أزمة بلدان منطقة اليورو: إلى أين؟

17-05-2010

أزمة بلدان منطقة اليورو: إلى أين؟

الجمل: دخل أداء أزمة اقتصاديات بلدان الاتحاد الأوروبي مرحلة حرجة للغاية, وذلك بسبب الانخفاض المضطرد في سعر اليورو في البورصات والأسواق المالية مقابل العملات الأخرى, وعلى وجه الخصوص الدولار الأميركي, الأمر الذي أصبح يشكل تهديدا حقيقيا لجهة توليد المزيد من الصدمات المالية والنقدية السالبة التأثير على الأصول الثابتة والمنقولة والسائلة في كل اقتصاديات الاتحاد الأوروبي: فما هي حقيقة هذا الانخفاض, وما هي تأثيراته على اقتصاديات الاتحاد الأوروبي, وبقية العالم وعلى وجه الخصوص منطقة الشرق الأوسط ذات الروايط الوثيقة باقتصاديات الاتحاد الأوروبي؟

بؤرة الأزمة: بلدان منطقة اليورو
تقول سردية أزمة اقتصاديات بلدان الاتحاد الأوروبي الجارية حاليا, بأن انتقال عدوى الأزمة المالية الأميركية قد أدى إلى فرض المزيد من الضغوط التي توزعت بشكل متفاوت بين اقتصاديات بلدان الاتحاد الأوروبي, وعلى وجه الخصوص بلدان منطقة اليورو البالغ عددها 16 دولة, وبدرجة أقل على بلدان الاتحاد الأوروبي الأخرى غير المنتمية لمنطقة اليورو.
شرارة الأزمة بدأت في اليونان, وكان من أبرز أسبابها تفاقم معدلات الدين العام, بما أدى إلى عجز الاقتصاد اليوناني عن الإيفاء بالتزاماته وازداد الأمر سوءا بسبب امتناع بلدان الاتحاد الأوروبي, وعلى وجه الخصوص ألمانيا الوافرة الثراء عن القيام بالإجراءات الإسعافية العاجلة لدعم الاقتصاد اليوناني, إضافة إلى سعي بلدان الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الافتصادية الأوروبية والدولية إلى فرض المزيد من الشروط التقشفية الصعبة كخيار وحيد لحل أزمة الإعسار في الاقتصاد اليوناني.
لسوء الحظ, لم تكن اليونان هي الدولة الوحيدة التي تواجه مشكلة تفاقم معدلات الدين العام, فهناك إيطاليا وإسبانيا والبرتغال إضافة إلى آيسلندا, ونضيف من دول الاتحاد الأوروبي الصغيرة الأخرى التي انضمت مجددا لعضوية الاتحاد الأوروبي, وبالتالي, فإن شرارة الأزمة اليونانية أصبح من المحتمل أن تعقبها المزيد من الشرارات الأخرى, وعلى هذه الخلفية, فقد سارع خبراء الاتحاد الأوروبي إلى تحذير هذه البلدان من مغبة التمادي في رفع معدلات الديونية, طالما أن ذلك لن يؤدي بالضرورة إلا إلى الوصول إلى مرحلة الإعسار , واللحاق بقطار الأزمة اليونانية.
تقول المعلومات والتقارير بأن البورصات والأسواق المالية الأوروبية, قد شهدت خلال الأسبوع الماضي, تدفقا كبيرا بواسطة حاملي السندات الحكومية, والذين ظلوا يعرضونها للبيع بأقل من قيمتها, واستلام المقابل نقدا, ثم السعي من أجل شراء الذهب والبلاتين والفضة, وما شابه ذلك من المعادن الثمينة, بما يتيح لهم وضع أموالهم في الملاذات الآمنة تحسبا لمواجهة الأزمات المالية والنقدية الأوروبية المحتملة.

سيناريو انزلاق اليورو في البورصات والأسواق المالية:
تزايدت في البورصات والأسواق المالية عروض بيع سندات الدين العام, بسبب التزايد المضطرد في حجم (العرض) فقد قل حجم (الطلب), بما أدى إلى تزايد عمليات بيع ال(الكسر), ولما كانت سندات الدين العام مقيمة بعملة اليورو, فقد بدأت عمليات البيع الواسعة النطاق تأخذ شكل عملية البيع الواسعة النطاق لعملة اليورو, وعلى هذا الأساس فقد تزايد عرض اليورو, وبالمقابل قل الطلب عليه, بما أدى إلى انخفاض سعر اليورو بما يشبه الانزلاق.
تزايدت مخاوف المؤسسات المالية والنقدية الأوروبية, إضافة إلى تزايد مخاوف الحكومات الأوروبية من احتمالات مواجهة خطر الأزمة, والتي أصبحت معالمها تلوح في الأفق القريب, ومن أجل درء اندلاع الأزمة فقد سارعت البنوك المركزية الأوروبية, وتحديدا الموجودة في بلدان منطقة اليورو والبالغ عددها 16 بنكا مركزيا إلى محاولة الدخول في البورصات والأسواق المالية والقيام بعملية تدخل وقائي سريعة كبيرة الحجم, من أجل شراء سندات الدين العام المعروضة في الأسواق, بما يتيح وقف تدهور قيمة اليورو, وتأسيسا على ذلك تقول التحليلات والتقارير المالية بأن التكاليف الأولية لعملية الإنقاذ المطلوبة سوف لن تكون سهلة, وسوف تتطلب المزيد من التضحيات وتقديم التنازلات المالية والنقدية المؤلمة والسالبة التأثير على اقتصاديات الاتحاد الأوروبي.

ملاكمة اليورو- دولار: الحسم بالنقاط أم بالضربة القاضية
تقول المعلومات الصادرة اليوم, بأن إنقاذ القطاع المصرفي الأميركي من أجل الدفاع عن الدولار يتطلب الدعم العاجل للبنوك الأميركية بمبلغ في حدود 750 مليار دولار, كدفعة أولى عاجلة. أما إنقاذ القطاع المصرفي الأوروبي من أجل الدفاع عن اليورو فيتطلب توفير مبلغ في حدود 1,3 تريليون دولار "أي 1300 مليار دولار" وبالتالي كلما تأخر توفير المبلغ, فإن هذا المبلغ سوف يزداد بسبب انخفاض سعر اليورو المتواصل.
تشير التحليلات إلى أن انخفاض سعر اليورو, سوف يؤدي –إن استمر- إلى توليد المزيد من الصدمات, والتي لن تكون سالبة التأثير على الاقتصاديات الأوروبية وحسب, وإنما سوف تكون لها تغذيتها العكسية الراجعة, والتي سوف تؤدي بالضرورة إلى توليد المزيد من الصدمات الإضافية السالبة التأثير أيضا.
عند تحليل الصدمات الجارية حاليا, والمحتملة على المدى القريب المنظور نلاحظ السيناريو الآتي بالنسبة لبلدان الاتحاد الأوروبي:
• تزايد معدلات الدين العام سوف يولد صدمة الإعسار.
• تزايد الإعسار سوف يولد صدمة ارتفاع عرض اليورو في البورصات والأسواق المالية.
• تزايد عرض اليورو سوف يولد صدمة انخفاض سعر اليورو في البورصات والأسواق المالية.
• انخفاض سعر اليورو سوف يولد صدمة انخفاض القدرة الشرائية وانخفاض مستوى المعيشة.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية, فإن السيناريو سوف يأخذ الشكل الآتي:
• انخفاض سعر اليورو سوف يولد صدمة ارتفاع سعر الدولار في البورصات والأسواق المالية.
• ارتفاع سعر الدولار سوف يولد صدمة ارتفاع الطلب على الدولار في البورصات والأسواق المالية.
• ارتفاع الطلب على الدولار سوف يولد صدمة تزايد الودائع الدولارية في البنوك الأميركية.
• تزايد الودائع الدولارية في البنوك الأميركية سوف يولد صدمة توافر السيولة النقدية في الأسواق الأميركية.
وتأسيسا على ذلك سوف تتمكن المؤسسات المصرفية والمالية الأميركية من فك اختناقاتها, وتعزيز قدرتها على سداد التزاماتها.
أكدت بعض المعلومات الجارية إلى تزايد شكوك العديد من كبار المحللين الماليين والاقتصاديين وخبراء الاقتصاد الدولي إزاء الاحتمالات الكبيرة لحدوث سيناريو نظرية المؤامرة, وبكلمات أخرى, فقد ظل الأميركيون أكثر خبرة ودراية باستخدام وتوظيف آليات نقل ضغوط الأزمات الاقتصادية الأميركية إلى الاقتصاديات العالمية الأخرى, وعلى وجه الخصوص الاقتصاديات الرأسمالية المنفتحة على الاقتصاد الأميركي.
من المعروف سلفا أن العولمة الاقتصادية, قد تضمنت القيام بعملية انفتاح واسعة النطاق بين البورصات والأسواق المالية الأميركية والأوروبية إضافة إلى اليابانية والأسترالية والكورية الجنوبية والسعودية والخليجية, وقد أدى هذا الانفتاح إلى تسهيل وتسريع عملية انتقال المضاربات في أسواق الأسهم والأوراق المالية والسندات والعملات إضافة إلى السلع والخدمات.
تقول المعلومات والتسريبات, بأن الولايات المتحدة الأميركية, قد استخدمت الكثير من الأيادي الخفية لجهة القيام بإدارة وتوجيه الآتي:
• عرقلة قيام صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بتقديم الدعم الإسعافي العاجل للأزمة اليونانية قبل استعمالها.
• عرقلة قيام ألمانيا بتقديم الدعم الإسعافي العاجل للأزمة اليونانية, قبل تزايد ضغوطها.
• بث المزيد من الشائعات في الأوساط المالية الغربية بما يطلق إشارات سالبة في الأسواق المالية, أدى إلى تضخيم الإدراك بأن انخفاض اليورو قادم لا محالة, وبالتالي, فإن الأرصدة الثابتة والمنقولة والسائلة المقومة باليورو سوف تواجه خطر الخسارة.
وإضافة لذلك, تقول المعلومات والتسريبات, بأن وكالة المخابرات المركزية الأميركية, والتي تملك المئات من شركات الواجهة الناشطة في الأسواق الأوروبية والأميركية, قد قامت بدفع وتوجيه هذه الشركات من أجل إطلاق شرارة المضاربات الوحيدة الاتجاه, بما يتضمن القيام بالبيع الفوري لأصولها الثابتة والمنقولة والسائلة, المقومة باليورو, وتحولها إلى التقييم بالدولار الأميركي, وإضافة لذلك فقد تزايدت الشائعات في البورصات والأسواق المالية وتحديدا المبثوثة بواسطة الوسائط الإعلامية بأن أسعار الفائدة سوف ترتفع بالنسبة للودائع الدولارية, الأمر الذي ترتب عليه سعي العديد من أصحاب الأموال إلى تحويل ودائعهم لتكون بالدولار بدلا عن اليورو.
من الواضح أن سعر اليورو سوف ينخفض, بما يؤدي إلى ارتفاع مقابل في سعر الدولار, ووفقا لهذا السيناريو, يمكن القول بأن حلبة ملاكمة الدولار-اليورو, سوف تشهد حصول الدولار على المزيد من النقاط, ولكن برغم ذلك, فإن الحسم النهائي مازال غير مؤكدا, طالما أن الضربة القاضية سوف تكون من نصيب من سيقوم برفع أسعار الفائدة, وعلى ما يبدو أن البنك المركزي الأميركي ووزارة الخزانة الأميركية لن يستطيعا على الأقل في مثل هذا الوقت العصيب تحمل تداعيات ذلك, ونفس الشيء بالنسبة للبنوك المركزية الأوروبية الخاصة ببلدان منطقة اليورو, وبالتالي, فمن المتوقع أن يسعى كل طرف من أجل المناورة بما يتيح له إرهاق الطرف الآخر, وعند حلول الفرصة المناسبة, يمكن أن يقوم بعملية رفع أسعار الفائدة, ويسدد الضربة القاضية ضد الطرف الآخر, ولكن في أي جولة: حتى الآن من الصعب التحديد, طالما أن الأمر يرتبط بمدى قدرة إدارة أوباما على تمرير وإنفاذ قرارات الاصلاح المالي التي عارضها أثرياء أميركا وصقور الجمهوريين, ومدى قدرة البنوك المركزية الأوروبية على التحرك السريع, وتغطية انكشاف سندات الدين العام الأوروبي في البورصات والأسواق المالية..

 

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...