خدمات هتلر لإسرائيل مازالت مستمرة
الجمل- ميساء آق بيق: قد يكون "كوينتين تارانتينو" واحدا من ألمع المخرجين السينمائيين في عصره.. وقد يكون فيلمه المتخيل "إنغلوريوس باستاردز" تحفة فنية رائعة أتوقع أن تحظى بترشيح أو أكثر لجائزة الأوسكار المقبلة، لكن السيناريو تجاوز الحدود.
تتعرض قصة الفيلم إلى محاولات من عدة أطراف لقتل هتلر وأعوانه لإنهاء الحرب العالمية الثانية، لا أهمية هنا للتفاصيل، غير أن جل ما كان يهم القائمين على إنجاز الفيلم هو إبراز المتعاونين والعاملين على تنفيذ خطة قتل هتلر فإذا بالمشاهد يرى قصص بطولات وتضحيات خارقة انحصرت فقط باليهود..
وأنا هنا لست في معرض أي تحامل أو كره لأبناء هذه الطائفة، لأن هذا بالفعل من دون تحريف ما كان الفيلم يقدمه..
جميع الضباط النازيين كان هدفهم البحث عن اليهود وقتلهم، وجميع من كانوا يقتلون الجنود والضباط النازيين هم من اليهود، هكذا جاءت القصة، وهكذا من دون أي حرج يتم تجاهل التضحيات والحروب التي سفكت فيها الدماء في بلاد عدة حتى تجاوز عدد قتلى تلك الحرب البشعة خمسين مليونا، والتغاضي عن العمل الدبلوماسي والتخطيط العسكري ومظالم من رفضوا الاستعمار في ظل حكومة فيشي الفرنسية وغير ذلك من الويلات والمعارك الطاحنة ليكشف لنا الفيلم أن من ضحوا بأنفسهم لإنهاء حياة هتلر هم من اليهود، وبالمناسبة كان ذلك من خلال عملية انتحارية في حال وجود من يشكك في جدوى هذه العمليات التي تكون في بعض الأحيان وليس في كل الأوقات بطولة.
كان علينا ونحن نشاهد الفيلم أن نتقبل الوحشية المفرطة في القتل وتهشيم الرؤوس ونزع فرواتها وتشويه الوجوه بل ونلتمس الأعذار ونقدّر ونتفهم فقط لأن الظلم كما هو مفترض وقع على الطائفة اليهودية.
ولنفترض أن جميع الشعوب التي عانت الاضطهاد والقمع والإذلال وذاقت ويلات الحروب والاستعمار والبطش تحولت بسبب ذلك إلى متوحشة في طرق القتل والانتقام، فأي عالم ذلك الذي يمكن أن نتخيله؟ ولماذا طالما أننا في الفيلم يفترض أن نعذر اليهود في طرق قتلهم وتشويههم للألمان من دون تفريق حتى تجاه ذلك الضابط الذي اقتنع بعدم جدوى الحرب وتعاون معهم لتطبيق خطتهم، لماذا والحال كذلك لا نلتمس الأعذار ذاتها في ما يفعله الفلسطينيون الذين يعانون منذ عشرات السنين، والعراقيون الذين اكتووا بنار الحصار والحرب والأفغانيون الذين يعيشون في حال بائسة؟
لست في معرض التشكيك أو إنكار المحرقة أو المعتقلات وخلاف ذلك، ولكني أعتقد أنه إذا كان جل ما يقال ويتم تناقله عن الممارسات التي حدثت في عهد النازيين صحيح _والتاريخ يكتبه المنتصر_ إذن ينبغي على الحكومات الإسرائيلية ومن يدعمها أن يبنوا تمثالا لهتلر، فقد قدم لهم خدمات لا نظير لها تمكنوا من خلالها في وقت قياسي من إغراق العالم بأسره في الشعور بالذنب ليسارع في تعويضهم عن المعاناة والمآسي التي عاشوها ولتتداعى جميع الحكومات الغربية في منحهم العطاءات والسلاح، وتواجه ممارساتهم بالصمت مقابل ما فعله هتلر بهم، وبات أي شخص تخول له نفسه بأن يرفع صوته اعتراضا على أفعالهم في الأرض المحتلة من قتل النساء والأطفال وتهديم المنازل والمدارس محكوم عليه بالنهاية، تكاد تهمة معاداة السامية تقفز من بين ثنايا أي تعبير يمكن أن يحمل رائحة لوم أو انتقاد، وأحمد الله أننا نحن العرب ساميون وإلا فالله وحده أعلم بكمّ التهم التي كانت ستطالنا.
وأتصور أن فرجة التفريق بين اتهام الإسرائيليين واليهود تكاد تضيق بعدما طالب نتنياهو بالاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي فقط، أي أن دولة إسرائيل ستكون صورة عن يهود العالم فور تسميتها رسميا وفق ما يطلب نتنياهو، وسيصبح أي اتهام مهما كان نوعه لإسرائيل هو اتهام لليهود واليهودية.
بالعودة للفيلم وبمناسبة وجود غوبلز فيه بكل تأثيره في الدعاية والتخطيط الإعلامي لمصلحة ألمانيا أعود لأقول لو أن شخصا مثل هتلر قدم لي سلاحا _حتى لو كان عبر تعذيبي قليلا_ مكنني من خلاله في التحكم بالعالم وأمواله وسياسييه وعسكرييه وإعلامييه وربما حقوقييه لكنت كافأته وأجزلت له العطاء بغير حدود ولا حساب ومجدت ذكراه.
ميساء آقبيق: رحلتي إلى بلاد العم سام (5)
ميساء آقبيق: رحلتي إلى بلاد العم سام (4)
ميساء آقبيق: رحلتي إلى بلاد العم سام (3)
إضافة تعليق جديد