القاهرة «صامدة» في تعنّتها.. معبر رفح «لن يبقى مفتوحاً»
فور تنفيذ إسرائيل لجريمتها بحق أسطول الحرية عموماً، وسفينة «مرمرة» خصوصاً، واجتياح موجة الغضب الشعبي للشارعين العربي والإسلامي، وحتى الغربي، سارعت مصر إلى إعلان فتح معبر رفح «إلى أجل غير مسمى». الإعلان ترافق فوراً مع دخول عربي، هو الأول من نوعه، على خط حصار غزة، تمثّل في زياة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، تلته مباشرة عودة الحديث عن المصالحة الفلسطينية أو «إنهاء الانقسام»، ومقترحات جديدة لتذليل العقبات.
الأمر لم يطل كثيراً. وما إن خفتت «الفورة» الشعبية وهدأت «الثورة» التركيّة، حتى بدأت الأمور تعود إلى نصابها المصري، بدءاً من المصالحة، مروراً بكسر الحصار، وصولاً إلى المفاوضات.
إشارات التبدّل بدأت مع وزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، الذي سارع إلى نفي حديث «حماس» عن قبول القاهرة بتعديلات على الورقة المصرية لإنهاء الانقسام. حديث قد يقول البعض إنه نابع من «عدم الاختصاص»، على اعتبار أن الملف الفلسطيني بيد الاستخبارات المصرية، لا وزارة الخارجية.
غير أن حديث الاستخبارات لا يختلف كثيراً عمّا قاله أبو الغيط. فخلال اجتماع لمسؤولَين رفيعَي المستوى في الاستخبارات مع وفد فلسطيني، كانت هناك إعادة لكلام أبو الغيط، وحتى إضافة عليه في مواضيع كسر الحصار والمفاوضات.
مسؤولا الاستخبارات لخّصا الموقف المصري من أحداث ما بعد الاعتداء على أسطول الحرية. موقف نابع من اعتبار أن الأحداث التالية للاعتداء لم تكن أكثر من «زوبعة في فنجان» ما لبثت أن هدأت. ففي رأي المسؤولَين، حسبما نقل عنهما الوفد الفلسطيني، لا تغييرات سياسية أساسية بعد الاعتداء، والموقف الدولي «كلام بلا أفعال»، ولا تعديلات في الموقف الأميركي لجهة تبديل الأولويات، «فالموضوع الفلسطيني لم يتقدم في موقعه على الأجندة الأميركية، والأولوية لا تزال لإيران». وزاد المسؤولان على ذلك بالترويج للقبول الدولي بالحجة الإسرائيلية لجهة «تحوّل غزة إلى ميناء إيراني»، وبالتالي القبول باستمرار إغلاق البحر وفتح جزئي للبرّ.
في ضوء هذا «الفهم» المصري للتحولات، يؤكد المسؤولان أن سياسة بلادهما لم تتغيّر من قطاع غزّة، بدءاً من معبر رفح، الذي رغم افتتاحه منذ أكثر من أسبوعين إلا أنه «لن يبقى مفتوحاً دائماً».
إغلاق المعبر يبدو أنه لن يطول، ولا سيما أن مسؤولَي الاستخبارات مهدّا لذلك عبر الإشارة إلى أنه «لم يبق طلاب في غزة ليمرّوا، والحالات الإنسانية التي تعبر محدودة». وزادا على ذلك بالإشارة إلى «إشباع» القطاع بالمساعدات الإنسانية وسيارات الإسعاف، التي قالا إن 600 منها دخلت إلى قطاع غزة منذ انتهاء عدوان الرصاص المصهور، «وجزء منها تحول إلى سيارات لاستخدامات شخصية».
المسؤولان المصريان يحاولان التقليل من أهميّة معبر رفح في الحصار على قطاع غزة، ويلومان «حماس» في التركيز عليه، على اعتبار أن «فكّ الحصار يتطلّب فتح جميع المعابر وغير ذلك». أكثر من ذلك، كان المسؤولان المصريان أكثر صراحة حين إشارا إلى أن القاهرة «لن تتنازل عن دور السلطة و(الرئيس محمود عبّاس) أبو مازن والدور الأوروبي على المعابر وغيرها».
السياسة المصرية، بحسب المسؤولَين، تلوم «حماس» والحصار على القطاع في تحويل الأنظار عن القضية المركزية. فالحركة الإسلامية تركّز على الحصار بطريقة «تحوّل القضية الوطنية الفلسطينية إلى قضية إنسانية، حتى ليكاد العالم ينسى الاستيطان وتهويد القدس والحقوق الفلسطينية».
وبغض النظر عن مبررات الحصار وتحويله، أكد المسؤولان ما أشار إليه الرئيس الفلسطيني في أكثر من مناسبة: «فكّ الحصار الكامل مرتبط بعملية المصالحة».
عملية المصالحة لا تزال العقدة. عقدة لا يبدو أن حلّها سيكون في الأيام أو الأسابيع المقبلة، ولا سيما أن الحديث عن الورقة المصرية لا يزال يحتل الأولوية بالنسبة إلى المسؤولين في القاهرة، فـ«إطار المصالحة قد أنجز بالورقة المصرية» و«بيت المصالحة شُيّد بالورقة المصرية».
الكلام المصري الصادر عن الاستخبارات يأتي ليؤكّد التعنّت الذي أبداه أبو الغيط. فالمسؤولان شدّدا على أنه «لا مجال للبحث من جديد في ورقة المصالحة. نحن لا نستطيع إدخال بعض تعديلات (القيادي في حماس محمود) الزهار على الورقة».
بالنسبة إلى المصريين، فإن المصالحة تمرّ عبر ثلاث مراحل، ترتيبها لا يوحي بإمكان التوصل إلى حل. القاهرة لا تزال تضع التوقيع على الورقة في المقدمة، باعتبارها المدخل إلى إنهاء الانقسام، يليه «الحوار على آليات التنفيذ واستيعاب ملاحظات مختلف الأطراف الفلسطينية، ثم مرحلة المباشرة في التنفيذ».
وكما بدا واضحاً من حديث المسؤولين، وقبلهما التعاطي الرسمي المصري مع الملف، فإن النظام المصري يتعاطى مع إنهاء الانقسام بمنطق احتكاري. ومن هذا المنطق تأتي النظرة إلى زيارة الأمين العام للجامعة العربية، التي رأى المسؤولان أنها «إعلامية ولا نتائج عملية منها». «المبادرات الإعلامية» أشمل بالنسبة إلى القاهرة، إذ إنها تضع الجهود التركية واليمنية، وحتى المبادرات الشخصية، في إشارة إلى مسعى منيب المصري، في إطارها.
وفي النهاية تأتي السياسة المصرية من المفاوضات. سياسة لم تتزحزح قيد أنملة عن الدعم المطلق لأبو مازن في المفاوضات غير المباشرة، على اعتبار أن «المفاوضات هي الشيء الحقيقي الوحيد المثمر في الوضع الفلسطيني، وما بقي لم ينتج منه شيء».
القاهرة تتجاهل تعنّت حكومة بنيامين نتنياهو، وترى أنه باتت هناك «إمكانيات لتوسيعها وضمّ كديما إليها لتجعلها أكثر استجابة للتقدم بالمفاوضات».
وفق هذه التصورات المصرية، فإن سياسة ما بعد جريمة أسطول الحرية لم تحدث تغييرات جوهرية في التعاطي المصري مع الملف الفلسطيني عموماً، وغزة خصوصاً، ما دامت ترى أن «زوبعة» الجريمة مرّت بسلام.
حسام كنفاني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد