سباق على النصب بالتحالف مع الأغبياءوشباب كويتي يبشربانقراض الرجال
تذكرت وأنا أشاهد بعض المحطات الفضائية المختصة ببرامج المسابقات الهاتفية... حالات النصب التي كان يتعرض لها بعض الشبان البسطاء، أو الريفيين السذج القادمين إلى المدن، في الشوارع الكبرى المكتظة بالمارة... من قبل أشخاص كل عدتهم بضع أوراق لعب تخلط بطريقة فائقة الخفة، أو حجري نرد يقرقعان داخل كأس معدنية قبل أن ترمى على الأرض بأسلوب دراماتيكي مثير، مع قدرة فذة على إغراق آذان المارة بسيل من الأكاذيب التي تدعوهم لأن يجربوا حظهم: (قرّب وجرّب يا حبّاب... قرّب وجرّب) وسط حشد من الكومبارس المتفرجين، بعضهم متواطؤ مع صاحب العرض ومشارك في فبركة الخدعة، وبعضهم الآخر يصطاده الفضول ليقف مشككاً حيناً ومصدقاً حيناً آخر... قبل أن يقع فريسة سهلة لأناس اعتادوا أن يصطادوا ما في جيبه، في لعبة الحظ والنهب والسرقة الموصوفة!
هذا المشهد الشوارعي المسكون بخديعة عفا عليها الزمان لكثرة ما مر في الشوارع من مارة بسطاء وسذج جربوا ونُهبوا، تجدد مع عصر الفضائيات، التي لا يختلف بعضها في كثير أو قليل عن لصوص وضح النهار ونواصي الشوارع المكتظة، وهكذا انتقل المشهد ذاته إلى شاشات بعضها بأدوات وأساليب مختلفة تماماً، إنما بنتائج وضحايا متشابهين إلى حد التطابق... لكن المثير هنا، أن مبدأ النصب ليس خفة الحركة أو البراعة في اللعب ورمي حجري النرد أو خلط الأوراق... بل إن النصب هنا يتم عبر إشهار سلاح الغباء، والتحالف مع مجموعة من المتصلين الذين يبدون في غاية الغباء والتعامي عن معرفة الجواب الصحيح إلى درجة تستفزك، وتجعلك تهرع للاتصال وأنت تعتقد أنك متأكد من لمس المبلغ المالي الضخم الذي رصد كجائزة لمن يعرف الجواب، لأنك تعرف الجواب... الذي يمكن أن يعرفه أي مغفل، أو (منغولي) يملك الحد الأدنى من مقومات الإدراك العقلي!
وهذا بالضبط ما حدث مع أحد الأصدقاء (وهو بالمناسبة كاتب مسلسلات غزير الإنتاج) حين كان يتابع في لحظة ضجر من الكتابة، إحدى المسابقات على قناة للنصب على الهواء مباشرة... كان السؤال: مهنة إذا حذفت الحرف الثاني منها، تحصل على (عكس الجنة) صاحبها يستخدم أدوات عديدة أبرزها المنشار... والمادة الأولية التي يعمل بها هي الخشب!
سؤال سهل وبسيط سرعان ما تهتدي لإجابته بدون عناء، فلا توجد كلمة معاكسة لكلمة جنة سوى (نار) التي حذف حرفها الثاني فكانت المهنة: نجار... لكن المتصلين المتفق معهم مسبقاً، يتغابون إلى درجة يخجل منها الغباء.. أحدهم يقول أستاذ... وثاني يقول سائق... وثالث يقول حداد... والمذيعة تتصنع الدهشة من عدم معرفة الجواب السهل، وتعلن بعد كل اتصال عن رفع قيمة الجائزة لتصبح عشرين ألف دولار... وما عليك سوى الاتصال وترك رقم هاتفك لتقوم المحطة بالاتصال بك!
اتصل صديقي كاتب المسلسلات أربع أو خمس مرات بالرقم الظاهر على الشاشة... وفي كل مرة كان يفتح الخط، ويخصم من رصيد هاتفه الجوال ثمن مكالمتين هاتفتين دوليتين أو ثلاثة... ثم يغلق من دون أن يتصل به أحد. وأعتقد أنه فهم بعد الاتصال الرابع أو الخامس، بحسه الدرامي اليقظ... أنه كان ضحية لعبة غباء تمارس بشكل متعمد، كي تستفز الأذكياء أمثاله، فيتصلوا ويهتفوا بالجواب الصحيح، كي يحصدوا آلاف الدولارات... فيما هم في الحقيقة يهدون المحطة آلاف الدولارات من رصيد اتصالاتهم، كي تستمر في ممارسة دورها الإعلامي في نهب جيوب المشاهدين... والضحك على عقولهم!
هذه اللعبة تكررت طبعاً في تلك القناة وأخواتها... فتارة يطلب إليك عزيزي المشاهد معرفة الفروق بين نسختين من صورة لفنانة شهيرة... وقد غير طلاء الأصابع على إصبعين من أصابعها بطريقة يمكن أن يكتشفها أعمى البصر والبصيرة معاً... وأخرى تعرض صورة لفنان، وقد غير نقش القبعة التي يرتديها فوق رأسه... وتنهال اتصالات المتظاهرين بالغباء لتعطي إجابات لا حصر لها في تعمّد الخطأ... وما عليك سوى أن تتحمس لتكون في النهاية أنت الغبي الحقيقي لا هؤلاء!
لا أدري أخيراً أين ميثاق الشرف الإعلامي الذي لوحت به بعض الجهات الإعلامية لتقييد ومحاصرة البث الفضائي، من هذه الممارسات المكشوفة... التي تخل بالشرف الإنساني قبل الإعلامي، باعتبارها حالة نصب وسرقة واحتيال... يجب أن يخجل من يتعامون عن رؤيتها، ويتكاسلون عن وضع حد لها!
أغلب الظن أن الكثير من الأنظمة العربية تعتبر ما تفعله هذه المحطات نوعا من الكسب المشروع... لأنها تساهم في تخريب الذكاء الفطري للمشاهد العربي، وتدفعه إلى استمراء طعم الغباء والانغماس في ألاعيبه... وهذه مهمة يجب أن تشجع، لأن ناتجها هو مواطن: مستعد لقبول كافة أشكال الاستغباء السياسي الذي يمارس عليه ليل نهار، وفوق ذلك هو مفلس ومنتوف... له فم يأكل وليس له فم يحكي أو يحتج!
هل هي صورة تلفزيونية فقط؟!
يقدم مذيعو البرامج الشبابية في قناة (الرأي) الكويتية، نموذجاً معبراً لحال الشباب الكويتي الغارق في كثير من فئاته، في مستنقع الميوعة والاستهتار والتصنّع، وافتعال المظهر العصري الهجين في طريقة اللبس وتسريحة الشعر، وتلوين العيون، وتقصير البنطال، وصقل الرجولة وتلطيف خشونتها... فتارة نرى مذيعاً يظهر بالشورت، وأخرى نرى مذيعاً يرتدي عدسات ملونة في عينيه، ويصبغ شعره أشقر وكأنه يحاول أن يتنصل من سمات مظهره الخليجي... وطوراً نرى مذيعاً يتباهى بمظهره المقلوب رأساً على عقب في استوديو كل ما فيه يشبه ضيوفه وساكنيه... وحدث ولا حرج عن الخطاب الذين ينطقون به، والرسائل التافهة التي يحاولون إيصالها عن الشباب الذي يفترض أن يمثلوه أو يتواصلوا مع مشكلاته!
تلك صورة تلفزيونية نجحت قناة (الرأي) في تصديرها عن الشباب الكويتي، بخلاف الصورة المتوازنة والرصينة التي قدمتها بعض المحطات المصرية
كـ (دريم) و(المحور) و(الحياة) عن الشباب المصري، ومن ضمنه نماذج المذيعين الذين يقدمون البرامج الشبابية... ونحن نأمل حقاً ان تكون هذه الصورة الكويتية هي (تلفزيونية) فقط، لأنه إن لم تكن كذلك... فتلك كارثة حقاً... فإذا كانت هذه هي الحال التي سيكون عليها رجال المستقبل هؤلاء، فمما لا شك فيه أن الجيل الحالي من شباب الكويت، سيكون في القريب العاجل عنواناً من عناوين انقراض الرجال!
مسلسل 'عايزة أتجوز'.. وماذا عن الشبيه السوري؟!
الإعلان الترويجي الذي تبثه قناة (إم. بي. سي) للمسلسل المصري الرمضاني (عايزة أتجوز) الذي تمثل فيه هند صبري دور فتاة تخشى أن يفوتها قطار الزواج، وكل يوم يطرق بابها عريس... ورغم ما قيل بأن المسلسل مأخوذ من مدونة لفتاة مصرية على شبكة الإنترنت بالعنوان نفسه: (عايزة أتجوز) إلا ان فكرة المسلسل تتشابه إلى حد التطابق، مع مسلسل سوري كان قد كتبه وأنتجه المنتج السوري الراحل داوود شيخاني عام 2002 بعنوان: (عرسان آخر زمن) ولعبت فيه دور البطولة الفنانة فرح بسيسو، وأخرجه أيمن شيخاني!
الفكرة تكاد تكون واحدة... وليس مستبعداً أن يأتي هذا التشابه من السرقة المباشرة، أو شبه المباشرة، على اعتبار أن العمل عرض منذ فترة إنتاجه في عدد من المحطات الفضائية العربية تباعاً، وعلى اعتبار أن سوق التلفزيون الذي يحب (الخفية والشطارة) يحتمل مثل هذا التوارد في الأفكار الذي يخلق من الشبه أربعين!
وتبقى هذه إشارة أولى لملامح التشابه مع المسلسل السوري، ربما نتابع ما يمكن أن تسفر عنه من عناصر تشابه أخرى بعد متابعة كيف ستترجم هند صبري رغبتها في الزواج في هذا المسلسل... وعلى يد من؟!
محمد منصور
المصدر: القدس العربي
إضافة تعليق جديد