18-06-2010
دور النشر والكتّاب السوريين يعيشون صراع البقاء
أُغلقت دار عبيد للنشر عام 2002، وهي أقدم دار موجودة في سورية وكانت افتتحت عام 1890 في سوق الحميدية في دمشق، وتستعد اليوم مكتبات أخرى معروفة لإغلاق أبوابها، واعتزال مهنة النشر والتحوّل إلى مهنة أخرى، ومنها دار ميسلون التي تعتبر آخر دار أغلقت حتى الآن، كما أن دار الملاح ودار اليقظة هما حالياً برسم البيع، ويبدو أن الحبل على الجرار.
ومقابل هذه الإغلاقات، هناك من يستثمر في قطاع دور النشر والكتاب، إذ يصل عدد دور النشر في سورية إلى نحو 300 دار حسب مصادر وزارة الإعلام، إلا أن غالبيتها محدودة النشاط وأكثر هذه الدور لا تقدّم الجديد للقارىء كما أنها لا تشارك في المعارض الدولية لأسباب كثيرة أبرزها السبب الاقتصادي وغلاء أجور الشحن والاشتراك المرتفع فيها.
معضلة إغلاق دور النشر في سورية، لها وجه آخر يتعلق بأجور الكتّاب الذين يدفعون نتاجاتهم إليها، وهنا ثمّة نقطة محورية في العملية تتعلّق بالمردود المالي الذي ينتظره صاحب الكتاب أيّاً كان نوعه، إضافة إلى تلبية متطلّبات سوق القراءة والتي تبدو أنها مصابة بحالة كساد كبيرة. ويؤكّد بعض أصحاب دور النشر للاقتصادي أن أزمة المال والاقتصاد العالمية لم تؤثّر على دور النشر وسوق الكتاب، لأن دور النشر أساساً تعاني من أزمة مشابهة.
أقدم دار نشر مستمرة
تُعدّ دار الفكر أقدم دار نشر مستمرة في العمل، يقول المدير الإعلامي في الدار محمد الشريف: إن الدار مشروع تجاري ثقافي رابح، والاستمرارية تتحقّق من خلال التوازن بين الفكر والمال، وعلى الحكومة أن تدعم الدور مادياً حتى لا تغلق، وخاصة الدور الكبرى التي أشرفت على الإغلاق، فالأزمة المالية أثّرت على دور النشر بشكل كبير وخاصة التي تشارك في المعارض الخارجية.
ويؤكّد الشريف: نحن لا نشتري الكتاب بشكل حصري وذلك ليكون الكاتب شريكاً في الدار، إنما نعطيه نسبة معيّنة من المبيعات التي تبلغ نحو 10% من سعر الغلاف وذلك احتراماً له.
تنتج دار الفكر نحو 100كتاب سنوياً ما عدا إعادة طباعة بعض الكتب، حسب الشريف، ويقول: إن مرحلة جديدة من التطوّر لاتلغي القراءة بشكلها التقليدي، بل هي تحويل القراءة إلى شاشة CD وإذا كان هناك مشكلة فهي عندنا فقط، وفي أوروبا الكتب الإلكترونية ناجحة وهي أقل رقابة وأسهل قراءة وأرخص وتسهم في الحفاظ على البيئة.
تعمل دار الحافظ في مجال البرمجيات ونشر الكتب والطباعة وكل ما تحتاجه الأسرة، يقول مدير الدار مصطفى جاويش: إن دار النشر مشروع تجاري ناجح إذا كان هناك إدارة صحيحة، فالثقافة هي الغاية ونحن نعمل بكل الوسائل الممكنة سواءً مادية أو غيرها لتحقيق هذه الغاية. لافتاً إلى أن التطوّر التكنولوجي لم يؤثّر على الكتاب فهو مكمّل ومتمّم له. وعن الكتاب الرائج يقول جاويش: هو الكتاب الجيد والرابح، وعلى وزارة الثقافة أن تدعم الكتاب والجمعيات الأهلية.
ويقول سالم الكردي من دار الأوائل: إن هناك دوراً تجارية غير ملتزمة وغايتها الربح فقط، والأزمة المالية لم تؤثّر لأن هناك أزمة قراءة بالنسبة للقارئ والكاتب والناشر. ويؤكّد ياسر سبيناتي من دار الوكالة العامة أن الكتب الدينية هي خبز السوق، ويقول: إن دور النشر مشروع تجاري ثقافي رابح وهناك مستثمرون لدور النشر لأنها مهنة نبيلة.
مدير دار السواس عبد الله الديراني يقول: إن الكتب أصبحت تخضع للعرض والطلب مثلها مثل أي سلعة ملابس، وهذه الحالة لم تكن موجودة في الثمانينيات, ويضيف هناك مستثمرون لدور النشر. ويعتقد رضا كرم من دار الملاح أن إقامة الدور أصبحت مهنة غير نظيفة، فهناك مستثمرون لدور النشر لكنهم غير مؤهلين تجارياً أو علمياً، ونحن بصدد بيع الدار بسبب الخسائر المادية التي نتكبّدها بشكل يومي.
خمس سنوات حتى تقطف الثمرة
هذا ما قاله مدير دار البيروني، عبدالله البيروني، وتابع إن الدار مشروع تجاري رابح وحتى تستطيع أن تقطف ثمرة الربح عليك الصبر خمس سنوات. وأكّد البيروني أن أعلى أجر أعطي في الدار هو شراء قطعي "التنازل عن حق الكاتب في كتابه لمدة من الزمن" بمبلغ 700 ألف ليرة سورية، مشيراً لوجود مستثمرين لدور النشر وعلى الحكومة أن تكون أكبر مستثمر لدعم الكتاب، إضافة إلى دور الشركات الخاصة.
أما المدير العام لمكتبة النوري عمر النوري فيقول: نحن لا نشارك في المعارض الخارجية بسبب ارتفاع التكاليف المادية، أما داخلياً فإننا نشارك في أغلب المعارض. وأكّد النوري أن مكتبته تقيّم الكتاب من خلال لجنة متخصّصة، ويعطى الكاتب نسبة من المبيع، ولا نشتري بشكل قطعي، وأعلى سعر أعطي كان 150ألف ليرة سورية، لافتاً إلى وجود مستثمرين لدور النشر. وقال النوري: إن الكتب الرائجة حالياً هي كتب التراث، إضافة للكتب الموسمية والأبراج والطبخ.
أما فائز غضوب محاسب في دار أطلس فقال: إن الكتاب يعاني في سورية والبلاد العربية عموماً من أزمة حادة لأسباب مادية فقط وضعف القدرة الشرائية، وثمة أسباب جوهرية أخرى تتمثل في أن الثقافة الشفوية ماتزال هي السائدة. ويؤكّد لم نعد نشارك في المعارض الخارجية بسب الخسائر المادية التي نتكبّدها في هذه المعارض من حجز وشحن وغيرها، أما داخلياً فإننا ندفع لحجز المكان في المعرض ما يقارب مئة ألف ليرة.
أفضل من الكتاب
هناك مستثمرون لدور النشر، ومنهم حسان الدقاق والذي يعمل أيضاً وكيلاً لدور في تركيا ومصر ولبنان وأهمها: دار نور الصباح في تركيا، يقول الدقاق: الدور مشروع غير رابح في السنوات الأولى وتتغير المعادلة بعد ذلك، ويتبع الدقاق إحدى طريقتين لتقييم الكتاب مادياً على حد قوله: إما شراء قطعي أو إعطاء نسبة من المبيع بشكل سنوي، وأعلى أجر أعطي بشكل قطعي كان 600 ألف ليرة سورية.
ويقول مدير عام دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع محمد طارق تنبكجي: إن تقييم الكتاب من الناحية المادية يكون حسب الموضوع، ونحن نشتري الكتاب شراءً قطعياً على الأغلب بسعر 200 ألف ليرة سورية يتنازل عنه الكاتب لفترة معينة يتفق عليها، أما الكتب الرائجة حالياً فهي الروايات والطبخ. ويضيف تنبكجي: نحن نشترك في المعارض رغماً عنّا لدفع ضريبة الاسم، فدور النشر مشروع غير رابح الآن، أما سابقاً فكان غير ذلك. وأعتقد أن هناك مستثمرين لدور النشر وهذا شيء جيد إذا استثمر بالشكل الصحيح، فالكتاب مرتفع السعر بالنسبة لدخل المواطن.
أما إياد علاء الدين من دار المشرق فيقول: نحن بالدار نشتري من الكاتب إنتاجه الفكري شراء قطعياً لقاء نسبة من الطبعة، والكاتب أصبح يفاوض ويبحث عن الأجر الأفضل ويحاول عرض كتابه بكل الوسائل ليقوم الناشر بشرائه بأعلى سعر، ويعتقد أن هناك مستثمرين وتجار يعملون بشكل خفي ويحرّكون مديري الدور كيفما يشاؤون.
ويقول مدير عام دار المكتبي، محمد غياث المكتبي: إن هناك دوراً طفيلية في سورية، فالمستثمر إذا كان يسعى لنشر الثقافة فهو أمر جيد ورائع ويجب أن نشجّعه، أما إذا كان غير ذلك فهو سيؤثّر سلباً على المجتمع بشكل عام، ويكون طفيلياً على دور النشر والثقافة. ويضيف المكتبي: الكاتب صديق لنا وهو من أركان الدار وأعمدتها، والفكر لا يقيّم بالمال، والكاتب لا يخرج من عندنا إلا مسروراً رغم التقييم المادي الذي لا يسدّ رمقه. ويؤكّد المكتبي إذا لم يكن للدار غاية ثقافية تسعى إليها فالأفضل لها الإغلاق وفتح مشروع تجاري آخر حتى لا يتحوّل الناشر أو صاحب الدار إلى تاجر ثقافة.
علاقة تنافرية
ويقول الكاتب جورج جبور: نشرت في حياتي 25 كتاباً وأعلى أجر حصلت عليه 10000 دولار 500 ألف ليرة تقريباً من مركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت، بينما أقلّ أجر كان مقايضة بين كتابي ومجموعة كتب منشورة. ويرى جبور أن الناشر هو عبارة عن تاجر مثقف، وهناك مستثمرون لغرض التسويق لدور النشر وهناك مموّلون لها سواء مؤسسات تجارية أو فكرية أو حكومية. ويقول جبور: أنا لا أعرض كتبي على الناشر لأنها ليست سلعة بل نتاج فكري وعلمي، كما أني لا أثق بدور النشر الخاصة الذين يقيّمون الكتاب وقدرتهم للحكم على الكتاب بشكل صحيح وجدي وموضوعي. ويضيف جبور: إن نسبة الكاتب المادية من الكتاب تتراوح بين 10 - 15% من سعره، إلا أن العلاقة بين الكاتب والناشر علاقة غامضة وتنافرية وليست وديّة ولا أظن أن هناك ثقة بينهما، وخاصة في الأمور المادية.
ورداً عن سؤال أفضل دور النشر التي تعامل معها كشف جبور أنها وزارة الثقافة، وأكبر دار نشر رابحة ورائجة هي دار الفكر، أما الكتب الرائجة فهي كتب الدين والجنس.
أشد رقابياً
عبّر الكاتب حسن م يوسف عن مشاعره بقوله: أنا حزين لحال الكتاب وما وصل إليه من المستوى الهابط، وأعتقد أن هناك مستثمرين لدور النشر. ويؤكّد يوسف إن أفضل دار نشر تعامل معها هي وزارة الثقافة متمنياً أن تقوم بدعم الكتاب بكل الوسائل.
الكاتب والصحفي خليل صويلح يقول: إن أول كتاب نشرته كان لوزارة الثقافة مقابل 50 دولاراً فقط عام 1993 وأعلى أجر كان 1000 دولار عام 2008. فالتقييم المادي للمؤلف قليل جداً، وهو ضيف على كتابه فحصته بنسبة 10- 15%، وأعتقد أن هناك مستثمرين لدور النشر وما أكثرهم في سورية، إذ لا يوجد ناشر خاسر فالنشر تجارة رابحة، وبرأي صويلح أن وزارة الثقافة أفضل من ناحية التقييم المادي من أي دار نشر خاصة إلا أن رقابتها أكبر بكثير، والكتب الرائجة هي كتب الفضائح بكل أنواعها.
حال الكتاب
أبكي لحال الكتاب وعلى الحكومة أن تدعم الكتاب ودور النشر وتشجّع على القراءة بكل الوسائل المتاحة، بهذه الكلمات بدأ رئيس اتحاد الكتّاب العرب حسين جمعة حديثه للاقتصادي موضّحاً أن الاتحاد يلتزم بالمعايير الصادرة عن وزارة المال بالنسبة لتسعيرة الكتاب، إذ لا نعطي أكثر من 100 ألف ليرة كحد أقصى إضافة إلى 100 نسخة تعطى للكاتب مجاناً ونقدّم حسم أكثر من 60% إذا أراد الكاتب شراء كتابه. وأضاف جمعة: نحن كاتحاد نصدّر نحو 100 كتاب سنوياً ونمثّل الكاتب وندافع عنه مع مديرية حماية المؤلف.
تقوم الهيئة العامة للكتاب التابعة لوزارة الثقافة بنشر الكتاب لأوسع شرائح ممكنة من الجمهور ورفع سويتهم الثقافية، ويقول مدير التأليف والترجمة في الهيئة نهاد الجرب: لا نهتم بالأعمال المتخصّصة العلمية والمراجع الدقيقة لأننا نخاطب الشرائح الأوسع من الجمهور، أما التقييم المادي فنلتزم بتسعيرة وزارة المال، إذ يمنح الكاتب عن كل كلمة 150ق.س للتأليف و120ق.س للترجمة، ما عدا الأعمال الشعرية وقصص الأطفال لأن فيها جهداً إبداعياً. ويضيف الجرب: يوجد مستثمرين والكل يسعى إلى تحقيق الربح، والناشر في النهاية يتطوّر حسب الموضة الموجودة، كما أن قواعد السوق هي التي تحكم استمرارية الدار فسوق الكتاب كأي سوق آخر بحاجة إلى ترويج، إذ لا تنتج السوق المحلية أكثر من 1000عنوان سنوياً، أما بولندا - على سبيل المثال - تنتج 40000 عنوان سنوياً ونحو35000 نسخة للعنوان، بينما في سورية لا ننتج أكثر من 2000 نسخة للعنوان.
أكبر ناشر وأقل رابح
بدوره مدير المكتب الصحفي في وزارة الثقافة نجم الدين سمان قال: إن الوزارة طبعت نحو 230 كتاباً العام الماضي فتسعيرة الكتاب تعود إلى عدد الكلمات، ما عدا الشعر وقصص الأطفال فتخضع إلى التسعيرة الصادرة عن وزراة المال، وأضاف السمان: إن هناك مستثمرين لدور النشر لأنها ستغلق إذا لم يتوفر لها دعم مادي وذلك بسبب الدورة الاقتصادية البطيئة والمكلفة للكتاب، كما أن الأولويات اختلفت عمّا كانت عليه فالدور كانت مشروعا ثقافياً تجارياً، أما الآن فهي مشروع تجاري ثقافي، وأشار إلى أن سعر الكتاب مرتفع بسبب ضعف قدرات المواطن الشرائية فهو يفضّل لقمة العيش للعائلة على أي كتاب. والكتب الرائجة الآن هي الدراسات والترجمة بحسب رأي السمان.
ويقول مدير حماية حقوق المؤلف في وزارة الثقافة يحيى نداف: عملنا هو التعريف بحقوق وواجبات المؤلف وما هي التنازلات التي يمكن أن يقدمّها، ويوجد لدينا نحو 250 إيداعاً لكتّاب وشعراء ومؤلفين. ويرى نداف في ظاهرة مستثمرين لدور النشر بأنها ظاهرة جيدة.
خير جليس
"اقرأ كي تحيا" عبارة وضعها الكاتب الفرنسي ألبرتو مانغويل في بداية تاريخ القراءة ووصف تأثير القراءة في نفسه: "حين أفترق عن كتبي أشعر أني أموت، فالقراءة بالنسبة لي انفتاح على العالم وتمنحني الحرية الكاملة لأن أنتقل مع المؤلفين إلى بلدانهم".
هذا حال الكتاب، ينادي مستنجداً كالغريق المتعلّق بقشة، وهناك علاقة جميلة بين القارئ والكتاب، علاقة حب وهيام لا يفهمها إلا عشّاقها، ودخول المستثمرين إلى قطاع النشر أمر مهم، باشتراط أن يجعلوا غايتهم، إضافة إلى الربحية، الثقافة ونشرها ودعم القراءة والقرّاء، وبالتالي الكتاب، لتكون دور النشر مشروعاً ثقافياً تجارياً وليس تجارياً ثقافياً، والعودة إلى مقولة خير جليس، وتغيير مايقال بأن: نصف الكتب التي تكتب لا تنشر، ونصف الكتب التي تنشر لا تباع، ونصف الكتب التي تباع لا تقرأ، ونصف الكتب التي تقرأ لا تفهم، ونصف الكتب التي تفهم يساء فهمها.
ومقابل هذه الإغلاقات، هناك من يستثمر في قطاع دور النشر والكتاب، إذ يصل عدد دور النشر في سورية إلى نحو 300 دار حسب مصادر وزارة الإعلام، إلا أن غالبيتها محدودة النشاط وأكثر هذه الدور لا تقدّم الجديد للقارىء كما أنها لا تشارك في المعارض الدولية لأسباب كثيرة أبرزها السبب الاقتصادي وغلاء أجور الشحن والاشتراك المرتفع فيها.
معضلة إغلاق دور النشر في سورية، لها وجه آخر يتعلق بأجور الكتّاب الذين يدفعون نتاجاتهم إليها، وهنا ثمّة نقطة محورية في العملية تتعلّق بالمردود المالي الذي ينتظره صاحب الكتاب أيّاً كان نوعه، إضافة إلى تلبية متطلّبات سوق القراءة والتي تبدو أنها مصابة بحالة كساد كبيرة. ويؤكّد بعض أصحاب دور النشر للاقتصادي أن أزمة المال والاقتصاد العالمية لم تؤثّر على دور النشر وسوق الكتاب، لأن دور النشر أساساً تعاني من أزمة مشابهة.
أقدم دار نشر مستمرة
تُعدّ دار الفكر أقدم دار نشر مستمرة في العمل، يقول المدير الإعلامي في الدار محمد الشريف: إن الدار مشروع تجاري ثقافي رابح، والاستمرارية تتحقّق من خلال التوازن بين الفكر والمال، وعلى الحكومة أن تدعم الدور مادياً حتى لا تغلق، وخاصة الدور الكبرى التي أشرفت على الإغلاق، فالأزمة المالية أثّرت على دور النشر بشكل كبير وخاصة التي تشارك في المعارض الخارجية.
ويؤكّد الشريف: نحن لا نشتري الكتاب بشكل حصري وذلك ليكون الكاتب شريكاً في الدار، إنما نعطيه نسبة معيّنة من المبيعات التي تبلغ نحو 10% من سعر الغلاف وذلك احتراماً له.
تنتج دار الفكر نحو 100كتاب سنوياً ما عدا إعادة طباعة بعض الكتب، حسب الشريف، ويقول: إن مرحلة جديدة من التطوّر لاتلغي القراءة بشكلها التقليدي، بل هي تحويل القراءة إلى شاشة CD وإذا كان هناك مشكلة فهي عندنا فقط، وفي أوروبا الكتب الإلكترونية ناجحة وهي أقل رقابة وأسهل قراءة وأرخص وتسهم في الحفاظ على البيئة.
تعمل دار الحافظ في مجال البرمجيات ونشر الكتب والطباعة وكل ما تحتاجه الأسرة، يقول مدير الدار مصطفى جاويش: إن دار النشر مشروع تجاري ناجح إذا كان هناك إدارة صحيحة، فالثقافة هي الغاية ونحن نعمل بكل الوسائل الممكنة سواءً مادية أو غيرها لتحقيق هذه الغاية. لافتاً إلى أن التطوّر التكنولوجي لم يؤثّر على الكتاب فهو مكمّل ومتمّم له. وعن الكتاب الرائج يقول جاويش: هو الكتاب الجيد والرابح، وعلى وزارة الثقافة أن تدعم الكتاب والجمعيات الأهلية.
ويقول سالم الكردي من دار الأوائل: إن هناك دوراً تجارية غير ملتزمة وغايتها الربح فقط، والأزمة المالية لم تؤثّر لأن هناك أزمة قراءة بالنسبة للقارئ والكاتب والناشر. ويؤكّد ياسر سبيناتي من دار الوكالة العامة أن الكتب الدينية هي خبز السوق، ويقول: إن دور النشر مشروع تجاري ثقافي رابح وهناك مستثمرون لدور النشر لأنها مهنة نبيلة.
مدير دار السواس عبد الله الديراني يقول: إن الكتب أصبحت تخضع للعرض والطلب مثلها مثل أي سلعة ملابس، وهذه الحالة لم تكن موجودة في الثمانينيات, ويضيف هناك مستثمرون لدور النشر. ويعتقد رضا كرم من دار الملاح أن إقامة الدور أصبحت مهنة غير نظيفة، فهناك مستثمرون لدور النشر لكنهم غير مؤهلين تجارياً أو علمياً، ونحن بصدد بيع الدار بسبب الخسائر المادية التي نتكبّدها بشكل يومي.
خمس سنوات حتى تقطف الثمرة
هذا ما قاله مدير دار البيروني، عبدالله البيروني، وتابع إن الدار مشروع تجاري رابح وحتى تستطيع أن تقطف ثمرة الربح عليك الصبر خمس سنوات. وأكّد البيروني أن أعلى أجر أعطي في الدار هو شراء قطعي "التنازل عن حق الكاتب في كتابه لمدة من الزمن" بمبلغ 700 ألف ليرة سورية، مشيراً لوجود مستثمرين لدور النشر وعلى الحكومة أن تكون أكبر مستثمر لدعم الكتاب، إضافة إلى دور الشركات الخاصة.
أما المدير العام لمكتبة النوري عمر النوري فيقول: نحن لا نشارك في المعارض الخارجية بسبب ارتفاع التكاليف المادية، أما داخلياً فإننا نشارك في أغلب المعارض. وأكّد النوري أن مكتبته تقيّم الكتاب من خلال لجنة متخصّصة، ويعطى الكاتب نسبة من المبيع، ولا نشتري بشكل قطعي، وأعلى سعر أعطي كان 150ألف ليرة سورية، لافتاً إلى وجود مستثمرين لدور النشر. وقال النوري: إن الكتب الرائجة حالياً هي كتب التراث، إضافة للكتب الموسمية والأبراج والطبخ.
أما فائز غضوب محاسب في دار أطلس فقال: إن الكتاب يعاني في سورية والبلاد العربية عموماً من أزمة حادة لأسباب مادية فقط وضعف القدرة الشرائية، وثمة أسباب جوهرية أخرى تتمثل في أن الثقافة الشفوية ماتزال هي السائدة. ويؤكّد لم نعد نشارك في المعارض الخارجية بسب الخسائر المادية التي نتكبّدها في هذه المعارض من حجز وشحن وغيرها، أما داخلياً فإننا ندفع لحجز المكان في المعرض ما يقارب مئة ألف ليرة.
أفضل من الكتاب
هناك مستثمرون لدور النشر، ومنهم حسان الدقاق والذي يعمل أيضاً وكيلاً لدور في تركيا ومصر ولبنان وأهمها: دار نور الصباح في تركيا، يقول الدقاق: الدور مشروع غير رابح في السنوات الأولى وتتغير المعادلة بعد ذلك، ويتبع الدقاق إحدى طريقتين لتقييم الكتاب مادياً على حد قوله: إما شراء قطعي أو إعطاء نسبة من المبيع بشكل سنوي، وأعلى أجر أعطي بشكل قطعي كان 600 ألف ليرة سورية.
ويقول مدير عام دار دمشق للطباعة والنشر والتوزيع محمد طارق تنبكجي: إن تقييم الكتاب من الناحية المادية يكون حسب الموضوع، ونحن نشتري الكتاب شراءً قطعياً على الأغلب بسعر 200 ألف ليرة سورية يتنازل عنه الكاتب لفترة معينة يتفق عليها، أما الكتب الرائجة حالياً فهي الروايات والطبخ. ويضيف تنبكجي: نحن نشترك في المعارض رغماً عنّا لدفع ضريبة الاسم، فدور النشر مشروع غير رابح الآن، أما سابقاً فكان غير ذلك. وأعتقد أن هناك مستثمرين لدور النشر وهذا شيء جيد إذا استثمر بالشكل الصحيح، فالكتاب مرتفع السعر بالنسبة لدخل المواطن.
أما إياد علاء الدين من دار المشرق فيقول: نحن بالدار نشتري من الكاتب إنتاجه الفكري شراء قطعياً لقاء نسبة من الطبعة، والكاتب أصبح يفاوض ويبحث عن الأجر الأفضل ويحاول عرض كتابه بكل الوسائل ليقوم الناشر بشرائه بأعلى سعر، ويعتقد أن هناك مستثمرين وتجار يعملون بشكل خفي ويحرّكون مديري الدور كيفما يشاؤون.
ويقول مدير عام دار المكتبي، محمد غياث المكتبي: إن هناك دوراً طفيلية في سورية، فالمستثمر إذا كان يسعى لنشر الثقافة فهو أمر جيد ورائع ويجب أن نشجّعه، أما إذا كان غير ذلك فهو سيؤثّر سلباً على المجتمع بشكل عام، ويكون طفيلياً على دور النشر والثقافة. ويضيف المكتبي: الكاتب صديق لنا وهو من أركان الدار وأعمدتها، والفكر لا يقيّم بالمال، والكاتب لا يخرج من عندنا إلا مسروراً رغم التقييم المادي الذي لا يسدّ رمقه. ويؤكّد المكتبي إذا لم يكن للدار غاية ثقافية تسعى إليها فالأفضل لها الإغلاق وفتح مشروع تجاري آخر حتى لا يتحوّل الناشر أو صاحب الدار إلى تاجر ثقافة.
علاقة تنافرية
ويقول الكاتب جورج جبور: نشرت في حياتي 25 كتاباً وأعلى أجر حصلت عليه 10000 دولار 500 ألف ليرة تقريباً من مركز الأبحاث الفلسطينية في بيروت، بينما أقلّ أجر كان مقايضة بين كتابي ومجموعة كتب منشورة. ويرى جبور أن الناشر هو عبارة عن تاجر مثقف، وهناك مستثمرون لغرض التسويق لدور النشر وهناك مموّلون لها سواء مؤسسات تجارية أو فكرية أو حكومية. ويقول جبور: أنا لا أعرض كتبي على الناشر لأنها ليست سلعة بل نتاج فكري وعلمي، كما أني لا أثق بدور النشر الخاصة الذين يقيّمون الكتاب وقدرتهم للحكم على الكتاب بشكل صحيح وجدي وموضوعي. ويضيف جبور: إن نسبة الكاتب المادية من الكتاب تتراوح بين 10 - 15% من سعره، إلا أن العلاقة بين الكاتب والناشر علاقة غامضة وتنافرية وليست وديّة ولا أظن أن هناك ثقة بينهما، وخاصة في الأمور المادية.
ورداً عن سؤال أفضل دور النشر التي تعامل معها كشف جبور أنها وزارة الثقافة، وأكبر دار نشر رابحة ورائجة هي دار الفكر، أما الكتب الرائجة فهي كتب الدين والجنس.
أشد رقابياً
عبّر الكاتب حسن م يوسف عن مشاعره بقوله: أنا حزين لحال الكتاب وما وصل إليه من المستوى الهابط، وأعتقد أن هناك مستثمرين لدور النشر. ويؤكّد يوسف إن أفضل دار نشر تعامل معها هي وزارة الثقافة متمنياً أن تقوم بدعم الكتاب بكل الوسائل.
الكاتب والصحفي خليل صويلح يقول: إن أول كتاب نشرته كان لوزارة الثقافة مقابل 50 دولاراً فقط عام 1993 وأعلى أجر كان 1000 دولار عام 2008. فالتقييم المادي للمؤلف قليل جداً، وهو ضيف على كتابه فحصته بنسبة 10- 15%، وأعتقد أن هناك مستثمرين لدور النشر وما أكثرهم في سورية، إذ لا يوجد ناشر خاسر فالنشر تجارة رابحة، وبرأي صويلح أن وزارة الثقافة أفضل من ناحية التقييم المادي من أي دار نشر خاصة إلا أن رقابتها أكبر بكثير، والكتب الرائجة هي كتب الفضائح بكل أنواعها.
حال الكتاب
أبكي لحال الكتاب وعلى الحكومة أن تدعم الكتاب ودور النشر وتشجّع على القراءة بكل الوسائل المتاحة، بهذه الكلمات بدأ رئيس اتحاد الكتّاب العرب حسين جمعة حديثه للاقتصادي موضّحاً أن الاتحاد يلتزم بالمعايير الصادرة عن وزارة المال بالنسبة لتسعيرة الكتاب، إذ لا نعطي أكثر من 100 ألف ليرة كحد أقصى إضافة إلى 100 نسخة تعطى للكاتب مجاناً ونقدّم حسم أكثر من 60% إذا أراد الكاتب شراء كتابه. وأضاف جمعة: نحن كاتحاد نصدّر نحو 100 كتاب سنوياً ونمثّل الكاتب وندافع عنه مع مديرية حماية المؤلف.
تقوم الهيئة العامة للكتاب التابعة لوزارة الثقافة بنشر الكتاب لأوسع شرائح ممكنة من الجمهور ورفع سويتهم الثقافية، ويقول مدير التأليف والترجمة في الهيئة نهاد الجرب: لا نهتم بالأعمال المتخصّصة العلمية والمراجع الدقيقة لأننا نخاطب الشرائح الأوسع من الجمهور، أما التقييم المادي فنلتزم بتسعيرة وزارة المال، إذ يمنح الكاتب عن كل كلمة 150ق.س للتأليف و120ق.س للترجمة، ما عدا الأعمال الشعرية وقصص الأطفال لأن فيها جهداً إبداعياً. ويضيف الجرب: يوجد مستثمرين والكل يسعى إلى تحقيق الربح، والناشر في النهاية يتطوّر حسب الموضة الموجودة، كما أن قواعد السوق هي التي تحكم استمرارية الدار فسوق الكتاب كأي سوق آخر بحاجة إلى ترويج، إذ لا تنتج السوق المحلية أكثر من 1000عنوان سنوياً، أما بولندا - على سبيل المثال - تنتج 40000 عنوان سنوياً ونحو35000 نسخة للعنوان، بينما في سورية لا ننتج أكثر من 2000 نسخة للعنوان.
أكبر ناشر وأقل رابح
بدوره مدير المكتب الصحفي في وزارة الثقافة نجم الدين سمان قال: إن الوزارة طبعت نحو 230 كتاباً العام الماضي فتسعيرة الكتاب تعود إلى عدد الكلمات، ما عدا الشعر وقصص الأطفال فتخضع إلى التسعيرة الصادرة عن وزراة المال، وأضاف السمان: إن هناك مستثمرين لدور النشر لأنها ستغلق إذا لم يتوفر لها دعم مادي وذلك بسبب الدورة الاقتصادية البطيئة والمكلفة للكتاب، كما أن الأولويات اختلفت عمّا كانت عليه فالدور كانت مشروعا ثقافياً تجارياً، أما الآن فهي مشروع تجاري ثقافي، وأشار إلى أن سعر الكتاب مرتفع بسبب ضعف قدرات المواطن الشرائية فهو يفضّل لقمة العيش للعائلة على أي كتاب. والكتب الرائجة الآن هي الدراسات والترجمة بحسب رأي السمان.
ويقول مدير حماية حقوق المؤلف في وزارة الثقافة يحيى نداف: عملنا هو التعريف بحقوق وواجبات المؤلف وما هي التنازلات التي يمكن أن يقدمّها، ويوجد لدينا نحو 250 إيداعاً لكتّاب وشعراء ومؤلفين. ويرى نداف في ظاهرة مستثمرين لدور النشر بأنها ظاهرة جيدة.
خير جليس
"اقرأ كي تحيا" عبارة وضعها الكاتب الفرنسي ألبرتو مانغويل في بداية تاريخ القراءة ووصف تأثير القراءة في نفسه: "حين أفترق عن كتبي أشعر أني أموت، فالقراءة بالنسبة لي انفتاح على العالم وتمنحني الحرية الكاملة لأن أنتقل مع المؤلفين إلى بلدانهم".
هذا حال الكتاب، ينادي مستنجداً كالغريق المتعلّق بقشة، وهناك علاقة جميلة بين القارئ والكتاب، علاقة حب وهيام لا يفهمها إلا عشّاقها، ودخول المستثمرين إلى قطاع النشر أمر مهم، باشتراط أن يجعلوا غايتهم، إضافة إلى الربحية، الثقافة ونشرها ودعم القراءة والقرّاء، وبالتالي الكتاب، لتكون دور النشر مشروعاً ثقافياً تجارياً وليس تجارياً ثقافياً، والعودة إلى مقولة خير جليس، وتغيير مايقال بأن: نصف الكتب التي تكتب لا تنشر، ونصف الكتب التي تنشر لا تباع، ونصف الكتب التي تباع لا تقرأ، ونصف الكتب التي تقرأ لا تفهم، ونصف الكتب التي تفهم يساء فهمها.
المصدر: الاقتصادي
إضافة تعليق جديد