مهنة «صيانة الحاسوب» بين الإتقان والغش ومحدودية الخبرة
تبعاً للانتشار الواسع لأجهزة الحاسوب بين مختلف شرائح المجتمع السوري على مدى السنوات الأخيرة، تحولت هذه الأداة إلى عنصر أساسي في قطاع الأعمال والتعلم وحتى الترفيه، لتتحول عملية إصلاحه عتادا وبرامجيا إلى هاجس لا يطيق المستخدمون التأخر عنها، إن بسبب تعطل بعض مهامه أو أجزائه جراء الاستخدام الكثيف، أم للتعامل غير المنظم مع شروط الاستخدام الأمن له.
والحال كذلك، برزت مهنة «صيانة أجهزة الحاسوب» بقوة على لوائح المهن السورية، فانتشرت الشركات والمحال المتخصصة بصيانة الحواسيب التي ينكب على العمل ضمنها أكاديميون تلقوا تعليمهم في كليات الهندسة المعلوماتية والمعاهد المتخصصة، ومعهم آخرون يمكن وصفهم بالهواة الذي اتخذوا من هذه المهنة صنعة تعلّموها ضمن سياقات التدرب التقليدي التي تشبه مثيلاتها من المهن الأخرى، فبرعوا بها منافسين بذلك أقرانهم الأكاديميين، فاقتطعوا لهم حصة لا بأس بها من هذه السوق.
وعلى الرغم من بعض التمركزات لهذه المهنة في أسواق متخصصة داخل مدينة دمشق والمدن الأخرى، إلا أنه لا يكاد يخلو محل يتعاطى مع تقنيات الحاسوب إلا ولديه في زاوية ما مكان لإصلاح الحاسوب، فهذه المهنة أضحت تدر دخلاً متميزاً نتيجة للانتشار المطرد للحواسيب وزيادة أعطالها، ما شجع الكثير من محال بيع الحواسيب والتقنيات الإلكترونية عموماً إلى تحويل نشاطها نحو «صيانة الحاسوب وملحقاته».
السرعة.. الإتقان.. السعر
كما في كل مهنة، ثمة عناصر أساسية لاجتذاب الزبائن إلى ورشة دون أخرى أو خبير دون آخر، وهذه العناصر تتطابق مع مثيلاتها في المهن المتخصصة بالخدمات.
يجزم «هوازن»، صاحب أحد محال بيع الحاسوب وملحقاته في «سوق البحصة» الذي يعد الأشهر بين الأسواق المتخصصة بالحاسوب وملحقاته، يجزم بأن ثمة أقانيم ثلاثة لاجتذاب الزبائن والحفاظ عليهم مع مرور الأيام في مهنة «الصيانة»، بدءاً بالخبرة في الإصلاح، والسرعة في الصيانة، والأسعار المناسبة، ثم المواعيد الدقيقة.
ويرى هوازن أن هذه العناصر الثلاثة تلعب دوراً حاسماً في كسب ثقة الزبائن واستقطابهم، مشيراً إلى أنها نقاط مهمة يحرص عليها كل من يحترم مهنته وعمله.
ويضيف هوازن: تخرجت في كلية الهندسة المعلوماتية بجامعة دمشق/ وعملت في مجال الصيانة بنفسي في المحل، ومن خلال احترامي لعناصر المهنة الثلاثة، تمكنت من التوسع حتى بات لدي الآن عدد من الفنيين المتخصصين الذين يعملون معي.
أما فني الصيانة «معتز» الذي يعمل في بيع وصيانة أجهزة الحاسوب وملحقاته، فيرى أن دراسة أصول الصيانة ضرورة لكنها لا تكتمل إلا بالخبرة العملية.
ويستقي «معتز» قناعاته هذه من خلال تجربته الشخصية، فهو خريج معهد متخصص في الحاسوب، وخضع لكورس كامل في الصيانة، إلا أن خبرته لم تنصقل كما يجب، إلا بعد طول ممارسة أفناها في المهنة.
«منير» مدير محل بيع للحاسوب وملحقاته في السوق ذاته، افتتح قسماً لصيانة الحاسوب لاعتبارات مختلفة تماماً، فهو يشير إلى أن الثقة التي يوليها الزبائن لمحال بعينها لشراء أجهزة الحاسوب، واللجوء إليهم بطبيعة الحال بعد البيع للحصول على المشورة فيما يتعلق بالحاسوب والبرامج المختلفة، دفع كثيراً من المحال إلى تخصيص أقسام للتعامل مع الأعطال بصورة مباشرة، وهذا ما أقدم عليه هو شخصياً.
ويشير منير إلى أنه لا يتوانى عن تقديم أي صيانة مجانية لمن اقتنى حاسوباً من محله خلال العام الأول مع الأخذ بالحسبان استبدال القطع السيئة الصنع خلال هذه المدة، مشيراً إلى أن هذا النوع من الصيانة يعد أبرز عوامل تسويق البيع في محله.
أنس صاحب أحد محال الكمبيوتر في «البحصة» هو الآخر انطلق إلى الصيانة لأسباب مختلفة، مشيراً إلى أن الاعتماد على بيع الأجهزة الجديدة في ظل المنافسة القوية الموجودة أثر في الدخل، لذا فإن إدخال الصيانة في المحل كأحد عمليات تنويع مصادر الدخل أصبح ضرورة ملحة لاستمرار عملي.
متاعب وغش
يحمد عامر الله على استعادة ملفاته التي خشي فقدانها جراء تعطل حاسوبه، فعامر بحث طويلاً عمن يمكنه استعادة ملفاته المهمة في عمله إلى أن التقى فنياً في أحد المحال أنجز له هذه المهمة في وقت قصير إضافة إلى تنزيل برنامج حماية بأقل التكاليف.
ويقول عامر: تعاملت مع عدة محلات تدعي أنها متخصصة في صيانة وإصلاح الحواسيب ولكن للأسف لم تقم بإزالة الأعطال من جهازي، وخسرت ما دفعته من تكلفة مالية.
مصطفى الذي استلم تواً حاسوبه من أحد محال الصيانة، هو الآخر يتلمس المشكلة قائلاً: حضرت لفحص جهازي من الفيروسات لكوني أثق بهذا المحل، لكن أغلب المحال وجدت أن عملية الصيانة تدر أرباحاً مثيرة فاتجهت إلى إضافة الصيانة إلى أعمالها.. ولكن للأسف لا يوجد مكان منفصل في المحل حتى يمكن للفني أن يركز في عمله أو يستطيع أن يستمع إلى مشكلة جهازك مباشرة، وإن وجد تكون السقيفة هي مكان ورشة الصيانة وأضاف: إن المشكلة في هذا المجال تكمن في جهل العديد ممن يدعون الدراية بصيانة الحاسوب، وطالب بأن يكون هناك شروط وتدقيق فيمن تمنح لهم تصاريح للعمل، في هذه المهنة حتى لا يقع ضحايا جدد.
تجربتا عامر ومصطفى ليستا فريدتين، إذ إن سامر المهندس المتخصص، يشير إلى أن هذه المهنة تحتاج إلى تخصص «لكن المحال التي يمكن أن تجد فيها الفني والمهندس المتخصص لايزيد عددها على ثلاثة محال أو أربعة في المنطقة والباقي غير مضمون».
يبرر سامر الانتشار الكبير في أعداد محال الصيانة بالقول: «تمثل الصيانة جزءاً مهماً في الإيرادات الشهرية للمحال ولذا يسعى الجميع للاستفادة من المناخ الكبير الذي توفره في الحصول على مكاسب مالية.
أما «فادي» مهندس التحكم الصناعي، فيبدو أكثر تشدداً في وصف واقع هذه المهنة، مشيراً إلى وجود «متاعب واستغلال وغش من قبل بعض ورش الصيانة.
ويعزو فادي السبب في ذلك إلى أن تلك الورش «بكل بساطة تفتقر إلى الفني الذي يتقن فن إصلاح أجهزة الحاسب.. فللأسف أصبح الجميع مهندسين في أجهزة الحاسوب من دون خبرة أو ضمير أو وازع ديني يفرض عليه الأمانة، ولذا فإن الخوف أصبح هو لغة الحوار بين الفني وصاحب الجهاز ويطالب بإنشاء جمعية خاصة تتبع لاتحاد الحرفيين تكون مسؤولة عن تنظيم هذه المهنة».
جميل، الفني خريج معاهد التدريب على الصيانة، يرى من جهته أن التلاعب في هذه المهنة بات محدوداً جداً، إذ إن أسعار الخدمة التي تختلف باختلاف نوعية الأعطال، باتت معروفة لمعظم الزبائن، وهي تبدأ من 300 ليرة سورية لـ«فرمتة الجهاز» وتنزيل برامج التشغيل، مع إضافة 50 ليرة سورية لتنزيل كل برنامج إضافي، وعلى مستوى صيانة العتاد فإن أجرة تركيب بعض الأجزاء التالفة بما في ذلك زيادة حجم الذاكرة وغيرها فتتفاوت بين 500 – 1000 ليرة سورية بحسب نوع القطعة.
مايكروسوفت تساهم بقسطها
نوفل، مهندس يعمل في ميدان تصميم وإدارة المواقع الإلكترونية، لا يتقن صيانة العتاد الحاسوبي، لكنه يعتبر أنه بات على المستخدم أن يضغط لجوءه إلى محال الصيانة إلى أقل حد ممكن.
ومن خلال علاقاته وعمله، يستمع نوفل إلى العديد من الشكاوى حيال أصحاب محال الصيانة والغش الذي يقع فيه كثير من المستخدمين الذين غالباً ما يدفعون أموالاً لقاء أعطال برمجية بسيطة، يمكنهم إصلاحها بأنفسهم بقليل من البحث.
يشير نوفل إلى أن شبكة الإنترنت تنطوي على الكثير من البرمجيات المخصصة لإصلاح الأعطال البرمجية، لكنه ينصح بالتحديد مستخدمي نظام التشغيل «ويندوز» بالاطلاع على برنامج إصلاح الأعطال «Fix it» الذي أطلقته شركة «مايكروسوفت» مؤخراً.
ويضيف نوفل: إن البرنامج الجديد التي تعني تسميته «أصلحه»، مخصص لحماية الكمبيوترات الشخصية وصيانة أعطالها بشكل آلي، ويقوم بشكل أساسي بإضافة نظام التشخيص الآلي الموجود في برنامج «ويندوز 7» إلى النسخ القديمة من نظام مايكروسوفت للتشغيل، وهو مخصص للتنبؤ بكيفية تأثير تحديثات نظام الأمن والسلامة على الكمبيوتر الشخصي، وذلك قبل أن يتم تثبيتها أو تنصيبها في الجهاز، مشيراً إلى أنه حالما يتم تثبيته على الجهاز، يقوم «Fixit» بالحصول على التحديثات المتعلقة بقضايا معروفة بالنسبة لبرنامج ويندوز، أو أي أجهزة مرتبطة به.
ويقوم البرنامج أيضاً بإجراء عمليات فحص وتدقيق منتظمة لمعرفة إذا ما كان الجهاز الذي يستضيفه قد وقع ضحية لمخاطر، أم لا، وحالما تصبح الحلول متاحة، فإنها تقوم بإبلاغ المستخدمين تلقائياً بأنها باتت جاهزة، أو تحاول أن تقوم بتطبيق نفسها بشكل آلي.
ويبين نوفل أن البرنامج يمتلك حلولاً لنحو 300 من أكثر المشاكل التي تواجه المستخدمين على نطاق واسع، والتي توقف عادة نظام ويندوز عن العمل، كما يقوم أيضاً بإصلاح وصيانة قائمة من البرامج وأجزاء جهاز الكمبيوتر الشخصي، وفي حال لم ينجح بإيجاد حل لمشكلة ما، يقوم بتزويد موظفي الدعم الفني في مايكروسوفت بالمعلومات بشأن ما يحدث من أخطاء.
المصدر: الوطن السورية
إضافة تعليق جديد