الأزمة المالية اليونانية والخيارات المتاحة أمام الحكومة

06-05-2010

الأزمة المالية اليونانية والخيارات المتاحة أمام الحكومة

الجمل: تناقلت وسائل الإعلام بمختلف أنواعها التقارير والمعلومات حول التطورات الجارية في الأزمة الاقتصادية اليونانية والتي وصلت إلى حد سقوط القتلى والحرائق: فما هي محفزات ومفاعيل الأزمة بشكلها الحالي وما هي تطوراتها الجارية في عمق البؤرة إضافة إلى ما هي أبعاد السيناريو القادم ومدى احتمال انتقال عدوى الأزمة؟

ماذا تقول المعلومات الجارية؟
تشكلت بؤرة الأزمة اليونانية الحالية على خلفية أزمة الديون السيادية العامة, وذلك لأن حجم القطاع العام اليوناني يعتبر كبير نسبيا مقارنة بالقطاعات الأخرى وتأسيسا على ذلك فقد ظلت الحكومة اليونانية تنفق بسخاء على القطاع العام والذي لم يكن يقدم لها الإيرادات والفوائد المطلوبة بما يغطي نفقات الإنفاق السيادي, وكان طبيعيا أن تتزايد معدلات الدين العام وأن ترتفع معدلات الفائدة بما وصل في نهاية الأمر إلى وصول الحكومة اليونانية إلى مرحلة التعسف في السداد ثم إلى مرحلة العجز الكامل عن السداد, الأمر الذي أدى بدوره إلى تشكيل بؤرة الأزمة واشتعالها.

الخيارات المتاحة أمام الحكومة اليونانية لحل الأزمة
توجد حاليا ثلاثة خيارات متاحة أمام الحكومة اليونانية الحالية لحل الأزمة الاقتصادية اليونانية وتنفيس ضغوطها, ولكن كل واحد من هذه الخيارات سوف يترتب عليه ثمن صعب وتكاليف باهظة من التضحيات التي يتوجب القيام بها إضافة إلى التداعيات التي يمكن أن تحدث على خلفية تطبيقه, ويمكن الإشارة إلى هذه الخيارات الثلاثة على النحو الآتي:
• خيار اللجوء إلى المؤسسات الدولية: ومن أبرزها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي, وسوف تواجه الحكومة اليونانية مشكلة تطبيق شروط صندوق النقد الدولي والبنك الدولي المتمثلة في إنفاذ برامج التكييف الهيكلي وبرامج التثبيت الاقتصادي, أي بما معناه التخلص من القطاع العام اليوناني عن طريق الخصخصة وتشريد العمالة وهو خيار بالتأكيد سوف يترتب عليه حدوث الصدام بين الحكومة والشارع السياسي اليوناني.
• خيار اللجوء إلى الدعم الأوروبي: ومن أبرز الأطراف التي يمكن اللجوء إليها هي الدول الأوروبية التي لها فوائض مالية وافرة، و توجد دولة أوروبية واحدة بهذه المواصفات وهي ألمانيا, وقد وافقت ألمانيا على تقديم الدعم والتمويل اللازم للياليونانونان ولكنها اشترطت أن تقوم الحكومة اليونانية بتطبيق إجراءات تقشفية بالغة القسوة والشدة, لجهة الحد من النفقات وزيادة الإيرادات, وهو أمر يصعب تطبيقه لأن الشروط الألمانية اصطدمت بالمواقف الأوروبية الأخرى مثل الموقف الفرنسي وغيره من بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى التي لا تريد أن تعطي ألمانيا فرصة فرض وإملاء الشروط على دول الاتحاد الأوروبي, وذلك لأن هذه الدول نفسها سوف تحتاج إلى الدعم المالي الألماني وإذا استطاعت ألمانيا أن تفرض شروطها فهذا يشكل سابقة معناها بأن ألمانيا نفسها سوف تملي شروطها على الدول الأوروبية الأخرى مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وبريطانيا.
• خيار الاعتماد على القدرات الذاتية, وهو خيار فات أوانه وإن كان من الممكن تطبيقه ولكن تطبيقه يحتاج إلى توحيد الإرادة السياسية وإلى قبول كل الأطراف اليونانية لبرنامج موحد يقوم على أساس اعتبارات شعار الاعتماد على الذات من أجل تجاوز الأزمة أي القبول الطوعي بإجراءات بالغة الشدة والضغط على الأوضاع الاقتصادية الداخلية, وهو أمر يصعب الوصول إليه في ظل التنافس بين القوى السياسية اليونانية المتنافرة.

حتى الآن لم تستقر حكومة أثينا على أي خيار, ولكن الأكثر احتمالا هو أن تقبل بالخيار الألماني, لأنه يتم ضمن إطار الاعتماد حصرا على الحلول الأوروبية في حل الأزمات الأوروبية وهو ما يطرحه الاتحاد الأوروبي من خلال تفعيل برامج السياسة الاقتصادية الأوروبية, وعلى ما يبدو أن تطبيق هذا الحل سوف يعتمد على جانبيه الأول يتمثل في: التوافق بين الأطراف الأوروبية على قائمة الشروط الألمانية, والثاني يتمثل في: مدى قدرة الحكومة اليونانية على فرض سيطرتها وضبطها بإيقاع الاحتجاجات العارمة التي أصبحت تأخذ طابعا سياسيا متزايدا.

عدوى الأزمة اليونانية: المخاطر والاحتمالات
برغم أن اليونان تقع ضمن نطاق دائرة اقتصاديات الاتحاد الأوروبي فإن وجودها على خارطة المنطقة المتوسطية قد جعل منها واحدا من القوى المؤثرة في التفاعلات الاقتصادية الجارية في منطقة شمال شرق وجنوب شرق البحر الأبيض المتوسط, وبكلمات أخرى فإن الأوضاع الاقتصادية اليونانية, سوف يمتد تأثيرها على الأوضاع الاقتصادية في مناطق البلقان والبحر الأسود وشرق المتوسط, وبالذات سوريا وتركيا ولبنان وقبرص ومصر.
القاسم المشترك الأعظم بين اقتصاديات اليونان واقتصاديات منطقة شرق المتوسط هو قطاع السياحة وقطاع إنتاج الحمضيات إضافة إلى الزيتون ومنتجاته وفي هذا الخصوص نلاحظ أن قطاع السياحة وإنتاج الحمضيات وإنتاج الزيتون وزيوته في منطقة شرق المتوسط, يتميز بالعديد من المزايا النسبية والتي في مقدمتها انخفاض التكاليف بعكس اليونان والتي تتميز فيها هذه القطاعات بارتفاع التكاليف بسبب مستوى المعيشة المرتفع وارتفاع الأجور. والآن إذا حدث انهيار في الاقتصاد اليوناني فسيؤدي إلى انخفاض كبير في مستوى المعيشة ومستوى الأجور ومستوى القدرات الشرائية وماشابه ذلك، وستحدث عملية تحول واسعة في أنشطة السياحة وصادرات الحمضيات والزيتون. وبكلمات أخرى فإن حجما أكبر من السياحة سوف يتحول إلى اليونان وهو أمر إن كان من جهة سوف يؤدي إلى ارتفاع الطلب على السياحة في اليونان فإنه سوف يؤدي من الجهة الأخرى إلى انخفاض الطلب على السياحة في مناطق شرق المتوسط بما سوف يترتب عليه بالضرورة انخفاض في معدل عائدات القطاع السياحي: فما هو يا ترى العلاج الأمثل لمواجهة احتمالات انتقال عدوى الأزمة اليونانية, وما هي أفضل طريقة لبناء جدران السد الذي سيعصمنا من عدوى هذه الأزمة.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...