أردوغان:«الكردستاني» أداة لقوى تريـد تصفيـة حسـابات مع تـركيا
تعرضت تركيا بعد اقل من 20 يوما على العدوان الإسرائيلي على «أسطول الحرية» ومقتل تسعة ناشطين أتراك، لثاني اعتداء عسكري كبير قد لا تقل تداعياته وخطورته عن الاعتداء الإسرائيلي.
فقد نفّذ حوالي 300 مسلح تابعين لحزب العمال الكردستاني فجر أمس الأول «اجتياحا» عسكريا للأراضي التركية، وهاجموا مركزا عسكريا تركيا في منطقة شمدينلي الشرقية من ثلاث جهات، ما أسفر عن مقتل 11 جنديا تركيا وجرح 14 ومقتل 14 مسلحا كرديا. وذكرت وكالة «الأناضول» أمس أن جنديا قتل، واصيب آخر بجروح، في هجوم جديد استهدف ثكنتهما قرب بالو شرق تركيا.
وقد تسلل المسلحون من داخل العراق ودخلوا في اشتباك عنيف مع الجنود الأتراك لمدة خمس ساعات. وشهد الهجوم التحاما مباشرا و«صدرا لصدر»، كما وصفته وسائل الإعلام التركية، بين عناصر الطرفين. وما لبث أن عاد المسلحون الأكراد إلى قواعدهم، حيث باشر الجيش التركي عمليات تمشيط وبحث واسعة النطاق فضلا عن غارات جوية على قواعد لـ«الكردستاني» في شمال العراق.
وقد طرح الهجوم الكردي تساؤلات كبيرة داخل تركيا حول أهداف هذا التصعيد. وربطته معظم التحليلات التركية بالضغوط الغربية والإسرائيلية على أنقرة، خصوصا أن بداية التصعيد الكردي كانت فجر 31 أيار الماضي بهجوم صاروخي على قاعدة الاسكندرون البحرية وأسفرت عن مقتل سبعة جنود أتراك، وهي سبقت بأربع ساعات فقط العدوان الإسرائيلي على أسطول الحرية.
وإذا كان مؤكدا أن هذا الهجوم الكردي أنهى بالضربة القاضية عملية انفتاح الحكومة التركية على الأكراد، أو ما سمي بعملية ترسيخ الديموقراطية، غير انه طرح أيضا علامات استفهام حول علاقة أنقرة بحكومة إقليم كردستان، ولا سيما أن «رئيسه» مسعود البرزاني كان قد زار تركيا قبل أسبوعين فقط.
وارتفعت أيضا التساؤلات عما إذا كان هناك تقصير من جانب الاستخبارات العسكرية التركية، وما إذا كان ذلك عملا مدبرا وبالتنسيق مع أوساط عسكرية تركية من اجل خلق حالة ضاغطة على حكومة حزب العدالة والتنمية لإضعافها تمهيدا لإسقاطها، خصوصا أن عمليات كردية كبيرة مشابهة سابقا أظهرت تورط جهات عسكرية بها لخلق مناخ من التوتر الداخلي يخدم الحملة على حزب العدالة والتنمية.
ومن هذه التساؤلات أن رئاسة الأركان أعلنت الجمعة، أي قبل يوم من الهجوم الكردي، أنها تتوقع ازدياد العمليات الكردية. فإذا كانت تتوقع ذلك فلماذا لم تتخذ تدابير احترازية إضافية تجاه هجوم حصل فقط بعد 14 ساعة من تحذير رئاسة الأركان؟ وكيف يمكن لـ300 عنصر كردي بتجاوز الحدود العراقية وبكامل حمولتهم من الأسلحة الرشاشة والصاروخية، ومن ثلاث جهات، والسير مسافة طويلة من دون أن يكتشف الجيش التركي حركتهم؟ وكيف لم ترصد طائرات «هيرون» الإسرائيلية من دون طيار الموجودة لدى الجيش التركي حركة المسلحين الأكراد؟ وهل لإسرائيل دور مباشر في التغطية على عدم التقاط صور هؤلاء مسبقا أم أن طائرات «هيرون» ليست متطورة كما يذكر؟. أيضا لماذا لم تعمل جيدا آلية التنسيق الثنائية مع الولايات المتحدة، وما هي مسؤولية واشنطن عن عدم تقديم معلومات استخباراتية للجيش التركي؟.
لكن الاتهام الأكبر الذي شاع في كل وسائل الإعــلام التركية هو ان طائرات «هيرون» رصدت الأسبوع الماضي مجموعة من 150 كرديا يعبرون الحدود في منطقة شمدينلي. ولدى تقييم هذه الصــور والتـــقارير مع الأميركيين في قاعدة «باتمـــان» المركزية قال الأميركيون إن هـــؤلاء ليسوا مقاتلين بل مهربون!.
وجاءت ردة الفعل الأولى من رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان الذي اتهم «الكردستاني» بأنه مجرد واجهة لقوى تريد إضعاف تركيا من دون أن يحدد بالاسم هذه القوى. وقال «إن مثل هذا النوع من الهجمات لن يؤثر على عزيمتنا في مواصلة الصراع ضد المنظمة الإرهابية التي تعرف الأمة جيدا القوى التي هو أداتها إلى حين استئصالها». وأضاف «إننا مستعدون لدفع أي تضحية». وتابع إن «الاعتداءات الإرهابية الأخيرة لا تحمل سوى معنى أن المنظمة الإرهابية لا تزال أداة بيد الدوائر التي تريد تصفية حساباتها مع تركيا».
واعتبر أن «تركيا تملك من القوة والدراية الكافية لإعطاء الجواب على الأطماع الظلامية لهذه القوى، ومواصلة عملية التطور والتنمية في إطار وحدتها»، مشددا على أن الأعداء لن ينجحوا في مخططهم وتركيا لن توقف مسيرتها الديموقراطية.
وارتفعت أصوات في الداخل تطالب بإعلان حال الطوارئ في المناطق الكردية، وهو ما طالب به زعيم حزب الحركة القومية دولت باهتشلي، لكن اردوغان رفض الاقتراح الذي ثبت عدم نجاعته في معالجة المسالة الكردية على امتداد أكثر من 20 عاما.
أما ردة فعل الأكراد فكانت أيضا عنيفة جدا وتمثلت في تصريح لأحد قادة «حزب السلام والديموقراطية» الموالي لحزب العمال الكردستاني. وقال رئيس كتلة «السلام» النيابية بينغي يلديز «لو قتلتم 10 و20 و100 إنسان، ولو سجنتم 10 آلاف إنسان، ولو قتلتم ليس نائبا واحدا بل 20 نائبا من حزب السلام والديموقراطية، ولو قتلتم كل رؤساء بلدياتنا فلن تحلوا بالقوة وبالضغوط وبالظلم المسألة الكردية». وأضاف «لا أميركا، ولا إسرائيل، يمكن أن تحل المشكلة. فقط من يديرون تركيا هم يستطيعون حلها. وهل حليتم المشكلة بالقوة من 30 عاما؟ لا»، معتبرا أن الجنازات ستستمر ما دامت المشكلة لم تحل.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد