«القمار» آفة خطرة على المجمتع فهل يُعلَن عنها
لم يعد زهير رجل الأعمال إلى منزله، على غير العادة، بينما جلست زوجته تترقّب قدومه ساعة تلوَ الأخرى، وهكذا حتى شقّت خيوط الفجر نوافذ المنزل، ليفتح زهير باب البيت، ويحاول الدخول خلسة، لكنّه سمع زوجته تناديه: «لِمَ لم تخبرني بأنّك ستتأخر عن المنزل».. وهنا بدأ زهير يتأفف مجيباً: «صديق قديم جاء من السفر وقد التقيته مع مجموعة من الأصدقاء في منزل أحدهم، فأخذنا الحديث»..
شعرت زوجة زهير بأنّ كلامه يخلو من الصدق، فهو لم يخبرها عن أصدقاء له في الخارج، وما زاد من شكوكها أكثر الرائحة التي كانت تصدر من فمه، وكأنه يتعاطى الكحول، فكلامه غير متّزن وحركته تدلّ على أنّه غير طبيعي..
عاود زهير تغيّبه عن المنزل كلّ يوم، فاستغربت زوجته حاله هذه، التي تغيرت فجأة دون سابق إنذار، إذ بدأ زهير يطلب المال من زوجته بحجّة أنّ أعماله متوقفة، وتجارته بحاجة إلى رأسمال كبير، حتى وصل به الأمر إلى أن يطلب منها أن تبيع مصاغ زواجها، لكنّها رفضت رفضاً قاطعاً، فما كان منه إلا أن سلبها المصاغ وباعه في السوق لتحصيل المال.
لم يهدأ بال الزوجة حتى اقتفت آثاره، فقادتها قدماها إلى أحد الملاهي الليلية، حيث وجدت زوجها هناك مع بعض الرجال الذين كانوا يتحلّقون حول طاولة، ويحملون في أيديهم أوراقاً يدقّون الطاولة بها، ومن ثمّ يقوم أحدهم بجمع المال الموجود عليها. انقلبت حياة الزوجين رأساً على عقب، بعد أن كانت هانئة هادئة يسودها الاستقرار والطمأنينة، ولا سيّما عندما اكتشفت الزوجة أنّ رفيق دربها يلعب القمار تحت ظلام الليل، ويراهن على آخر ما يملك (زوجته) بعد أن خسر كلّ شيء، فما كان منها إلا أن دخلت وزرعت سكيناً في صدره، جزاءَ ما اقترفت يداه. ما سبق يقود إلى الحديث عن ظاهرة خطرة تدور أحداثها في المجتمع ا خلف جدران مكتومة السرّ تخاف العلانية، فيما يسعى بعضهم إلى المناداة بها، وإطلاق نواديها بشكل منتظم كعامل جذب سياحي؟!.
إنّه القمار!!
ينتشر القمار عربياً على مستوى دولتين أو أكثر، حيث تأتي مصر في المقدمة، ومن ثمّ لبنان، حيث تجري عمليات المقامرة في «كازينوهات» ومنتجعات سياحية مخصصة لأنواع عديدة من ألعاب القمار؛ هي الـ (بوكر، روليت، بلاك جاك، بكراه)، وهي سائدة في مصر منذ 25 عاماً، فيما تجري المقامرة في سورية ضمن أماكن تسمّى «الأوكار»، ويؤكد مصدر في الأمن الجنائي أنّ أكثر الأوكار يتمّ ضبطها ضمن الأبنية السكنية والمقاهي والمطاعم، ويشير المصدر إلى أنّ قسم الآداب قام خلال العام الماضي بضبط أكثر من عشرة أوكار، مارس مرتادوها القمار السريّ، حيث تمّ تقديمهم إلى القضاء المختص لينالوا جزاءهم العادل، وفق الأصول والقوانين الناظمة.
روّاد القمار
وانتقالاً إلى الحديث عن روّاد الكازينوهات العربية، تؤكّد إحدى النسب أنّ الأثرياء العرب لهم الغلبة العظمى، فيما يكتفي الأوروبيون بالمشاهدة، والآسيويون ليسوا مرغوبين، لأنهم يمارسون اللعب بالغش والاحتيال، وتشير النسب إلى أنّ أكثر روّاد «كازينوهات» القمار؛ وخاصة في مصر ولبنان، هم من فئة الرجال، وأغلبهم من أمريكا والخليج، أمّا النساء، فهنّ من سورية ولبنان وتونس والمغرب.
وبالفعل تؤكّد مصادر مطلعة وجود نسبة كبيرة من التجار السوريين كزبائن في كازينو لبنان للعب القمار.
خسائر فادحة
(سامر - ه) طالب جامعي من عائلة ميسورة الحال في دمشق، وهو من مرتادي كازينو لبنان، كما يقول، مضيفاً: بدأ القمار كنشاط ترفيهي، ولمجرّد التسلية فقط وقضاء بعض الوقت، ثمّ أعجب بالفكرة، وما زاده تعلّقاً بها أنّه ربح رهاناً من بعض أصدقائه، وكون القمار ممنوعاً في سورية، اتجه إلى بيروت لممارسة القمار بشكل منتظم هناك، بعد أن سمع بـ»الكازينو»، وما يستقطبه من روّاد من أنحاء العالم كافة، وعن الأموال والمكاسب التي تدخل وتخرج من ألعاب القمار، وفيما إذا كانت لعبة القمار أثّرت في دراسته، قال سامر: لم أستيقظ من هذه العادة التي تحولت إلى حالة إدمان، إلا نهاية العام الدراسي، حين ظهرت نتائج الامتحانات ووجدت اسمي معلقاً ضمن لائحة الراسبين!
خسر سامر دراسته جرّاء القمار وإدمانه، وأمثاله في ذلك من الشباب الذين خسروا أصدقاءهم وأحبّاءهم كثر، عندما دخلوا جنباً إلى جنب في عالم القمار، فراس (30) عاماً خسر صديقه بعد مشاجرات عدّة وقعت بينهما على طاولات القمار بسبب المكاسب والخسائر، وهناك من خسر عمله ووظيفته بعد أن رافق لعب القمار لديهم إدمان المخدرات الذي يجرّه مال القمار، وهذه ابتسام لجأت إلى القمار، فهو على حدّ قولها لعبة ذكاء لاكتشاف المواهب والمهارات والقدرات العقلية، لكنّها اكتشفت في نهاية الطريق أنّه يسبب الدمار، فهو من قادها إلى رفيقات الرذيلة وطريق السوء!.
سلوك طبيعي
نستطيع النظر إلى المقامرة على أنّها امتداد لسلوك طبيعي، وليست سلوكاً منحرفاً، فهناك اعتقاد بأنّ دوافع المقامرة غريزيّة ومنطقية، بحسب الدكتور تيسير حسون الاختصاصي في الطب النفسي، وبهذا المعنى ـ يتابع د. حسون ـ تعدّ المقامرة نشاطاً ترفيهياً، ومعظم علماء النفس يتّفقون على أنّ الترفيه أو تزجية الفراغ جوهريٌّ لأن نعيش حياة متوازنة»، وهذا هو السبب في انجذابنا إلى الألعاب التي تتضمّن المقامرة.
ويقول الدكتور حسون: المقامرة، من وجهة نظر الطب النفسي، أحد أشكال الإدمان، حيث سلوك المخاطرة وعدم القدرة على تأجيل الرغبات والاندفاعية، مشيراً إلى أنّ بعض الشخصيات التي لديها سمات الفضولية والبحث عن الجديد وعدم القدرة على السيطرة على الذات تجنح أكثر من غيرها إلى سلوك المقامرة.
مستوى محلي
ينتشر القمار في الأرياف والقرى التابعة إلى محافظات مختلفة متعارف عليها من قبل بعضهم، حيث ينشط لعب القمار فيها نهاية مواسم الحصاد والمواسم الزراعية، بقصد الراحة والترفيه الذي لا بدّ منه مع نهاية موسمٍ من التعب وبذل الجهد، وأثرياء الجزيرة ـ بحسب الدكتور سعد بساطة، الاستشاري الدولي ـ بعـد كلّ موسم جيد يأتون إلى محافظة حلب للإنفاق عـلى الملذات المحظورة؛ ومنها القمار، في نوادٍ سريـّة.. وكانت وسائل الإعـلام تناقلت مؤخراً خبر ضابط الشرطة النظيف في حلب، والذي داهم مثل هذه المنشآت، فكفّوا يده وتمّ تحويله!!. وفي دراسة أجريت على عيّنة عشوائية، تمثلت في 40 شاباً مقامراً في أربع قرى ريفية، تبيّن أنّ 85 % يمارسون القمار ليلة رأس السنة، حيث يلعب الشباب القمار مع ذويهم وأصدقائهم، ففي حال ربحوا يكون العام الجديد عام خير، وفي حال العكس يكون عاماً سيئاً بالنسبة إليهم. أما نسبة 4.5 %، فهي مراقبة من قبل الأهالي، وتكون عادة تكملة عدد فلا تشارك بالمال، في حين أنّ نسبة 8 % تلعب مع الأصدقاء في المقاهي، وتأتي على سبيل المتعة الكبيرة بفكرة الربح والخسارة، و2.5 % بعد المواسم الزراعية. وأكّدت الدراسة أنّ نسبة 30 % تهتمّ بلعبة القمار بقصد المتعة والشعور بلذّة الانتصار، فيما 25 % بسبب الفراغ، وهذه الفئة تمثّل الشباب الأثرياء، ممّن يجدون في لعبة الورق، في ظلّ غياب المرافق الترفيهة، متنفساً لفراغهم، خاصة بعد الانتهاء من العمل الوظيفي، أمّا نسبة 45 %، فهي تدلّ على حرفيّة المقامرين. وتماشياً مع الطب النفسي، يتحدّث الدكتور حسون عن وجهتي نظر حول ما تعنيه المقامرة لتركيبة الكائن البشري النفسية، فالأولى ضرب من ضروب السلوك المنحرف، أمّا الثانية، فتعدّ امتداداً لسلوك طبيعي، وهنا يعتبر كثير من الناس ـ بحسب حسون ـ المقامرة غير طبيعية ومؤذية لمصالح الأشخاص المقامرين، فهؤلاء يركزون اهتمامهم على الأنماط غير التقليدية والغريبة من المقامرة، كالذين يقامرون بمبالغ مالية كبيرة في وضع غامض كسوق البورصة.
مذنب.. لكنّه!!
ويعتبر بعض علماء النفس ـ على حدّ قول حسون ـ المقامرة تعبيراً عن شخص مريض أو عصابي يمكن معالجته فقط من خلال التصحيح النفسي، الذي يتضمّن تشجيع المقامر على استخدام الاستبطان (النظر إلى داخله عميقاً) والنظر إلى طفولته ومخاوفه الراهنة والصعوبات السابقة، وأحيانا باستخدام بعض الأدوية، وهناك بعض علماء النفس ممّن يعتقدون بأنّ «حظ الشابة» في ورق اللعب يمثّل رمزياً أمّ المقامر أو يمثّل الأمومة على العموم، والسبب في أنّ المقامرين لا يستطيعون الانسحاب وهم يكسبون، هو أنهم يرغبون حقيقةً في خسارة نقودهم، عقاباً على التوترات والصراعات في حياتهم، تلك التوترات والصراعات التي لم تلقّ حلاً.. بكلمات أخرى، وعلى المستوى النفسي العميق، يريد هؤلاء المقامرون الحقيقيون أن يخسروا نقودهم كي يتمكنوا من الوصول إلى حالة من العدميّة واليأس - وكل ذلك ـ في رأي الدكتور حسون ـ يتم تحريضه بفعلٍ ماض لم يحلّه المقامر على مستوى ما قبل الشعور، حيث ينتج عنه إحساس غامر بالذنب.
مزايا شخصية
يتّصف المقامرون بمزايا عديدة واضحة تدلّ على مواصفات شخصيّتهم، فغالباً ما تبدو البهجة على المقامر الذي يتذكّر في حالات كثيرة مرابحه لا خسائره، ويقال عن المقامر إنّه كريم جداً، فأيّ شخص، سواء كان جائعاً أم محتاجاً، فما عليله سوى انتظار الرابح من طاولة القمار، كي يعرض عليه مشكلته، ومن صفاته الأخرى الإسراف، فالشخص المقامر بعد ربحه في القمار يبذخ بشكلٍ لا يصعب وصفه، بحيث يتناسب مع حجم أرباحه.
ويؤكّد الطب النفسي أنّ المقامرين في مجالسهم دعاةُ كرم وشجاعة، خاصة عندما يرتبط الأمر بتقديم المال أو توفيره.
وفي كثير من الأحيان يقرّ المقامرون دائماً بضرورة ترك القمار، فيما يحضّون على شرب الكحول والتدخين الذي يرافق جلساتهم، وتبدو هذه الصفات جليّة عند المقامرين «الذكور»، فيما المقامرات من النساء يكنّ في حالة مغايرة تماماً، ولعب النساء مقتصر على طاولات نسويّة بحتة، تجتمع عليها النساء الصديقات في منزل إحداهنّ، وغالباً ما تكون المبالغ الموضوعة على هذه الطاولة زهيدة أمام طاولات الرجال.
مرفوض تماماً
وتطرّقاً إلى موضوع فتح نوادٍ ومنتجعات سياحية مخصصة للعب القمار في سورية، وفق تراخيص وقوانين معيّنة لها، كونها تمارس في الخفاء ضمن أماكن سرية محددة، ولكي تمثّل أحد عوامل الجذب السياحي، وإيقاف كلّ ما ينتج عنها من آثارٍ سلبية على المجتمع، لاقت الفكرة رفض نسبة كبيرة من المواطنين كون المجتمع السوري مجتمعاً محافظاً في عاداته وتقاليده، ويبيّن الدكتور سعـد بساطة، بخصوص هذا الموضوع، أنّ القمار لا يمثّل أي عامل من عوامل الجذب السياحي، فبحسب بساطة «الجارة» تركيا ألغـت نوادي لعب القمار من فنادقها الفخمة، وضربت كلّ المكاسب المنتظرة بعـرض الحائط في سبيل موقف نظيف، وسياحة بريئة.
ويعرف الدكتور بساطة السياحة بأنّها تاريخية (القصور والقلاع والمتاحف والآثار)، ودينية (الأديرة والنـُّصـُب والمزارات)، وتسويقية (الملابس والمواد الغـذائية)، إلا أنّ سياحتنا لم تكُ يوماً ترفيهية (بما تحوي هذه الصفة من أمور وأمور)، ويضيف الاستشاري الدولي: تاريخياً كان كبار الموظفين يجربون حظهم من دمشق إلى «كازينو لبنان» في ليلة رأس السنة، لذا نشأ تقليد بأن يدفع الموظف راتباً في آخر يوم بالشهر عـدا كانون الأول، حيث يقبض الموظف راتبه بعـد بداية العـام الجديد (عـندما كان الراتب يعـني شيئاً كرقم مجرد..).
ويتابع بساطة: يمكن تحت رقابة صارمة من الحكومة افتتاح نادٍ أو أكثر في مناطق حرّة، عـلى أن يلجها الأجنبي حصراً.. ولكن إذا كانت سياحتنا لا تستقيم إلاً بها، فبئس تلك السياحة، على حدّ تعبيره!!.
موقف الدين من القمار!!
حرّمت الأديان والشرائع السماوية القمار شكلاً ومضموناً، كونه المسبب الرئيسي لهلاك المجمتع وتفسّخ بنيانه وتشتّت أفراده وتمزيق عاداته وأعرافه، الدكتور عبد السلام راجح، عميد كلية الشريعة والقانون في مجمّع الشيخ أحمد كفتارو، يرى أنّ الشريعة الإسلامية جاءت بنظامٍ اقتصادي واضح المعالم، حيث جعلت الجزاء مقابل الجهد، ونهت عن أيّ تعامل ماليٍّ يمنح الإنسان الربح دون بذل أوسعيٍ أو اجتهاد، ولذلك يقول راجح: «التشريع كان واضحاً في النهي عن الربا، على اعتباره قرضاً جرّ نفعاً دون أن يدور المال بجهد صاحبه دورته التي تولّد ربحاً، وفي السياق ذاته، يؤكّد الدكتور راجح أنّ الشريعة الإسلامية حرّمت القمار والميسر، وذلك في قوله تعالى: «إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون»، والميسر هنا إنّما هو القمار الذي تتمثّل صورته في تحصيلٍ للمال وكسبٍ له، بناء على الحظّ الذي يعدّ ضرباً من ضروب الحرام، إذ لا جهدَ للمقامر في تحصيل هذا المال، إلا من خلال ضربة الحظ هذه.
صورة... غريبة
ويتابع عميد كلية الشريعة: «مجتمعنا السوري مجتمعٌ شرقيٌّ أصيلٌ له أعراف ناظمة وآداب محددة لعلاقة أبنائه فيما بينهم، وصورة القمار صورة غريبة عن مجتمعنا وأعرافه وتقاليده، وهي قضية خطرة تسهم في خراب المجتمعات، حينما يركن أبنائها إلى التحصيل السريع، فضلاً عن المآسي التي تترتب على هذا النوع من التعامل المحرّم الممنوع». إذ ربما بادر المقامر الخاسر إلى قتل شريكه أو بيع أهله أو الاعتداء على الحرمات وفعل السرقات والنهب وهو يطمع في أن الحظّ سيواتيه في المرة القادمة. ودعوة بعضهم إلى الترخيص لمثل هذه الأندية دعوة لن تجد صداها في مجتمعنا الأصيل، على حدّ قول راجح على الصعد كافة، وخاصة أننا أمة محافظة تعتمد القيم والمبادئ الرفيعة في أنظمتها ودساتيرها وتعاملاتها، وجهد هؤلاء إنما هو وهمٌ كالسراب يحسبه الظمآن ماءً حتى إذا جاءه لم يجده شيئا. وتقع المسؤولية ـ بحسب الدكتور راجح ـ على النخب الفكرية والثقافية والدينية للتوجيه إلى فضح هذا التعامل الممنوع والتعريف بمساوئه ونتائجه السلبية على المجتمعات عامة، حتى لا يقع فيه الجيل الذي نبنيه على الفضيلة ونحضّه على العمل والكسب المشروع.
وتعقيباً على ظاهرة إقبال الشباب السوري على المقاهي للهو ولعب ورق «الشدة»، كنوع من أنواع الترفيه التي تتحول في حالات كثيرة إلى اشتباك بالأيدي ومشاجرات جماعية، ربما تنتهي بموت أحد الأشخاص، قال الدكتور راجح: إنّ الإسلام لم يمنع أبناءه من الترفيه عن نفسه، فالنبيّ عليه الصلاة والسلام هو القائل: «روّحوا القلوب ساعة فساعة، فإنّ القلوب إذا ملّت عميت». لكنّ هذا الترويج يجب أن يكون في إطار اللهو المباح، وما يشهده بعض المقاهي، بحجة لعب الورق وقضاء الوقت والتسلية، إنّما يخفي وراءه صورة من صور القمار، وهو أمر يجب أن يتابع من لدن أصحاب هذه المقاهي، فإنْ لاحظوا أنّ اللهو خرج على إطاره المشروع، وبدأ اللاعبون اللاهون يجعلون شرطاً في الربح والخسارة يجب أن يبلغ عنهم الجهات المختصة، وبذلك نسهم في التأسيس للهْوٍ مشروع، ومنع كلّ أمر خارجٍ على إطارنا الديني والأخلاقي، لافتاً إلى أنّ قضية القمار ربما تغري بعضهم بأن يجعل بيته محلاً لمثل هذه الممنوعات، وهذا نقول له: «احذر أن تجعل بيتك ساحة للقمار، فإنّك ستفقده وستفقد أهلك وأولادك بناء على قبولك هذا الأمر الشنيع».
¶ ضيف ثقيل
إلى جانب الشرائع السماوية، ورفض الأديان لظاهرة القمار، تحلّ هذه الأخيرة ضيفاً غير مؤهل ومسهّل به على قانون العقوبات السوري، ويعرف الأستاذ المحامي مهند السنجقدار القمار ـ كما جاء تماماً في نص قانون العقوبات العام ـ بحسب المواد 618-620، بأنه ألعاب يتغلب فيها الحظ على المهارة أو الفطنة، والقانون السوري ـ كما يؤكد السنجقدار ـ حدّد نوع الألعاب الممنوعة في القمار، وليس بالشمول؛ مثل (الروليت - البكارة - الفرعون-البتيشوف - البوكر المكشوف)، وكذلك الألعاب التي تتفرّع عنها وتماثلها بصورة عامة، وحدّد القانون السوري عقوبات رادعة لكلّ من يقوم بإنشاء أماكن مخصصة للعب القمار، أو من تولى محلاً للمقامرة أو من نظّم ألعاب مقامرة ممنوعة في محل عام أو مباح للجمهور، وإن كان منزلاَ خاصاً اتخذ لهذه الغاية، كذلك الصرافون الذين يصرفون المال مقابل الحصول على (أفياش) تحدّد نوع كلّ لعبة، ومعاونو الصرافين (السماسرة)، ومديرو الصالات والعمال والمستخدمون، حيث تكون العقوبات جنحوية الوصف، حدّها الأدنى ثلاثة أشهر وسقفها عامان وبغرامات رادعة.
وعن العقوبات التي تفرض بحقّ الغرباء عن المنطقة، يقول المحامي سنجقدار: «يعاقب المجرمون بمنع الإقامة، وفي حال كانوا غرباء؛ أي من خارج سورية (أجانب) يطردون من البلاد السورية، وتتمّ مصادرة الأشياء التي نتجت عن هذه الجرائم أو استعملت أو كانت معدّة لارتكابها، كذلك تصادر سائر الأشياء المنقولة التي فُرش المكان وزيّن بها (مكان لعب القمار)، وفي غالب الأحيان يقضى بإقفال المحلّ وتشميعه بالشمع الأحمر».
آفة خطرة
ويبقى للتربية المجتمعية دور بارز في تحديد هوية هذا الورم الخبيث الذي يفتك بعقول هواته ومرتاديه بكلّ ما هو سلبي عليهم، وهنا يصف الدكتور جورج قسيس، أستاذ كلية التربية (جامعة البعث) القمار بأنه آفة اجتماعية خطرة على المجتمع وأفراده؛ فآثاره الضارة معروفة في الماضي والحاضر والمستقبل، وعلى مرّ العصور، ويضيف قسيس: القمار أداة فعالة لتفكيك المجتمعات على العموم، فهي المسبب الرئيس لارتكاب الجرائم وزيادة حالات الشجار بين المقامرين الذين يتخلّون فجأة عن كرامتهم وإنسانيتهم، مقابل شيء واحد هو الربح السريع وغير المشروع.
ودعا أستاذ كلية التربية كلّ الأشخاص ممّن يمارسون هذا النوع من القمار المدمّر إلى صرف طاقاتهم وأموالهم على أمور أخرى وتوطينها في أشياء ومشاريع مفيدة لهم ولمجتمعهم، خاصة في ظلّ الانفتاح الاقتصادي وفتح سوق الاستثمار المنظم.
أسعد جحجاح
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد