي خلال فترة ما بعد الانتخابات العامة الحالية؟
الحسابات الحرجة الجديدة في معادلة السياسة العراقية؟
سوف تظل النقاط الجوهرية الخاصة بالصراع السياسي العراقي موجودة وقائمة, وعلى وجه الخصوص تلك المتعلقة بالآتي:
• ملف توزيع عائدات الثروة النفطية العراقية, وما يتضمنه من نقاط فرعية.
• ملف توزيع السلطة بين الكيانات العراقية الرئيسية الثلاثة, وما يتضمنه من نقاط فرعية.
• ملف علاقات العراق مع دول الجوار الإقليمي: سوريا-إيران-تركيا-السعودية-الكويت-الأردن وما يتضمنه ذلك من نقاط فرعية.
• ملف العلاقات العراقية-الأميركية, وما يتضمنه ذلك من نقاط فرعية.
من المتوقع, إن لم يكن على الأغلب, أن تشكل هذه الأربعة ملفات, ليس محتوى السياسات الداخلية, والخارجية العراقية فحسب, وإنما أيضا الخطوط الرئيسية التي سوف تلعب دور العوامل الحاكمة في عملية صنع واتخاذ القرار السياسي العراقي, والتي من الصعب إن لم يكن من المستحيل على أي حكومة عراقية تجاوزها وغض النظر عنها, وعلى سبيل المثال لا الحصر, نشير إلى مفاعيل هذه الملفات في عملية صنع القرار السياسي العراقي خلال الفترة القادمة:
• ملف توزيع عائدات الثروة النفطية العراقية سوف يولد مجموعة من الصعوبات السياسية, بين الوسط الخالي من النفط والأطراف الجنوبية والشمالية الغنية بالنفط.
• ملف توزيع السلطة العراقية, سوف يولد مجموعة من الصدمات السياسية, بين الكيانات السكانية العراقية, وعلى وجه الخصوص الكتلة الشيعية التي تمثل 68%, والكتلة السنية التي تمثل 15%, والكتلة الكردية التي تمثل 15%, إضافة إلى الأقليات الصغيرة التي تمثل حوالي 2%.
• ملف علاقات العراق مع دول الجوار الإقليمي سوف يولد مجموعة من الصدمات, فالشيعة العراقيون أكثر اهتماما ببناء الروابط مع إيران, والسنة العراقيون أكثر اهتماما ببناء الروابط مع السعودية, والأكراد العراقيون, أكثر نفورا مع بناء العلاقات مع تركيا, أما بالنسبة لسوريا, فهناك أغلبية في كل واحدة من هذه الكتل, تهتم بضرورة تعزيز العلاقات والروابط مع سوريا.
• ملف العلاقات العراقية مع أميركا, سوف يولد مجموعة من الصدمات, فالأغلبية العظمى من الشعب العراقي ترى ضرورة خروج أميركا من العراق, وذلك في مواجهة الأكراد الذين يرون في استمرار الوجود الأميركي ضمانة لحقوقهم.
على خلفية هذه الملفات الشائكة, وصدماتها, يبرز السؤال الحرج: كيف ستقوم الحكومة العراقية القادمة الجديدة, بإدارة هذه الملفات واحتواء الصدمات السياسية الناتجة عنها, خاصة وأن ردود الفعل الناتجة عن كل موقف, سوف تجد صداها في الشارع العراقي الحافل بالانتحاريين والسيارات المفخخة, وقنابل الطرقات.
الحكومة العراقية الجديدة وإشكالية الأدوات السياسية:
سوف يتضمن سباق العملية السياسية العراقية الجديدة في مرحلة ما بعد الانتخابات, وكما جرت العادة, من كل حكومة, أن يحدث سعي بواسطة الأطراف الفاعلة واللاعبين السياسيين, من أجل ضبط عملية صنع القرار السياسي العراقي, بما ينسجم ويتلاءم مع النقاط الآتية:
• مقاربة قضايا السياسة الداخلية العراقية.
• مقاربة قضايا السياسة الخارجية العراقية.
وتأسيسا على ذلك, فإن عملية المقاربة, أيا كانت سياسية داخلية أم سياسية خارجية, فإنها لا بد وبالضرورة, أن تتضمن استخداما سلطويا فاعلا للوسائل والأدوات الآتية:
• الأدوات والوسائل الاقتصادية: وتشمل تفعيل كل الأنشطة الاقتصادية, إضافة إلى الالتزام بإعطاء الأولوية لبرنامج إعادة تعمير العراق, الذي دمرته الحرب, قبل حوالي سبع سنوات, وتتمثل الإشكالية في كيفية نجاح الحكومة العراقية الجديدة في وضع يدها على مكامن القوة الاقتصادية العراقية, وتحديدا على عائدات النفط العراقي, والتي أصبحت الشركات الأميركية, تسيطر على مفاتيحها, إضافة إلى سيطرة وزارة الخزانة الأميركية على تدفقات هذه العائدات, بما يعطي الأولوية لسداد ديون أميركا التي سوف لن تنتهي, طالما أن القوات الأميركية موجودة في العراق, وطالما أن العراق ملزم بتغطية نفقات وجودها!!.
• الأدوات والوسائل السياسية الداخلية: وتتمثل في أجهزة السلطة التنفيذية, والتشريعية والقضائية, وهي كما هو واضح سوف تظل مسرحا للتجاذبات بين القوى السياسية العراقية الطامحة لجهة وضع يدها على مقاليد النفوذ والسيطرة السياسية.
• أدوات ووسائل السياسة الخارجية: وتتمثل في وسائط الحراك الدبلوماسي والتي سوف تسعى كل الكتل السياسية العراقية إلى استخدامها على المسئولين، المعلن وغير المعلن, لجهة إدارة وإدامة التحالفات الخارجية, التي تتيح لها الحصول على الدعم الخارجي كقوة مضافة تعزز قوتها ونفوذها الداخلي.
• الأدوات والوسائل الأمنية: وتتمثل في أجهزة المخابرات العراقية, وقوات الجيش العراقي, وكما هو واضح, فإن القوى السياسية العراقية, سوف تظل بمنأى عن السيطرة على هذا الأدوات والوسائل طالما أن اليد الطولى الحقيقية فيها سوف تكون على الأقل في هذه المرة للولايات المتحدة الأميركية.
• الأدوات والوسائل الرمزية: وتتمثل في الأجهزة الإعلامية والدعائية والثقافية, ومن الواضح, أن استخدام القوى السياسية العراقية لهذه الأدوات والوسائط سوف ينطوي على قدر كبير من السيولة وعدم تحديد الاتجاه, بحيث كل طرف سوف يسعى إلى بناء قوته الرمزية والمعنوية من خلال شن العمليات النفسية التي تسعى إلى تجريم وتخوين الطرف الآخر, بما يتيح إقصائه كليا أو جزئيا عن المسرح السياسي.
نجاح الحكومة العراقية الجديدة في السيطرة على مقاليد الأمور وتحقيق استقرار العراق, سوف يتوقف بقدر كبير على مدى نجاح هذه الحكومة في استخدام وتوظيف هذه الأدوات والوسائل بالشكل الأمثل, ولكن, وعلى خلفية الكيانات السياسية العراقية الناشطة حاليا, نجد أنه من الصعب, إن لم يكن من المستحيل وجود قوة واحدة قادرة بعينها ودون سواها لجهة القيام بذلك.
ما العمـل؟
استمرت معاناة القوام الجيو-سياسي العراقي, مع استمرار تداعيات الاحتلال العسكري الأميركي السالبة على العراق والعراقيين, وعلى ما يبدو, فإن عملية صنع القرار السياسي العراقي الجديد, سوف تصطدم بالمفاعيل السلبية الموجودة والكامنة ضمن النماذج والخيارات الأربعة الآتية:
• خيار الانعزال: ويتضمن لجوء الحكومة العراقية الجديدة إلى خيار محدودية المشاركة الخارجية وتفادي الدخول في أي ارتباطات خارجية تضر بسيادة واستقلالية القرار السياسي, ولكن كيف يمكن أن يتم ذلك والحكومة العراقية الجديدة سوف تكون مثل مثيلاتها قابعة داخل المنطقة الخضراء التي تسيطر عليها القوات الأميركية وقائدها الجنرال أوديرنو!!
• خيار الاعتماد على الذات: ويتضمن لجوء الحكومة العراقية الجديدة إلى خيار محدودية المشاركة الخارجية, ولكن مع الاهتمام بتنويع هذه المشاركة الخارجية المحدودة, مع الالتزام بحصرها ضمن القيود والمحددات التي تحقق المصلحة الوطنية العراقية, ولكن, كيف يمكن تحقيق هذا الخيار, وكل مصالح العراق لدى أميركا, مع ملاحظة أن أي حكومة عراقية لن تستطيع التوقيع على أي مناقصة أو عقد أو اتفاق تجاري بعيدا عن رغبة واشنطن؟
• خيار الاعتماد على الخارج: ويتضمن لجوء الحكومة العراقية الجديدة إلى خيار الاعتماد بالكامل على الأطراف الخارجية, ولكن أي أطراف خارجية, فالحكومة العراقية, لن تستطيع تحديد أو الاختيار الحر لهذه الأطراف الخارجية, طالما أن هناك ظرفا خارجيا واحد يفرض سيطرته عليها, وهو: أميركا.
• خيار عدم الانحياز: ويتضمن لجوء الحكومة العراقية إلى تطبيق الحياد الإيجابي, لجهة التعامل بعدالة مع جميع الأطراف, وفقا لاعتبارات توازن المصالح, ولما كانت هذه الاعتبارات تتطلب حصرا القيام بتنويع الشركاء الاقتصاديين والتجاريين, إضافة إلى تفادي الدخول في الأحلاف العسكرية, فإن من المستحيل على الحكومة العراقية أن تتفادى عدم الدخول في الأطراف العسكرية, وهي التي بادرت ووافقت على الاتفاقية الأمنية العسكرية مع أميركا.
سوف يبقى الجسد الجيو-سياسي العراقي عليلا لفترة طويلة قادمة, وبرغم التفاؤل السائد حاليا في الأوساط السياسية العراقية, بوجود بادرة أمل تتمثل في اقتراب موعد خروج القوات الأميركية من العراق, ,فإن الكثير من الشكوك واللايقين مازالت تضرب بجذور هذا الأمل, خاصة عملية تصفية حسابات عراقية-عراقية, على النحو الذي سوف لن يؤدي إلا إلى المزيد من إبطال مفعول "روشتة" وصفة علاج "الداء العراقي" الذي كاد أن يصبح عضالا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد