عمليات تجميل الشباب مازالت مرفوضة اجتماعياً
من المعروف أننا في مجتمع مازال مُصرَّاً على الحفاظ على تقاليده وعاداته، وإلى الآن يبدو خرق هذه التقاليد مسألة في غاية الصعوبة، ونحن نتحدَّث هنا عن خروقات بسيطة، فكيف إذا كنا نتكلَّم عن خضوع العديد من شبابنا إلى عمليات تجميل، وهو أمر كان منذ وقت قصير مرفوضاً تماماً، ولعل ترجمة هذا الرفض، تجلَّت في خوف مَن يخضع لذلك النوع من العمليات من الاعتراف بها..
ولكن، يبدو أنَّ الأمر بدأ يأخذ منحى أكثر سهولة، وإن حافظ على رفض المجتمع، ولكن بدرجات متفاوتة، بحسب المحافظة والمجتمع الذي ينتمي إليه..
ومع اقتحام الرجال هذا المجال بشكل يزداد يوماً بعد يوم، بدأ الاعتقاد بأنَّ هذا الأمر يأخذ حيّزاً من النقاش يزداد هو الآخر يوماً بعد يوم.
عمليات التجميل في الرقة.. مقدار الحاجة إليها هو المعيار
قبل عشرة أعوام، لم يكن يخطر على بال أحد من أهل الرقة، أن يأتي ذلك اليوم الذي تنتشر فيه عمليات التجميل في مدينتهم، وتصبح أمراً اعتيادياً، بل كانت النظرة الاجتماعية سلبية جداً نحو مَن يقومون بهذه العمليات، ومَن يراجع أيَّ عيادة من هذا النوع كان يُنعت بأنه شخص مخنَّث أو متشبِّه بالنساء، وهذا ما يفسِّر عدم وجود مثل هذا الاختصاص الطبي في الرقة خلال تلك الفترة.. ولكن اليوم، تبدَّلت هذه النظرة السلبية، وبدأنا نلحظ وجود عيادات ومراكز طبية متخصِّصة في هذا المجال، وأصبحت هذه العمليات أمراً محبَّباً لعدد كبير من الناس الراغبين في تحسين مظهرهم.. ويرى محمود العبد الله (موظف)، أنَّ اللجوء إلى عمليات التجميل أمر ضروري للشباب، لـ»تزويق» شكلهم وتعديل بعض الملامح التي تخلق نفوراً اجتماعياً منهم، وتصبح هذه العمليات ضرورة ملحَّة لأولئك الذين يرغبون في تجميل تشوُّه خلقي أو تشوُّه ناتج عن حادث، أو بغرض إضفاء الجمال والشباب على الشكل الخارجي.. واستغرب عبد الله من محاربة بعض الناس هذه العمليات، لأنها قد تكون ضرورة صحية للإنسان، فما المانع من تخلُّص الشاب من الدهون المتراكمة في بطنه، أو تقويم أسنانه غير المتناسقة، وإن كان أصلع فلماذا لا يقوم بعملية زرع شعر، وبالتالي التخلُّص من هذا الصلع؟.
من جهته، عبَّر فادي (طالب جامعة) عن أسفه من انتشار عمليات التجميل بين صفوف الشباب، ما يدلُّ على فقدان الشباب ثقتهم بأنفسهم وجحودهم بالخلقة الربانية, وهي ليست إلا نوعاً من محاولة التقليد الأعمى للآخرين, لا سيما نجوم السينما والفنانين، مؤكِّداً أنَّ الجمال هو جمال الروح والأخلاق, وشخصية الإنسان هي التي تحدِّد مقدار ودرجة النفور منه.
أما عيسى الراضي (محامي)، فقد أبدى رضاه عن العمليات التجميلية التي يتمُّ أجراؤها للأشخاص الذين تعرَّضوا إلى حادث أدَّى إلى تشوُّه ما، وخاصة حوادث الحروق.. وأثنى الراضي على كبار الأطباء الذين أحرزوا تقدُّماً كبيراً في معالجة آثار هذه الحوادث، مشيراً إلى أنَّ عمليات التجميل التي يقوم بها بعض الشباب لتصحيح أنوفهم أو إزالة الشعر في مناطق محدَّدة من أجسادهم، تعكس انحدار تفكير هؤلاء الشباب، و دى تأثُّرهم بالفكر الغربي.
في حين اعتبرت خلود العيسى (موظفة)، أنَّ هذه العمليات نصب واحتيال في وضح النهار، ومن أسفٍ، فإنَّ انتشارها بشكل واسع في هذه الأيام يدلُّ على مدى تغييب العقل والركض خلف المظاهر الخادعة، محذِّرةً من أنَّ هذه العمليات بمختلف أشكالها قد تؤدِّي إلى مضاعفات طبية خطرة، وإلحاق الضرر بالشخص أكبر من الفائدة المرجوَّة.
وبدوره، أكَّد ماجد إسماعيل (مدرِّس)، أنَّ لجوء بعض الشباب إلى صالات التجميل بغية تغيير خلقهم، يعبِّر عن نقص رجولتهم، وأنهم شباب غير ناضجين، لأنهم يهتمُّون بالقشور، ويصرفون أموالاً طائلة طلباً لجمال زائل، سواء طال الزمن أم قصر.. وانتقد إسماعيل الدور السلبي الذي تمارسه بعض القنوات الفضائية في الترويج لهذه العمليات من خلال الإعلانات والكليبات التي تبثُّها على شاشاتها.. وطالب بضرورة وضع ضوابط لعمليات التجميل ومراقبة الصالات والعيادات التي تجريها، وتحديد أنواع العمليات المسموح بإجرائها.
فيما صنّف الباحث الاجتماعي، عبد الكريم الحربي، الباحثين عن عمليات التجميل في خانتين: الأولى خانة الأثرياء؛ حيث إنَّ المنتمين إلى الطبقة الثرية من عادتهم البحث عن الكماليات، وهذا ما يجعلهم يبحثون عن أجمل مظهر، حتى لو كلَّفهم ذلك السفر إلى أرقى المستشفيات المتخصِّصة في عمليات التجميل في أوروبا وأمريكا.. أما الثانية، فهي تضمُّ الناس البسطاء الذين أصيبوا بتشوُّه خلقي أو طارئ، ويشعر هؤلاء بأنَّ هذا التشوُّه سيخلق نفوراً اجتماعياً منهم، وتبقى هذه الرغبة حبيسة في صدورهم، وقد تخلق لديهم مشكلة نفسية ذات أبعاد خطرة.. ويعتقد الحربي أنَّ العملية ضرورية للصنف الثاني..
في اللاذقية.. عمليات التجميل «الرجالية» مرفوضة..
لاتزال عمليات التجميل «الرجالية» مرفوضة تماماً لدى أغلب شباب اللاذقية، باستثناء تلك التي يجريها الشاب لأسباب اضطرارية؛ كإصابته بحادث مثلاً، أو وجود تشوّه في أحد أعضاء جسده.. وعدا عن ذلك، فإنَّ أيَّ عملية تجميل يجريها الشاب تعدُّ معيبة بحقه، لأنَّ الشاب لايعيبه جماله، بحسب رأي غالبية شباب اللاذقية.
وضمن هذا السياق، يرفض أسامة (26 عاماً)، إجراء عملية تجميل لأنفه الذي يعاني من انحراف وتيرة، ويعلِّل رفضه بأنَّ الشاب لايجب أن يعير أيَّ اهتمام لتلك المواضيع الثانوية، لاسيما وأنَّ الشاب حتى يكون مقبولاً من الجنس الآخر يجب أن يتمتَّع برجولة وشخصية قوية ولباقة وحسن تصرف، لا أن يفكِّر في إجراء عمليات تجميل حتى يصبح كـ(براد بيت) مثلاً، فما نفع الجمال إذا كانت شخصية الشاب مسحوقة ولا يستطيع التصرُّف بحكمة واتزان.
ويؤكِّد حسام (29 عاماً) كلام أسامة، ويضيف عليه: «جمال الشكل للشاب ليس مطلوباً، كما هو بالنسبة إلى الفتيات، ولكن هذا الكلام لا يعني أبداً عدم اهتمام الشاب بمظهره الخارجي ولباسه وأناقته ونظافته ورائحته الجميلة؛ فجميع تلك العوامل تغني أيَّ شاب عن إجراء أيِّ عملية تجميلية في حال كان يعاني من مشكلة معينة في شكله الخارجي»..
وائل (27 عاماً)، له رأي معاكس حيال هذه القضية، فهو يؤيِّد إجراء عمليات التجميل للشاب، ولكن ضمن حدود معقولة؛ أي أنه يجيز للشاب الذي يعاني من مشكلة معينة في شكله وتؤثِّر بشكل مباشر في مظهره الخارجي، القيام بعملية تجميلية، لأنَّ تلك النقطة يمكن أن تكون نقطة ضعف في شخصية الشاب، وربما يكون لها تأثير سلبي على حياته العملية والشخصية، وهنا لاضير أبداً من إجراء تلك العملية حتى يصبح هذا الشخص مقبولاً في المجتمع بشكل أكبر.
وبالنسبة إلى عمليات الشفط، فقد رفضها غالبية الشباب الذين التقتهم «بلدنا» بغية استطلاع آرائهم حيال هذه القضية، وفضَّلوا الاحتفاظ بـ»كروشهم» أو اللجوء إلى خيار الرياضة و»الريجيم» رغم صعوبته عليهم، بدلاً من تلك العمليات التي اعتبروها معيبة بحقهم.
في حلب.. هل يطغى المظهر على الجوهر؟
في الآونة الأخيرة، بتنا نسمع عن انتشار ملحوظ وغير طبيعي لعمليات التجميل، فالفتيات يبحثن عن الجمال غير مكتفيات بالطرق التقليدية، بل تجاوزن المألوف لتصبح عمليات التجميل لدى بعضهنَّ أمراً إلزامياً في بعض الأحيان. ولم يتوقَّف الأمر عند هذا الحد، بل انتقلت العدوى لتصل إلى الشباب الذين بدأ بعضهم البحث عن شكل الرجل الوسيم، بعيداً عن اعتبارات الرجولة وسحر الشخصية المثقَّفة، باحثين في عيادات التجميل ونوادي الرياضة عن مظهر قد يناسبهم أكثر، بغضِّ النظر عن ما إذا كانوا يحتاجون إليه أم لا.. ويبقى للشارع الحلبي، ذي الرأي المحافظ إلى حدٍّ ما، تحفُّظه حول الموضوع، خاصة إذا ما تعلَّق الأمر بتجميل الشباب، فهو في العرف الحلبي غير مبرَّر إطلاقاً، بل هو أمر منبوذ اجتماعياً.
الشاب هشام عقاد، يرى أنَّ عمليات التجميل سلاح ذو حدَّين؛ فعندما تكون لتحسين تشوُّه أو عيب فهي ضرورة لا بدَّ منها، أما عندما تكون للتباهي وتماشياً مع الموضة والتقليد الأعمى لظواهر فرضت نفسها على المجتمع، فهي خاطئة تماماً، خاصة وأنَّ موضوع الجمال أمر نسبي بالنسبة إلى الطرفين، ويختلف باختلاف الأذواق، ومن غير المستساغ قولبة الجميع ليظهروا بالمظهر نفسه وبمقاييس موحَّدة..
بدورها، تشجِّع إحدى الفتيات عمليات التجميل في حالات الضرورة، فتقول: «عمليات التجميل أمر لا بدَّ منه عندما يواجه الشباب مشكلات نفسية تتعلَّق بمظهرهم، ولكن في حال عدم وجود أسباب للجوء إلى هذه العمليات، فقط لمجرد الهوس بها، فهو أمر مرفوض، فالشكل أبداً لايفرض احترام الناس، صحيح أنه قد يشكِّل الانطباع الأول، ولكن يبقى الجوهر والمضمون الداخلي هو الحكم الأساس والثابت، بل على العكس، قد تسبِّب المبالغة في عمليات التجميل أحياناً تشوُّهات وتجعل الشخص أضحوكة»..
بدوره، يجد أحد الشباب الحلبيين أنَّ الأمر حق طبيعي بالنسبة إليه، فيقول: «ليس من المعيب أن أهتمَّ بمظهري الخارجي وجمالي، ولكن باعتدال وضمن الطبيعي، فأنا ألجأ إلى نادي الحديد لبناء الأجسام ونحت العضلات، وقد أستخدم الإبر لإعطائي مظهراً مميَّزاً، وإذا اضطررت في المستقبل فقد ألجأ إلى عملية تجميل لإزالة التجاعيد أو زرع شعر، فأنا لا أرى في الأمر أيَّ أذى للآخرين، أما بالنسبة إليّ فسأكون أكثر ارتياحاً وهو أمر لا يزعج الآخرين»..
بدورها، تقول عبير الأحمد: «يبقى الاهتمام بالمظهر نتيجة طبيعية لاتجاه العالم ككل نحو الماديات.. أنا لا أرى مشكلة على الإطلاق في عمليات التجميل، خاصة التي يقوم بها الشباب؛ على العكس تماماً، فاهتمام الشباب بمظهرهم دليل على بدء إدراكهم حقّ المرأة في تقييم شكلهم، كما هو العكس تماماً»..
تجميل الشباب أمر مرفوض
الدكتور فادي الأطرش، متخصِّص في علم الاجتماع، يرى أنَّ التجميل وأيَّ نوع من أنواع تحسين الشكل بالنسبة إلى الشباب، هو أمر غير مقبول نهائياً؛ فبالنسبة إلى المرأة الموضوع قد يُقبل في حال وجود «البروزات» غير المحتملة، لأنها ترتبط بناحية جمالية للمرأة وترتبط بالناحية الجنسية بالنسبة إلى الرجل؛ بأن تكون المرأة مستساغة.. بينما بالنسبة إلى الرجل، فالموضوع فاشل اجتماعياً، ولا يحقِّق أيَّ شيء.. في حين يعزو دكتور علم الاجتماع، ممدوح عقيل، موضوع تقبُّل عمليات التجميل إلى عاملين؛ الأول مرتبط بالمنطقة السكانية، والثاني بالناحية المادية والاجتماعية، فيقول: «عمليات التجميل تقبل بحسب المنطقة السكنية؛ ففي القرية أو الريف يختلف الموضوع عن المدينة، وهو غير مقبول نهائياً، بل ومعيب، كذلك فالحالة الاجتماعية المادية تلعب دوراً كبيراً.. وبشكل عام، إذا كان الغرض من التجميل هو التحسين لأسباب مقبولة، فهو مقبول اجتماعياً، أما العمليات التجميلية ذات طابع التغيير؛ من تكبير أو تصغير أو غيرهما، فهي تعدُّ موضة، ويختلف تقبُّلها من جماعة إلى أخرى، ويبقى الأمر محصوراً ضمن سكان المدينة، بعيداً عن سكان الريف الطبيعيين. وفي النهاية، هي ظاهرة اجتماعية بدأت مع العمليات الجراحية، وبعد العملية الجراحية أخذت طريقها إلى الجراحة التجميلية، وانتهت مع مجاراة الموضة العالمية»..
في حماة.. عمليات تجميل الشباب مازالت مرفوضة
في ظلِّ التطورات والإنجازات التي حقَّقها الطب بشكل عام، وعمليات التجميل بشكل خاص، خلال السنوات الأخيرة، سواء على صعيد تخفيف الوزن عبر عمليات شفط الدهون للوصول إلى قوام رشيق، أم على صعيد تصحيح وتجميل بعض معاني وأوصاف الوجه ليكون في شكل أكثر وسامة وجاذبية، أضحى بعض الشباب الذكور يفكِّرون في خوض هذه التجربة، بعد أن قطعت النساء أشواطاً واسعة في هذا المجال، لاعتبارات نفسية واجتماعية، نتيجة رغبة المرأة في أن تكون دائماً بمظهر لائق..
وقد أصبحنا نسمع عن بعض الرجال الذين خضعوا لعمليات تجميل، خاصة شفط دهون أو ربط معدة، بهدف رغبتهم في خسارة أوزانهم الزائدة، في حين لا تزال عمليات تجميل الوجه على نطاق ضيق جداً، وفي حالات استثنائية غالباً، نتيجة معالجة حالات تشوُّهات خلقية أو ناجمة عن بعض الحوادث..
ورأى سامر (28 عاماً) أنَّ عمليات التجميل في مجتمعنا لا تتعدَّى كونها «بريستيجاً»، حتى بالنسبة إلى النساء، كون الأمر قضية نسبية تبدأ ولا تنتهي انطلاقاً من أنَّ معظم النساء غير مقتنعات بأشكالهن الخارجية والمظهر العام لأجسادهن، الأمر الذي يجعلهن فريسة سهلة أمام ابتزاز واستغلال الأطباء والمتخصِّصين في هذه المهنة والذين يعمد معظمهم على مغازلة طموحاتهن ورغباتهن الجامحة في الحصول على قوام رشيق ووجه وسيم فضلاً عن تعريض مَن يخضع لعمليات التجميل، من الذكور والإناث، إلى مخاطر صحية، كون هذه العمليات تنطوي على مخاطر صحية بالغة قد تودي بحياة من تجرى له العملية..
من جهته، اعتبر فراس (37 عاماً)، أنَّ عمليات التجميل باتت أمراً واقعاً أفرزه تطوُّر الطب وعلم التجميل، ولم يرَ أيَّ مانع من خضوع أيِّ شخص لهذه العمليات، حتى ولو لم يكن يعاني أيَّ تشوُّهات خلقية أو ناجمة عن حوادث، بل سعياً وراء تحسين المظهر العام للجسد أو شكل الوجه، بما يجعله يبدو في شكل أكثر حسناً.
وأكَّد وسيم الشيخ، متخصِّص في علم النفس، أنَّ الإنسان بطبعه يتوق دوماً إلى الكمال وحب الأشياء الجميلة، وإن تفاوتت درجة هذا الشعور من شخص إلى آخر. ومن هنا، نجد أنَّ عمليات التجميل أصبحت تشهد انتشاراً أوسع لدى أفراد المجتمع، سواءًَ من الرجال أم من النساء، داعياً إلى التحلِّي بروح القناعة والرضا بما وهبنا إياه الله من أشكال أجسامنا ووجوهنا ولون بشرتنا وطول قامتنا.. لكن في الوقت نفسه، إن كان هناك عيوب أو تشوُّهات وراثية أو ناجمة عن تعرُّض الإنسان إلى حادثة ما، يمكن أن يخضع لعملية تجميل تعيد أعضاء جسمه إلى حالتها الطبيعية، والشكل السليم الذي ينبغي أن تكون عليه، من دون المبالغة أو الإفراط في ذلك.
المصدر: بلدنا
إضافة تعليق جديد