مبالغات في البذخ والماكياج والحزن: من اين يأتي كتاب دراما الخليج بها؟

25-08-2010

مبالغات في البذخ والماكياج والحزن: من اين يأتي كتاب دراما الخليج بها؟

بقدر ما أنعم الله على أهل الخليج العربي بالرفاهية وبحبوحة العيش، بقدر ما تأتي بعض مسلسلاتهم تنضح بالحزن والكآبة والشر والحقد.
لا أدري من أين تأتي هذه الأفكار أو ماذا يخطر ببال الكتاب الذين يفبركون السيناريوهات، فأنا أعيش في الخليج منذ أعوام طويلة، لم أر خلالها من أهل الإمارات إلا الكرم والطيبة واللطف والذوق والاحترام، حتى أحاسيسهم ومشاعرهم مليئة بالحب والعاطفة، وبالطبع مثل أي شعب آخر في العالم لا بد من وجود بعض المهزوزين أو أصحاب الأخلاق السيئة، لكنهم ليسوا قاعدة أو تعميماً، وبحكم عملي في الإعلام التقيت بكثير من أهل الخليج من خارج الإمارات تحدثوا كثيراً عن عائلاتهم وأهلهم ولم أسمع بتلك الشرور التي أراها في مسلسلاتهم، ليلة عيد، شر النفوس، هوامير الصحراء وغير ذلك. أعود وأكرر بأنه لا بد من وجود أشرار أو أشخاص بلا ضمائر، لكن نشر الصورة وكأنها وضع عام هو الأمر الخاطئ.
من ناحية أخرى يبالغ مهندسو الديكور في هذه المسلسلات في البذخ واختيار الأثاث والتحف المذهبة غالية الثمن حتى لو كان ذلك على حساب الذوق العام والرقي. هذه المبالغة تتحول أحيانا إلى منظر مؤذ للعين. أعلم أن الراحة المادية التي يعيش فيها كثير من أهل الخليج تساعدهم في اقتناء ما يحلو لهم من تحف وسجاد ومفروشات فخمة، ولكن ما تراه العين داخل صالة في قصر أو فيلا يختلف عما تراه في كادر تصوير محدود على شاشة مهما كبرت لا تستوعب كل هذه التفاصيل. أما عن المبالغة الشديدة في ماكياج الممثلات ولباسهن فحدث ولا حرج!
وإذا أردنا أن نستعرض الدراما السعودية التي اتجهت إلى انتقاد مظاهر اجتماعية خاطئة وغير مقبولة في إطار كوميدي نجد أنها في أغلب الأحيان مشاكل محصورة في البيئة السعودية، فهي موجهة إلى أهل البلد بالدرجة الأولى، وبالطبع يختلف وضع الدراما السعودية طالما أنها لا تستقطب وجوهاً نسائية بسبب تقاليد البلاد.

أفكار قابلة للتسويق!

على خلاف ما يعتقد البعض من القراء بأني أتابع جميع المسلسلات، فانا أرى مشاهد مقتطعة على فترات مختلفة من عدة أعمال درامية، وهناك حوارات تكررت في عدة مسلسلات سورية عصرية تتحدث عن صعوبة الحياة وتكاليف المعيشة العالية التي لا طاقة لإنسان بتأمينها، وبالتالي فإن السرقة والرشوة وبيع الجسد وبيع الأخلاق والضمير وبيع الإخوة والأصدقاء هي الطريق الوحيدة التي يستطيع من خلالها المرء جلب قوت يومه. الحقيقة أن هذه الأحاديث كادت تقنعني! فما كان مني إلا أن تساءلت هل هو انتقاد لمظاهر اجتماعية سائدة وفاسدة تندرج في إطار الأخلاق السيئة (عكس الأخلاق الفاضلة) أم هو تسويق لهذه الفلسفة؟ هذه المرة سأسمح لنفسي أن أقرر من دون إجراء إحصائية أو دراسة اجتماعية ميدانية وأقول أنا متأكدة أن بعض ضعاف النفوس ممن يشاهدون هذه الحوارات يتأثرون بها سلباً ويتخذون هذه الطريق أسلوب حياة طالما أنها تحولت إلى عرف سائد! حتى مسلسلات الحارة الشامية القديمة باتت تنضح بشخصيات مرتشية وكأنه خط عام متوارث في المجتمع السوري عبر السنين.

فتيات الحارة آخر موضة

أمر لافت للنظر أن الممثلات الشابات في مسلسلات الحارة الشامية يظهرن في أبهى حلة جمالية، الشعر تم تشذيبه على أحدث الموديلات الرائجة، وألوانه صبغت بأحدث ما توصل إليه علم تصفيف الشعر، والمساحيق التي تغطي الوجوه والعيون تحكي عن آخر ما ابتكرته بيوت الماكياج العالمية، حتى الرموش الاصطناعية لم تختف من أعين الممثلات في هذه المسلسلات، ألهذه الدرجة تعتبر الفنانات الشابات وجوههن غير مقبولة من دون هذه الألوان؟ أعتقد أن عليهن وعلى المخرجين والمخرجات العودة إلى الأفلام السينمائية الأجنبية التي صورت حقبات قديمة من الزمن لمشاهدة وجوه الممثلات وقد تناسبت مع الزمن الذي يحكي عنه الفيلم، ألم تحصل النجمة كيت وينسلت على أوسكار أفضل ممثلة بأدائها في فيلم القارئ The Reader لأنها لم تهتم بإبراز جمالها؟ وكذلك فعلت تشارليز ثيرون في فيلمThe Monster ، كم يلزمنا من الوقت كي نقترب منهم؟

محطات

- أكرر تقديري للمخرج والكاتب باسل الخطيب لتحفته الفنية 'أنا القدس' ولو أني لم أفهم لماذا أصر على تصوير الفلسطينيين دائما في موقع المذبوح من دون دفاع عن النفس. لا أدعي أنني باحثة تاريخية ولكن في العرف البشري الطبيعي هل من المعقول أن اليهود كانوا قبل عام 1930 يسرحون ويمرحون على هواهم من دون أن يتعرض أحدهم للقتل على يد أحد الفلسطينيين؟ حقيقة تاريخية أن عز الدين القسام أحد قادة الثورة كان من سورية، ولكن لا بد من وجود أحداث فردية دافع فيها فلسطينيون عن أنفسهم وممتلكاتهم تجاه اليهود الذين لم يكونوا قد نُظموا بشكل كامل في العصابات المسلحة.
- إحدى المحطات الفضائية تقدم بين مسلسل وآخر فقرة انتقالية فيها صورة مصحف تتقلب صفحاته، أعتقد أن الفكرة تقوم على التذكير بأننا اقصد الفضائيات لن نسمح لكم أيها المشاهدون بإيجاد أي وقت كي تقرأوا القرآن! ومحطة أخرى تصر على الكتابة بين المسلسل والآخر جملة من الفطور إلى السحور، وهذه أيضاً ربما مصممة على أن لا تترك للمشاهد وقتاً للصلاة أو مسامرة الأهل أو ممارسة أي هواية أخرى.
- ما الذي يجعل فراس ابراهيم يتشنج كثيرا عندما يؤدي دوراً؟ تساءلت عن هذا الأمر عندما رأيته في مسلسل اسمهان والآن أراه يمثل بنفس الطريقة في مسلسل أسعد الوراق، أذكر أنه كان يمثل بانسيابية أكثر قبل الشهرة التي حققها مسلسل أسمهان.
- أود أن أشير إلى روعة أداء الفنان بسام كوسا في مسلسل 'وراء الشمس' وأقول إنه لو كان في مكان آخر لأصبح ممن يتقاضون عشرين مليون دولار على الدور الواحد. ولو أنني لم أستطع أن أعرف تحديداً إذا كان يؤدي دور المصاب بالتوحد أم بالتصلب المتعدد لأنه خلط بين الاثنين، لكنه عموماً أدى الدور بإتقان قل نظيره.
- أود كذلك أن أشير إلى بعض الإعلانات المصرية التي تميزها خفة ظل تنتزع الابتسامة من الوجوه بشكل تلقائي وعفوي، إنها الرغبة في التطور التي يجب أن تتوفر عند جميع العاملين في الحقل الفني، وإلا لماذا ارتبط اسم الفن بالإبداع؟ أليس لأنه لا يتوقف عن ابتكار أساليب وطرق جديدة في تقديم الأفكار؟

ميساء آقبيق

المصدر: القدس العربي

التعليقات

You are absoulitly right ,specially in the first pargragh.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...