ورقة عبّاس التفاوضيّة: سقف متدنٍّ خاضع للمساومة
حراك المفاوضات غير المباشرة ينتظر نتائج اتصالات الساعات القليلة المقبلة في ما يخص الانتقال إلى التفاوض المباشر. رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في القاهرة، ومعه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والمبعوث الأميركي للشرق الأوسط جورج ميتشل. حراك نتائجه حاسمة لجهة الانتقال إلى المفاوضات المباشرة أو عدمه، رغم أن أبو مازن حدد شروطه، وهو تلقّى ردوداً من إسرائيل في ما خصّ قضيّتي الأمن والحدود.
كان أبو مازن أكثر تحديداً في مقابلته مع صحيفة «الغد» الأردنية حين أشار إلى أنه يريد من إسرائيل أن توافق «من حيث المبدأ» على فكرة أن يقوم طرف ثالث بدور أمني في أي دولة فلسطينية تقام في المستقبل على الأراضي التي احتلتها إسرائيل في حرب 1967. كذلك فإن على إسرائيل أن توافق «من حيث المبدأ» على «التبادلية للأراضي في القيمة والمثل» لتعويض الفلسطينيين عن أراضي الضفة الغربية المقام عليها مستوطنات يهودية في أي اتفاق سلام.
إلى الآن، بحسب ما تشي التصريحات الفلسطينية، وخصوصاً بعد لقاء الساعات الثلاث الذي جمع عبّاس وميتشل أول من أمس، فإن المبعوث الأميركي لم يقدم أي ردود إسرائيلية على المطالب الفلسطينية، «وليس هناك وضوح في الموقف من عدد من القضايا المتعلقة بالانتقال إلى المفاوضات بشأن الوضع النهائي»، بحسب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير ياسر عبد ربه.
التصريحات والمطالب الفلسطينية الحالية هي الجزء المكشوف من لعبة التفاوض، التي تحوي أيضاً ورقة مستورة موجودة في حوزة الرئيس الأميركي باراك أوباما. الورقة سلّمها أبو مازن إلى أوباما خلال زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة، وفيها يحدّد الرئيس الفلسطيني المعايير التي يقبل بها في ما يخصّ قضايا الوضع النهائي في أي اتفاق سلام مرتقب.
وإذا كان أبو مازن والمسؤولون الفلسطينيون يتحدثون عن عناوين عريضة للأمن والحدود قبل الانتقال إلى المفاوضات المباشرة، فإن الورقة تغوص في تفاصيل ما هو مقبول ومرفوض. ويمكن تقسيم الورقة التفاوضية إلى خمسة عناوين: الحدود، القدس، المياه، الأمن، واللاجئون.
الحدود: لا 67
الورقة الفلسطينية تبدأ في حديثها عن الحدود بالمطالبة بـ«دولة فلسطينية على ذات المساحة التي احتلت في الخامس من حزيران في عام 1967». نصّ يعني أن لا عودة إلى حدود الرابع من حزيران، بحسب ما كانت المطالب العربية السابقة، ويكرّس مبدأ تبادل الأراضي الذي كان يدور الحديث عنه منذ ما قبل كامب ديفيد الثانية.
ورقة أبو مازن تزيد في الحديث عن التبادل، الذي بات يحظى بقبول عربي، لتشير إلى النسبة التي من الممكن القبول بها. ورغم أن المتحدث باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل أبو ردينة كان قد أشار في السابق إلى أن نسبة التبادل لا تتجاوز 2,3 في المئة، إلا أن الورقة تؤكّد أن نسبة التبادل هي 1,6 في المئة.
وبحسب المصادر الفلسطينية المطلعة على الورقة، فإن النسبة التي يتحدث عنها أبو مازن مستندة إلى وثائق رئيس قسم الخرائط في مركز القدس للدراسات، خليل التفكجي، الذي يشير إلى أن هذه النسبة من الضفة الغربية تمثّل الكتل الاستيطانية الكبرى التي تنوي إسرائيل ضمّها بعد الاتفاق النهائي. والحديث هنا يجري عن أربع كتل استيطانية كبرى، كان سبق للسلطات العبرية أن كشفت عن مخطط لضمّها بنحو أحادي الجانب، وهي مستوطنات غوش عتصيون قرب بيت لحم، ومجمع مستوطنات «معاليه أدوميم» في القدس المحتلة، ومجمع مستوطنات «ارئييل» قرب نابلس ومجمع مستوطنات «جفعات زئيف» المقام في ضواحي القدس المحتلة.
أبو مازن لا يشير في ورقته إلى مكان الأراضي التي ستخضع للمبادلة، إلا أن وثائق سابقة تتحدث عن خيارين كان قد جرى التداول فيهما خلال الجولات التفاوضية في عهد رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إيهود أولمرت، الذي كان قد اقترح توسيع قطاع غزّة باتجاه الشرق والشمال ليشمل مساحة من صحراء النقب. أما الاقتراح الثاني فهو الذي تفضله الحكومة الإسرائيلية الحالية، وحتى رئيسة المعارضة تسيبي ليفني، وهو يشير إلى ضمّ القرى العربية الواقعة في غلاف الضفة الغربية، والمحتلة منذ عام 1948.
بالعودة إلى ورقة أبو مازن بالنسبة إلى الحدود، فإن الرئيس الفلسطيني يشترط الحصول على كامل مساحة شاطئ البحر الميت الواقعة في الضفة الغربية، والتي تبلغ 139 كيلومتراً. وبحسب مصادر فلسطينية مقرّبة من منظمة التحرير، فإن رغبة السلطة نابعة من المشاريع السياحية المنوي إقامتها على شاطئ البحر الميت، وخصوصاً بعد تنفيذ قناة البحرين، إضافة إلى مشاريع استخراج الفوسفات، الذي من شأنه دعم الاقتصاد الفلسطيني.
كذلك فإن أبو مازن يشترط أن تكون قرى اللطرون الثلاث، عمواس ويالو وبيت نوبا، ضمن أراضي السلطة الفلسطينية، وهو ما ترفضه السلطات الإسرائيلية بسبب الموقع الاستراتيجي لهذه المنطقة، التي سمّيت تيمناً بدير اللطرون. فالقرى تتحكم في الطرق الرئيسية بين الساحل الفلسطيني ومدينة القدس. وعلى هذا الأساس، كان القرار الإسرائيلي بتحويلها إلى منطقة عسكرية مغلقة بموجب القرار 97، الذي اتخذته قوات الاحتلال في أعقاب عدوان عام 1967.
القدس: مقترحات كلينتون
لعل موضوع القدس هو أخطر ما في ورقة أبو مازن التي وضعها في عهدة أوباما، إذ إن الرئيس الفلسطيني أبدى استعداده للموافقة على ما سبق أن رفضه الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات (أبو عمار) في كامب ديفيد في عام 2000. وبحسب المصادر الفلسطينية، فإن عبّاس أعلن استعداده لحل قضيّة القدس «بناءً على مقترحات الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون».
وبحسب هذه المقترحات، التي تتحدث فقط عن الشق الشرقي من القدس المحتلة الذي تبلغ مساحته 70 كيلومتراً مربعاً، فإن السلطة توافق على إعطاء إسرائيل الحي اليهودي وحائط البراق (المبكى) الملاصق للمسجد الأقصى، إضافة إلى المساحة الممتدة أمام حائط البراق التي يستعملها اليهود في صلواتهم. ومن المعلوم أن هذه المساحة كانت تحوي الحي المغاربي الذي جرفته القوات الإسرائيلية بعد احتلالها للقدس الشرقية في عام 1967.
في المقابل، فإن السلطة الفلسطينية تتمتع بالسيادة على الحوض المقدس، الذي يضم المسجد الأقصى وقبة الصخرة، والقدس القديمة، إضافة إلى أبو ديس والعيزرية، حيث وُسّعت مساحة القدس لتضمهما. وبحسب ما قال كلينتون في ذلك الحين «فإن المناطق العربية ستؤول إلى فلسطين والمناطق اليهودية ستؤول إلى إسرائيل». ولدى تطبيق هذا المبدأ على الأراضي والأحياء في مدينة القدس والتي تقع خارج البلدة القديمة، فإن هذا يعني أن الجانب الفلسطيني سيسيطر على 25 حياً بمساحة إجمالية تمثّل 65 في المئة من مساحة المدينة، في المقابل ستضمّ إسرائيل 15 حيّاً استيطانياً تمثّل 35 في المئة من مساحة المدينة.
وبناءً على هذا المقترح، الذي يشير أيضاً إلى خضوع المقدسات المسيحية للتدويل، فإنه لا عودة إلى القدس الشرقية المحتلة في عام 1967، بل إن التوجه هو لإعادة تقسيمها على أسس جديدة.
الأمن: تدويل
أبو مازن في تصريحاته الأخيرة أشار إلى شرط قبول إسرائيل طرفاً ثالثاً للانتقال إلى المفاوضات المباشرة. الورقة التفاوضيّة الجديدة تدخل في تفصيلات هذا الطرف الثالث، أو القوات الدولية التي ستكون منتشرة بين الدولتين، إذ إن أبو مازن، بعدما سبق أن وافق على دولة منزوعة السلاح خلال مفاوضاته مع إيهود أولمرت، يطرح اليوم مسألة انتشار القوات الدولية على الحدود والمعابر بين دولة فلسطين المستقبلية وإسرائيل. انتشار يشير إلى التنازل عن السيادة المفترضة للدولة الموعودة. كذلك فإن الرئيس الفلسطيني يطرح انتشار القوات الدولية في منطقة الأغوار، التي يدأب نتنياهو على إعلان رفضه الانسحاب منها «لغايات أمنية»، فيما تشير المصادر الفلسطينية إلى أن الغايات اقتصادية، على اعتبار أن المنطقة تعدّ «سلة غذائية» بسبب نسبة الأراضي الزراعية فيها.
الورقة الفلسطينية تحدّد شكل القوات الدولية المفترضة. فبعدما كان الحديث يدور عن قوات أطلسية، أعلن أبو مازن في ورقته رفضه لأن تكون القوات «أطلسية أو عربية أو إسلامية»، مشيراً إلى خيارات أفريقية وآسيوية.
كذلك يرفض عبّاس الحديث عن نشر نقاط إنذار مبكر على مرتفعات الضفة الغربية. ويشير إلى أن الأقمار الصناعية التي أطلقتها إسرائيل ذات قدرة فائقة على رصد أي تحرك في الأراضي الفلسطينية، وفي أي مكان آخر في العالم، من دون الحاجة إلى نقاط إنذار مبكّر.
اللاجئون: لا عودة
أبو مازن يتطرق في ورقته إلى وضع اللاجئين، لكن من دون منطلق حق العودة. يشير بالحرف إلى «الحق السيادي المطلق للدولة الفلسطينية في أن تستقبل من تشاء من لاجئيها من أي جهة أتوا». جملة تعني الحرص على الحق، من دون تطبيقه بالضرورة. كذلك فإن الحديث يجري عن عودة إلى أراضي عام 1967. أما العودة إلى أراضي 1948، فتتحدث الورقة عن «التوافق على عودة أعداد من الفلسطينيين».
عبارة أيضاً خاضعة للمساومة والتأويل، بعدما كان قد اتُّفق في كامب ديفيد على العدد والآليات لعودة 50 ألف لاجئ، شرط أن يكونوا مولودين في أراضي عام 1948، وأن تكون لهم صلة رحم في الأراضي المحتلة، وأن تكون العودة للشخص نفسه من دون ذريته، وتجري على دفعات تمتد إلى عشر سنوات بمعدل 5 آلاف كل عام.
مشروع مثل هذا قد لا يشتمل على 50 ألف فلسطيني، نسبة إلى أن الأحياء من مواليد عام 1948 قد لا يصلون إلى هذه العدد. ومن بقي منهم حيّاً، قد لا يصمد 10 سنوات لتطبيق حقّه.
ورقة مخبّأة
ترى المصادر الفلسطينية أن تسريب مثل هذه الورقة ونشرها بين القيادات الفلسطينية لمناقشتها يشيران إلى احتمال أن تكون هناك ورقة أخرى أسوأ مخبّأة يفاوض عليها عبّاس سراً، باعتباره «ملك المفاوضات السرية». وتشير إلى أن أبو مازن في ورقته هذه قد رسم «سقف حدّه الأقصى، الذي لا شك في أنه سيكون خاضعاً للتنازل والمساومة في المفاوضات».
سخاء مائيّ
ورقة أبو مازن تبدي سخاءً في الموضوع المائي، الذي يُعدّ إحدى أهم قضايا الوضع النهائي. وبحسب المصادر الفلسطينية، فإن عبّاس أبدى استعداده لتقاسم جزء من المياه الجوفية في الضفة الغربية. وبحسب الدراسات المائية، فإن المياه الجوفية في الضفة تقسم إلى ثلاثة أحواض رئيسية: الحوض الغربي، الحوض الشرقي والحوض الشمالي الشرقي.
أبو مازن أبدى في ورقته الاستعداد لتقاسم مياه الحوض الغربي، الذي يعدّ الأكبر بين الأحواض، إذ تقدّر كميات التغذية السنوية له بـِ362 مليون متر مكعب، فيما يكون الحوضان الشرقي والشمال الشرقي، اللذان تقدّر كميات التغذية السنوية لهما بـ172 و145 مليون متر مكعب على التوالي، فلسطينيين. كذلك الأمر بالنسبة إلى المياه السطحية، رغم أنها قليلة في الضفة الغربية. مع العلم بأن الدولة العبرية تحصل على 25 في المئة من احتياجاتها المائية من الضفة الغربية و25 في المئة أخرى من الجولان، والباقي من الأراضي المحتلة عام 1948، إضافة إلى مشاريع تحلية مياه البحر.
حسام كنفاني
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد