القذافي يدفع ليبيا إلى الهاوية و«الأطلسي» يمهّد للحظر الجوي بطائرات أواكس
بدا الرئيس الليبي معمر القذافي مستعداً للتضحية بليبيا من أجل الحفاظ على عرشه، عبر جر البلاد إلى حرب أهلية تستتبع تدخلاً أجنبياً بدأت تتضح معالمه، حيث واصلت قواته، أمس، شن الهجمات البرية والجوية على الثوار لوقف التقدم السريع الذي حققوه على الجبهة الشرقية خلال اليومين الماضيين، وخنق المواطنين الذين ثاروا على نظامه في مدن الغرب، في وقت تسابقت دول العالم، بدءاً بالولايات المتحدة مروراً ببريطانيا وفرنسا، وصولاً إلى دول مجلس التعاون الخليجي، الى طرح فكرة فرض منطقة حظر جوي فوق ليبيا، كجزء من خيار عسكري كان أول مؤشراته إعلان حلف شمال الأطلسي أن طائرات استطلاع من طراز «أواكس» تراقب الوضع في ليبيا على مدار الساعة.
وشنت القوات الموالية للقذافي، أمس، هجوماً مضاداً على الجبهة الشرقية، في محاولة لاستعادة السيطرة على رأس لانوف. وتزامن هذا الهجوم مع غارات شنتها القوات الحكومية على نقاط تفتيش أقامها الثوار حول المرفأ النفطي في المدينة، فيما سجلت حركة نزوح لافتة للسكان باتجاه الشرق، تحسباً لمعارك ضارية قد تشهدها المنطقة خلال الساعات المقبلة.
وذكر شهود عيان في رأس لانوف أن الثوار ما زالوا يسيطرون على المدينة، لكنهم اتخذوا خطوات ميدانية احترازية، من بينها الانسحاب من النقاط المكشوفة للطيران، وإخفاء الأسلحة في الصحراء.
وبدت الهجمات المضادة محاولة من قبل القوات الحكومية لوقف التقدم السريع للثوار على محور رأس لانوف ـ بن جواد، ومنعهم من تحقيق انتصار ميداني ومعنوي كبير في حال نجحوا في الوصول إلى مدينة سرت مسقط رأس القذافي. وبرغم ذلك، شدد الثوار على أنهم ماضون في التقدم غرباً بمجرّد وصول التعزيزات العسكرية من الشرق، موضحين أن انسحابهم من بن جواد وإخلاءهم مناطق أخرى في رأس لانوف كانا بهدف تجنب تعرضهم للقصف الجوي.
ويؤكد الثوار أنهم قادرون على إلحاق الهزيمة بالقوات البرية لكنهم يفتقدون الغطاء الجوي الذي تملكه قوات القذافي. وفي هذا الإطار، قال المقاتل علي سليمان «نحن لا نحتاج إلى تدخل عسكري لكننا نريد حظراً للطيران»، مشيراً إلى أنه بإمكان الثوار «مواجهة الصواريخ والدبابات لكن من الصعب عليهم التصدي لسلاح الجو التابع للقذافي».
أما على الجبهة الغربية، فأشار شهود عيان إلى أن المواجهات في مدينتي الزاوية (40 كيلومتراً إلى الغرب من طرابلس) ومصراتة (200 كيلومتر إلى الشرق من طرابلس) بدت، أمس، أقل ضراوة مقارنة باليومين الماضيين، عندما حاولت القوات الموالية للقذافي استعادتهما من الثوار.
وذكرت مصادر في مصراتة أن المدينة تعرضت لقصف مدفعي عشوائي طوال ليل أمس الأول، لكنها لفتت إلى أن القوات الحكومية أخفقت في الدخول إلى المدينة، التي ما زالت محاصرة من الجهات الأربع.
وشنت قوات القذافي هجوماً مماثلاً على الزاوية، لكن مصادر في المعارضة أكدت أن الثوار ما زالوا يسيطرون على المدينة بالكامل، وأنهم يسعون لاستدراج الدبابات إلى بعض أحيائها ومن ثم التصدي لها، بهدف استنزاف القوات المهاجمة. وقالت مصادر في الزاوية ان الثوار تمكنوا من اعتقال عدد من الموالين للقذافي وقد اعترفوا بأن «التعليمات الموجهة لهم كانت تقضي باستعادة الزاوية قبل يوم الأربعاء (غداً)».
وفي محاولة لتخفيف الضغط على الزاوية ومصراتة، ذكرت مصادر في المعارضة أن قبائل الزنتان شنت هجوماً على كتيبة موالية للقذافي كانت متمركزة بين الزنتان والزاوية، فيما شن ثوار في الجبل الغربي هجوماً على معسكر للجيش في منطقة بئر عيط.
وكان لافتاً، أمس، إعلان مصادر في المعارضة، نقلاً عن شهود عيان وأطباء في مستشفى أبو سليم في طرابلس، إصابة عشرات الجرحى في معارك اندلعت في منطقة باب العزيزية، معقل القذافي في العاصمة، مرجحة أن يكون ذلك تمرداً عسكرياً.
- وفي خطوة تعكس المأزق الذي يواجهه القذافي، ناشد رئيس الوزراء الليبي الأسبق جاد الله عزوز الطلحي، وهو عضو بارز في النظام، المعارضين بدء حوار من أجل التوصل إلى حل سلمي للصراع. وظهر الطلحي على التلفزيون الحكومي وهو يقرأ كلمة موجهة لشيوخ القبائل في بنغازي، طالباً منهم «منح فرصة للحوار الوطني وحل الأزمة والمساعدة في وقف إراقة الدماء وعدم منح الأجانب فرصة لاحتلال البلاد ثانية»، من دون أن يشير إلى أي تنازلات قد يكون القذافي مستعداً لتقديمها.
لكن المجلس الوطني الانتقالي، الذي شكله الثوار في بنغازي، رفض هذه الدعوة، مشدداً على أنه ليس هناك مجال لحوار موسع مع النظام قبل تنحي القذافي. وقال المسؤول في المجلس الوطني أحمد جبريل إنه على معرفة وثيقة بالطلحي، وإنه شخصية محترمة في ليبيا، لكنه أوضح أن المحتجين يرون أن أي مفاوضات يجب أن تكون على أساس تنحي القذافي، مشيرا إلى أنه ليست هناك أي تسوية أخرى.
إلى ذلك، وجه القذافي، في مقابلة مع محطة «فرانس 24»، تحذيراً غير مباشر للدول الأوروبية التي تعتزم تشديد العقوبات على نظامه. وقال القذافي إن ليبيا «تلعب دورا أساسيا للسلام العالمي والإقليمي»، وإنها «شريك مهم في قتال (تنظيم) القاعدة». وأضاف ان هناك «الملايين من السود الذين قد يزحفون عبر البحر المتوسط إلى أوروبا وإيطاليا وفرنسا. واستقرار ليبيا يجعل هناك استقراراً في البحر المتوسط».
ونفى القذافي أن تكون قوات الأمن الليبية أطلقت النار على الأبرياء، مجدداً القول ان أعمال العنف هي من تدبير تنظيم «القاعدة». وأشار إلى أن «الاتحاد الافريقي سيبعث لجنة لتقصي الحقائق ليؤكد للعالم أن ما ينشر عن ليبيا في الخارج كذب مئة في المئة، وأن الصورة في الداخل ليست كما في الخارج». وتابع «نتحدى العالم أن يأتوا ويروا كم عدد القتلى وأين سقطوا... أمام بوابة الثكنة العسكرية وأمام مركز الشرطة».
من جهته، قال الساعدي القذافي، ابن الرئيس الليبي، في مقابلة مع قناة «العربية» إن «ما يجري في ليبيا فتنة»، مشيراً إلى أن «القبائل المسلّحة تنتظر إشارة من العقيد القذافي» للدفاع عنه. وأشار الساعدي إلى أن والده يعتبر أن «تنحّيه عن السلطة سيؤدي إلى حرب أهلية»، محذراً من أن «غياب والدي عن الصورة سيجعل ليبيا كالصومال».
وفي مؤشر إلى عودة الصراع داخل الأسرة الحاكمة في طرابلس، حمّل الساعدي شقيقه سيف الإسلام المسؤولية لإخفاقه في التعامل مع مشاكل الليبيين، قائلاً إن «القائد (معمر القذافي) يقول لهم (جماعة سيف الإسلام) يوميا: أنتم تسيرون الأمور، والميزانية والقبائل والمدن، لكن هناك أشياء لم يتتبعوها، مثل عدم حل القضايا كارتفاع أسعار السلع الأساسية التي تهم الليبيين».
بدوره، اتهم وزير الخارجية الليبي موسى كوسا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا بـ«التآمر» لتقسيم ليبيا. وقال في مؤتمر صحافي عقده في طرابلس، إن قيام فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة بإجراء اتصالات مع المعارضين في شرق ليبيا «يعني أن هناك مؤامرة لتقسيم ليبيا».
- في هذا الوقت، قال الرئيس الأميركي باراك أوباما ان الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يبحثان خيارات عسكرية في ما يخص الوضع في ليبيا. وقال أوباما، عقب محادثات مع رئيسة الوزراء الأسترالية جوليا جيلارد في واشنطن، «في هذه الأثناء فإن حلف الأطلسي يجري حاليا مشاورات في بروكسل حول مجموعة واسعة من الخيارات المحتملة، من بينها الخيارات العسكرية الممكنة للرد على العنف غير المقبول في ليبيا». وأشار اوباما إلى أنّ معاوني القذافي يجب أن يحاسبوا على أي أعمال عنف قد يتورطون فيها في إطار قمعهم للانتفاضة ضد القذافي، معلناً عن مساعدات أميركية إضافية بمبلغ 15 مليون دولار للجهود الإنسانية على خلفية الأزمة في ليبيا.
من جهته، قال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني إن فكرة تسليح المعارضة الليبية هي من الخيارات المطروحة، مؤكدا في الوقت ذاته أن هذا الأمر يبقى «سابقا لأوانه»، في وقت شدد فيه وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس على أن أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا ينبغي أن يحظى بتأييد دولي.
- وفي بروكسل، قال الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أندرس فون راسموسن إنه لا يعتقد أن المجتمع الدولي سيبقى مكتوف اليدين في حال واصل القذافي هجماته على معارضيه. وأكد راسموسن ان الحلف لا يعتزم التدخل في ليبيا، وانه لن يفعل ذلك إلا بناء على طلب من مجلس الأمن الدولي.
وأشار راسموسن، خلال مؤتمر صحافي، إلى أن الوضع في ليبيا «يتصاعد ولا يمكن أن أتصور أن المجتمع الدولي سيقف مكتوف اليدين إذا واصل القذافي مع نظامه مهاجمة شعبه»، معتبراً أن «هجمات النظام الليبي ضد المدنيين يمكن أن ترقى إلى جرائم ضد الانسانية، وهو ما أثار دعوات من أنحاء العالم للتدخل. ويمكن لمثل هذا التدخل أن يكون له أثر عكسي مع الأخذ في الاعتبار ما في المنطقة من حساسيات».
وأضاف «هذا هو المأزق على وجه التحديد وهو السبب في أنه من المهم للغاية أن نبقى على اتصال مع المنظمات الإقليمية مثل الجامعة العربية والاتحاد الأفريقي... وهو السبب أيضا في أن تجري أي عملية لحلف شمال الأطلسي طبقا لقرار من مجلس الأمن».
من جهته، قال المندوب الأميركي لدى الحلف ايفو دالدر إن الناتو «اتخذ القرار بزيادة فعلية لقدرة الحلف في المراقبة بطائرات اواكس» لمراقبة الأجواء الليبية، و«جعلها على مدار 24 ساعة يوميا»، موضحاً أنه بذلك «ستكون لدينا صورة أفضل لما يحدث فعلا في هذا الجزء من العالم».
وكان وزير الخارجي البريطاني وليم هيغ قال إن بريطانيا تعمل على طرح مشروع قرار في الأمم المتحدة بشأن فرض حظر جوي على ليبيا. وأوضح هيغ في كلمة ألقاها في مجلس العموم البريطاني، «نحن نعمل في مجلس الأمن الدولي بشكل وثيق مع شركائنا... على وضع عناصر قرار لفرض حظر طيران على ليبيا، مع تأكيدنا ضرورة وجود تأييد إقليمي ودافع واضح لمثل هذا القرار وأسس قانونية مناسبة».
واشار إلى أن الثوار الليبيين «طلبوا صراحة فرض حظر طيران»، لكنه لفت إلى أن فرض الحظر الجوي «يجب أن يرتبط بعدة شروط»، موضحاً «يتعين وجود ضرورة واضحة يمكن للعالم اجمع ان يراها. ويتعين وجود اسس قانونية واضحة لفرض مثل هذا الحظر، كما يجب توفر تأييد واضح من منطقة الشرق الاوسط ومن منطقة شمال افريقيا وكذلك من الشعب الليبي نفسه».
واعلنت وزارة الخارجية الفرنسية، غداة اجتماع عقده وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه مع الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى، أن الجامعة تدعم إقامة منطقة حظر جوي في ليبيا. وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية برنار فاليرو ان موسى «اكد دعم الجامعة العربية لمنطقة حظر جوي»، مشيراً الى أن باريس «تجري تقييما لكافة الخيارات لتكون قادرة على مواجهة تطور الوضع ميدانيا».
وفي أبو ظبي، أعلن وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي أن حكوماتهم دعت إلى فرض منطقة حظر للطيران فوق ليبيا لحماية المدنيين، مطالبين بعقد اجتماع عاجل للجامعة العربية لمناقشة الوضع في ليبيا.
في المقابل، قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ان موسكو ترفض أي تدخل عسكري أجنبي في ليبيا، قائلاً «لا نرى في التدخل الأجنبي، وخصوصا العسكري، وسيلة لحل الأزمة في ليبيا. على الليبيين أن يحلوا مشاكلهم بأنفسهم».
المصدر: السفير+ وكالات
إقرأ أيضاً:
إضافة تعليق جديد