موراتينوس يكتب عن «فرصة جديدة للسلام»
قبل بضعة أيام من الذكرى الخامسة عشرة لمؤتمر مدريد، لا بد أنه أصبح واضحاً لنا الآن أننا ننقل مشكلة من القرن الماضي إلى الألفية الجديدة، ولا يجوز السماح لها بالاستمرار لفترة أطول. فالعراك العنيف الأخير بين إسرائيل ولبنان لم يحلّ أيّاً من المشاكل العالقة بينهما، ومن جديد ظهر عقم اللجوء إلى النزاع العنيف بغية بلوغ حلّ جزئي أو شامل لمسألة الشرق الأوسط. إلى ذلك، لم تفشل النزاعات الطويلة الممتدّة على خمسين عاماً في المنطقة في بلوغ نتيجة فحسب بل أدّت أيضاً إلى توسيع المعاناة وتفاقم الانقسامات السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين شعوب المنطقة.
ومجدداً، بيّنت الأزمة الأخيرة أنّ السياسات التي تنشأ من تعريف أحادي للوضع الراهن العتيد في المنطقة لا يمكن تنفيذها. ومن ناحية أخرى، سمحت معاهدات السلام مع مصر والأردن لإسرائيل بأن تشعر بالسلام مع هذين الجارين، وهي من دون شكّ مفيدة أكثر لتعزيز علاقات إسرائيل مع جيرانها. بيد أنه من الممكن استخدام هذه الحجّة باتجاهين: فحرمان إسرائيل من حقّ وجودها خلف حدود آمنة ودعم استخدام العنف والإرهاب لمحو دولة إسرائيل يشكلان وجهاً آخر للأحادية العقيمة التي يجب إدانتها والقضاء عليها من أجل سلام نهائي وعادل.
وقد زادت تجربة الأشهر الأخيرة من التركيز على الأهمية الكبيرة للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. فقد أصبح شفاء هذا الجرح ملحاً أكثر من أي وقت مضى باعتباره شرطاً أساسياً لحلّ المشاكل الإقليمية العالقة. ففكرة حكومة وحدة وطنية فلسطينية جديدة وبروز توافق بين القوى السياسية الفلسطينية بشأن وقف الاعتداءات والتفاوض مع إسرائيل على أساس الاتفاقات التي اعتمدتها منظّمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل تشكّل مجتمعة ومن دون أدنى شك إشارة تدل على التقدّم. وإنني مؤمن بإمكانية المضي قدماً في المستقبل القريب. وفي هذا الإطار، يتعين على المجتمع الدولي تخطّي تردّده والقبول بشكل كامل بدور رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، وهو شريك استراتيجي يتوجب على إسرائيل أن تتناقش معه حول مسألة تطبيق الإجراءات التي سبق أن حُدّدت بغية إيجاد مناخ ثقة والدخول في مفاوضات بشأن مسائل سياسية مهمّة.
وقد برز درس آخر من الأزمة اللبنانية الأخيرة وهو أن النزاعات التي تصيب الشرق الأوسط لا يمكن حلها على انفراد، بل على العكس، فالمشاكل وحلولها باتت متشابكة أكثر فأكثر. وبالتالي، لن يكون من الواقعي استثناء أيّ طرف فاعل إقليمي من الجهود الديبلوماسية في سبيل التوصل الى حلّ شامل.
في هذا الإطار، أخذ عدد أولئك المطالبين بدورة جديدة ومفيدة من التعبئة السياسية يزداد. وقد أعلنت الدول العربية، من خلال الجامعة العربية، عن نيّتها التقدّم عبر الطريق الواعدة التي فُتحت في قمّة بيروت عام 2002 والتي نادت بسلام يرتكز على حل قائم على دولتين. وهناك اجماع على أن الأطراف بحاجة إلى دعم أجنبي كبير لتشجيع الجهود الديبلوماسية وضمان نجاحها. وبعيداً عن التشكيك في أهمية الولايات المتحدة، برز الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء المنتمون له كلاعبين لا غنى عنهم في الشرق الأوسط. ففضلاً عن مساهمتهم الحاسمة في تخفيف حدّة الأزمة الأخيرة ودورهم التقليدي كمانحين، فإن انخراط دول الاتحاد الأوروبي في تأمين الأمن وضمانه في الجنوب اللبناني وعلى حدود رفح يبرز مدى ضرورة التزام أوروبا الجديد والثابت في عملية السلام. وفي هذا الإطار، برزت اسبانيا كلاعب مؤهل جداً، يُنتظر منه مساهمة مهمّة في المجال السياسي كما وعلى مستوى الأمن والتعاون.
برأيي، يجب أن يؤدّي دور الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إلى إعادة إحياء لجنة مدريد الرباعية، التي يمكن ان تضمّ بعض الدول المهمّة في المنطقة تزيدها قيمة مضافة، ما يضاعف بالتالي قدرة الرباعية على إعطاء فرصة جديدة لعملية السلام. ولربما آن الأوان للأطراف الفاعلة لتلتقي من جديد، على غرار ما حصل عام 1991، لإعادة التأكيد على الالتزام بالبحث عن حلّ شامل.
كما أبقى شديد الإيمان بضرورة تفادي ابتكار حلول جديدة، فقد حان الوقت لإبراز الشجاعة والشهامة والإرادة السياسية في تطبيق خيارات ترمي إلى بلوغ حلول عادلة تمّت دراستها خلال جولات مفاوضات سابقة.
بالإجمال، يجب أن ننأى بأنفسنا عن أولئك الذين يستغلّون إحباط الشعوب التي تعيش في الشرق الأوسط ويدّعون زوراً أن الغرب لا يتماشى مع العالم الإسلامي. ولتفادي المزيد من التدهور في الوضع الحالي، علينا اغتنام الفرصة المطروحة أمامنا والعمل على بناء سلام عادل وشامل في المنطقة من دون أيّ تأخير. فالأحداث المأسوية المؤلمة التي سادت خلال الأشهر القليلة الماضية في الشرق الأوسط والكارثة الإنسانية التي خلفتها لا بد أن تأتي بنتيجة عكسية قوامها استخلاص بعض العبر وإطلاق عملية سياسية بقيادة حكومات المنطقة، بالتعاون مع أهم الأطراف الدوليين الفاعلين. ومن هذا المنظار، وأبعد من الهدف الفوري والحيوي القاضي بتأمين التطبيق الفعّال والصارم، يجب أن يخلق قرار مجلس الأمن رقم 1701 دينامية سياسية جديدة على المستويين الإقليمي والعالمي.
ميغيل أنخيل موراتينوس-وزير الشؤون الخارجية والتعاون الاسباني.
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد