إدلب الأولى في جرائم الشرف
في يوليو 2009 صدر مرسوم رئاسي سوري يجرّم مرتكبي الجرائم المتعلقة بالشرف، وذلك بإلغائه مادة في قانون العقوبات كانت تعفي مرتكب جريمة القتل بدافع الشرف من كل عقوبة، وتشير الإحصاءات الأهلية غير الرسمية أن عدد الجرائم التي ترتكب ضد النساء والفتيات السوريات يتراوح بين 200 و300 جريمة باسم «الشرف» سنوياً، بينما تقول الإحصاءات الرسمية إن عدد هذه الجرائم لم يتجاوز 38 جريمة في عام 2007 و29 جريمة في عام 2008.
التوزيع الجغرافي
حول توزع الجرائم على المحافظات السورية، فإن دمشق العاصمة تكاد تخلو من هذه الظاهرة، فكلما ارتفعت السوية الثقافية والحضارية للمناطق، فإن عدد هذه الجرائم يقل فيها نتيجة الوعي. وتأتي محافظة إدلب في المرتبة الأولى من حيث عدد الجرائم المرتكبة بدافع الشرف، تليها محافظة حلب وريفها، وفي محافظة درعا تراجعت نسبة هذه الجرائم بسبب تزايد حضور النساء المتعلمات في المجتمع وتراجع القتل لمجرد الشبهة.
أما في حماه المدينة الأكثر محافظة في سوريا، فقد برزت جرائم القتل المروعة التي ارتكبت تحت ستار (الشرف)، وبلغت 29 جريمة بحسب إحصاءات غير رسمية لعام 2008، ومن المحزن أن التحقيقات الرسمية أكدت «عذرية» عدد كبير من البنات القتيلات، وأن أسباب القتل تعود أحياناً إلى عدم موافقة الأهل على زواج الفتاة من شاب اختارته.
وفي محافظة الحسكة، ورغم أن بعض الرجال يتزوج من أربع نساء ليعملن له في الحقل، فضلاً عن إنجابهن الأولاد، فإنه يلاحظ أن هناك قسوة واضحة في التعامل مع المرأة، وعدم التسامح معها، إذ يجب أن تظل في جو مغلق وفاقدة لأية حرية. وإذا ما فكرت فتاة ما بالزواج من شاب خارج إرادة أسرتها، فإن مصيرها القتل ذبحاً في مهرجان علني يتحول أحياناً إلى ما يشبه «عرس الدم».
وفي محافظة حمص، فإن العديد من الجرائم ترتكب بحق النساء على الشبهة، وسجلت نحو ثماني جرائم عام 2008. أما محافظة القنيطرة فلم تُسجل فيها عام 2009 سوى جريمة قتل واحدة على هذه الخلفية، رغم أن هذه الجريمة كانت مأساوية بقتل شقيق لشقيقته لأنها اختارت لحياتها الزوجية شاباً لم يعجب أسرتها. أما في محافظة دير الزور فيكاد يكون هذا النوع من الجرائم معدوماً، وخلال السنوات الأربع الماضية لم تسجل أية جريمة ضد النساء أو الفتيات بذريعة الشرف. ويشير بعض المطلعين من وجوه المحافظة أن الأهالي يعالجون بعض الحالات القليلة بالحكمة والروية. ويلاحظ أن هناك تراجعاً واضحاً لما يسمى بجرائم الشرف في محافظة السويداء، رغم أنه لا تتوافر إحصاءات عن هذه الجرائم في السنوات الماضية، ولاسيما في مجتمع كتوم كمجتمع محافظة السويداء.
تراجع ولكن!
قبل تعديل قانون العقوبات السوري، كان القاتل تحت ذريعة الشرف ينجو من أي عقاب، ويخرج بريئاً من جريمته، وكأن يديه لم تلوثا بدم. أما الآن فإنه يعاقب على جريمته على ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين. ورغم ترحيب النساء والحقوقيين ومنظمات حقوق الإنسان بهذا التعديل، إلا أن بعضهم يرى أن تشديد العقوبة بحدها الأدنى إلى سنتين «لا تشكل رادعاً قوياً»، وأن المطلوب هو إلغاء هذه المادة كاملة، كما يطالبون بإلغاء مادة أخرى من قانون العقوبات السوري يستفيد منها الجناة في تخفيف الأحكام عنهم، ويتفق الجميع أن المرسوم الرئاسي كان خطوة في الاتجاه الصحيح، لكنهم يطالبون بالمزيد لرفع الظلم عن المرأة، ومساواتها بالرجل. واللافت، وفق أن المحامي عدنان طبنج، أن المادة التي تم تعديلها موضوعة زمن الاستعمار الفرنسي لسوريا، لافتاً إلى أن علماء الدين يؤكدون أنها لا تتفق مع الشريعة الإسلامية وأحكامها، وهي مخالفة لها. ويأمل طبنج في استمرار تطوير قانون العقوبات السوري لتحقيق العدالة والمساواة بين الرجل والمرأة في تحمل المسؤولية والعقوبة على قدم المساواة. ولم يأت التعديل الرئاسي لقانون العقوبات منفصلاً عن الحراك الاجتماعي بهذا الشأن، فقد عقد ملتقى وطني حول جرائم الشرف، كما أطلقت حملة وطنية مناهضة لهذه الجرائم منذ عام 2005. وسبق لمحكمة الجنايات في اللاذقية أن قضت بسجن شقيقين قتلا شقيقتهما لمدة خمسة عشر عاماً مع الأشغال الشاقة، وذلك بعد أن تبين للمحكمة براءة الشقيقة من الشكوك، وكونها عذراء. وبعد أن ثبت للمحكمة أن مسائل تتعلق بالإرث وحصة القتيلة من إرث والدها كان السبب في الجريمة، مما جعل المحكمة تعتبر الواقعة جريمة قتل عمداً بدلاً من جريمة شرف.
عمّار أبو عابد
المصدر: الاتحاد الاماراتية
إضافة تعليق جديد