الأخطاء الطبية مذبح وقرابين و«إلك معنا وما معنا»
نذيرالأبرش وربيحة الخطيب، وغيرهما كثر من مرضى العين أو القلب أو المرارة وربما الزائدة، أصبحوا مجرّد أرقام على قائمة لم يتمّ الاتفاق بعد على إحداثها، لتكون بمثابة سجلّ وطني لحالات المتوفّين نتيجة الأخطاء الطبية، ولتسجل الحادثة كلّ مرة «ضدّ مجهول»..
الخطأ الطبي اليوم، وبعدما تحوّل ليصبح السبب الثالث للوفيات في بلد كبريطانيا، وفي ظلّ غياب أيّ إحصاءات رسمية أو غير رسمية عن هذا الموضوع، قد يكون السببّ الأول للوفيات في سورية، وإن لم يؤدِّ إلى الموت، فسيقود إلى ما هو أقسى وأخطر من ذلك، كالعجز أو البطالة، ناهيك عن التأزم النفسي الأكثر إيلاماً.
¶ من درجتين قصر إلى سوادوية تامة
نصحه ثلاثة من الأطباء بعملية تشطيب القرنية بالليزرالقائم على تعديل سطح القرنية بواسطة ليزر الإكزايمر البارد منذ العام 1994، بعد إصابته بقصر النظر بمقدار درجتين.. انتظر نذير الأبرش (صاحب ملحمة سابقاً) إلى أن يتمّ إحضار جهاز الليزر إلى سورية وتجهيزه ليجري له العملية في المستشفى الطبي الجراحي الطبيب (ب.ج)بتكلفة 80 ألف ليرة، وما إن نجحت العملية، في مشهد لا يغيب عن ذهنه أبداً؛ عندما حطم الطبيب النظارة بقدميه، بعد مضيّ أربعة أشهر بعدها، حتى تحولت الدرجتان السابقتان إلى 14 درجة، ولأسباب مجهولة، لتبدأ رحلة العذابات بين طبيب أكّد حدوث ثقب في شبكية نذير، وآخر أيقن انفصالها نهائياً بعد 3 سنوات لتصبح العين اليمنى بحاجة إلى 3 عمليات أخرى جرت في مستشفى ابن النفيس لم يكتب لجميعها النجاح، ثمّ عملية أخرى ملحقة في المستشفى الشامي على حساب الطبيب (ب .ج) انتهت بكلمته «العوض بسلامتك»، ليخرج بعد أربع سنوات الألم والقيح منها، فأجمع الأطباء على ضرورة استئصالها، وهذا ما قام به الدكتور (ق.م)، ووضع عيناً زجاجية للعين اليمنى، فانتقل الألم إلى العين اليسرى، وانتقلت معه عملية البحث ذاتها عن طبيب يجري عملية انفصال شبكية لها، وبأقل تكلفة ممكنة، تتراوح ما بين 250 و400 ألف..
فشلت العملية الأولى والثانية، وحدث نزف فيها بعد ذلك، أسعِفَ الرجل إثرها إلى المستشفى بعملية كتب لها النجاح بقوّة إلهية منحته الرؤية بنسبة 5 %، وبعد سنة من العلاج اقترح الطبيب (ظ - و) تشطيب القرنية للعين اليسرى لتقوية النظر، وفتح حقيبة داخل العين، ليترك المريض بعدها في حالة عدم رؤية إلا خيال الضوء، فلا حلّ الآن سوى زرع الشبكية التي تحتاج إلى أموال طائلة كان نذير قد فقدها في رحلة العلاج الطويلة التي بدأت بدرجتين وانتهت بفقدان حاسة البصر، نتيجة عدم القدرة على استعمال جهاز الليزر.
يقول نذير (أب لخمسة أطفال) «اكتشفت فيما بعد أنّ الجهاز المستورد من أمريكا لم يكن مرخصاً، ولم أكن؛ أنا وغيري، سوى فأر تجارب لأيدٍ مجرّبة غير مدركةٍ عواقبَ ما تقترف، والمثير للغرابة أنّ أخته، نظراً إلى نتائج العملية الفورية التي أعادت رؤية نذير إلى حالته الطبيعية 100 %، أجرت العملية نفسها، وخاضت المراحل ذاتها لتدفع وأخوها ثمن الثقة التي منحاها طبيباً لم يدرك أهميّتها.
خطأ طبيّ أدى إلى انتحال شخصية
بعد التحاليل، تبيّن ضرورة إجراء عملية طارئة لمرارة المريضة ربيحة الخطيب من قبل الطبيب (ع . ش.. الاختصاصي في الجراحة العامة في مستشفى الأسد الجامعي)، وتمّ الاتفاق على إجراء العملية، لا التنظير، ليفاجأ ذوو المريضة بأنّ الطبيب تغيّر، وأجرى الطبيب البديل تفجيراً للمرارة دون جراحة، ويدعى الطبيب ـ بحسب الإضبارة ـ (س . ح)، ثمّ ظهرت شوائب في المرارة لم تظهر بالفحص الأول، وبعد التفجير سدّت القناة الجامعة، وانتفخ بطنها فيما بعد، وساءت حالها، وارتفعت حرارتها وضغطها والسكر في دمها، وأصبحت السوائل تختلط بالدماء بعد انسداد القناة الجامعة، ثمّ أجرى طبيب متخصص في الهضمية للمريضة عملية لفتح القناة الجامعة لتكون المفاجأة الكبرى بعد الخطأ الطبي الذي ارتكبه الطبيب المتدرب (س . خ.. سنة خامسة طب) أثناء إجراء العملية، منتحلاً اسم الطبيب (س . ح) الوارد اسمه في إضبارة المريضة المخبّأة حتى تاريخه، ولم يره ذوو المريضة سوى قبل يوم من خروجها من المستشفى، معترفاً باسمه وأنه (س .ح).. المسؤولية بثقلها توزعت، والأقاويل بقسوتها تنوّعت، بين الخطأ الفني والاختلاط الصحي والإهمال الطبي والانتحال الشخصي لطبيب وآخر، والنتيجة واحدة؛ بقاء المريضة لأكثر من شهر في المستشفى تعاني وجعاً في جسمها، وما زال الماء متجمّعاً على رئتيها، ومع كلّ الاستفسارات والشكاوى المقدمة من قبل ذوي المريضة، بقيت هباء دون أيّ استجابة، وهم لذلك عمدوا إلى رفع دعوى على كلّ الأطباء المشاركين في الخطأ.
على فكرة !!
الوضع ليس قاتماً تماماً، فثمّة ضفة أخرى دائماً تنقذنا وقد تعطينا جرعة من الأمل والتفاؤل بالقادم في الطب السوري، ونقيب الأطباء في سورية، الدكتور وائل الحلقي، أوضح أنّ الخطأ يعرفه جيّداً الأطباء أنفسهم، بينما يجهله بقية الناس، فتعريف الاختلاط الطبي المحدد له هو أيّ مشكلة ناتجة عن عمل جراحي أو مهني سريري، وتحدّث في كل أنحاء العالم، وتعريف الخطأ هو كلّ ما ينجم عن الممارسة الطبية والسريرية، نتيجة جهل الطبيب المعالج أو الجراح، فالخطوط واضحة بين المصطلحين خاصة، مع اعتماد الطب المستند إلى البرهان والدليل العلمي لكلّ اختصاص، والطرق المتبعة في علاج كلّ مرض، ولذلك تسعى النقابة خلال مدّة أقصاها 100 يوم إلى اتباع نظام أتمتة موحّد لنقابة الأطباء قادرٍ على وضع بيانات خاصة، مؤيداً غياب الإحصاء الدقيق والتصنيف لحالات الأخطاء الطبية وتوثيقها في سجلّ وطني لأعداد الوفيات الناتجة عنها، وكلّ ما هنالك مجرد شكاوى واردة إلى النقابة أو دعاوى مرفوعة على الأطباء، موضحاً وجود لجنة لتقصي الحقائق في الأخطاء الطبية تعتمد على الشكاوى المقدمة من المتضررين، وإذا ثبت الخطأ يُحال الطبيب إلى مجلس التأديب الذي تبدأ عقوبته بالتنبيه وتنتهي بإغلاق العيادة.
وعن الخطوات المقبلة التي تنوي النقابة اتخاذها للتخفيف من الأخطاء الطبية المرتكبة، أكد الدكتور الحلقي أن الانتهاء من الإعداد لللائحة الداخلية سيكون في 22 الشهر الحالي، و»نحن بصدد تعديل القانون رقم 31 للعام 1981، وإضافة مادة تقضي بوضع لجنة لأخلاقيات الطب؛ مهمتها مراقبة سلوك وأخطاء الأطباء نتيجة الإهمال وقلة الخبرة».
كما أصبح ترخيص مزاولة المهنة منذ بداية العام مرتبطاً بحصول كلّ طبيب متخرّج على 150 نقطة تقييمية خلال 5 سنوات، وفق مشروع التعليم الطبي المستمر، حيث لا يمدّد له هذا الترخيص ما لم يحصل على هذه النقاط.
«الطاسة ضايعة»
النسبة العالمية المسموح بها لحدوث الاختلاطات الطبية يجب ألا تتجاوز 30 %، والجراحة التجميلية التصنيعية واستخدامات الليزر في الأمراض الجلدية أكثر الأخطاء الواردة إلى النقابة، نتيجة عدم الاحتراز في استعمال الأجهزة الطبية التكنولوجية الحديثة، والإهمال الطبي، والجنوح عن الهدف الأساسي للتجميل، بحسب الحلقي، بينما يؤيّد الطبيب طلال فارس (اختصاص جراحة قلبية وأستاذ في كلية الطب)، أنّ أكثر الحوادث تكراراً نتيجة الإهمال الطبي هي نسيان أدوات جراحية في جسم المريض، لذلك يعمد الفريق الطبي إلى عدها، ويجب أن تحمل هذه الأدوات علامة بالأشعة، بحيث تظهر في الصور بعد إجراء العملية، إلا أنّ مستشفياتنا لا تتّبع هذه الطريقة، رغم وجود أجهزة حديثة كثيرة في مستشفيات سورية قادرة على تلافي أخطاء كثيرة، إلا أنّ المسؤولين فيها إمّا يجهلون استخدامها وإما يهدرون قيمتها وإما أن تسرق.
وما زال اللبس قائماً بين جهل الطبيب في اختصاص معين وعدم تركيزه من جهة، وبين حصول اختلاط مع الطبيب أثناء أو بعد العمل الجراحي لم يحسب له حساباً، وبين توزع المسؤوليات وإهمال المريض من جهة أخرى، والأمثلة على خروج الأطباء من قضايا أو دعاوى مرفوعة عليهم «كما تخرج الشعرة من العجين» كثيرة، إمّا لتعاون أطباء اللجنة الثلاثية أو الخماسية معهم، وتوزيعهم المسؤولية على أكثر من طبيب، وإما لعدم وجود ما يثبت ارتكابهم الخطأ، فبين إهمال الطبيب وعدم خبرته وتطاوله على ما ليس له به علم، وبين وضع المستشفيات المزري، خاصة العامة منها «الطاسة ضايعة».
إضافة تعليق جديد