تعقيدات المشهد السياسي السوري والشكل الجديد لخارطة الصراع السوري
الجمل: تشير المعطيات وتطورات الأحداث والوقائع الجارية داخل وخارج سوريا، إلى أن ملف أزمة الاحتجاجات السياسية السورية، قد وصل إلى نقطة بالغة التعقيد، بما أدى بالضرورة إلى تعقيدات المشهد السياسي، والذي أصبح يبدو أكثر قابلية لجهة التحول، آخذاً شكل الصراع الجامد، فما هي المعالم البارزة في المشهد السياسي السوري، وما هو الشكل الجديد الذي انتقلت إليه خارطة الصراع؟
* مسرح الاحتجاجات السياسية السورية: توصيف الوضع القائم
انقضت أكثر من سبعة أشهر على انطلاق فعاليات حركة الاحتجاجات السياسية السورية، وبرغم ذلك، يمكن ملاحظة أن مشهد الحدث الاحتجاجي السوري، أصبح أكثر تعقيداً بفعل انطوائه على الملامح الآتية:
• على مستوى قاعدة الاحتجاجات: انحصرت الاحتجاجات ضمن مناطق محددة، تتوزع جهوياً على النحو الآتي: المثلث الشمالي (جسر الشغور ـ إدلب ـ معرة النعمان)، المثلث الجنوبي (درعا ـ إنخل ـ الصنمين)، المثلث الأوسط (حمص ـ حماة ـ الرستن)، مثلث ريف دمشق (دوما ـ حرستا ـ المعضمية).
• على مستوى قيادة الاحتجاجات: برغم جهود توحيد المعارضة، فقد أصبحت توجد معارضتين، الأولى: المعارضة الداخلية، وتركز على ضرورة الإصلاحات مع رفض الوقوع في التبعية لخصوم سوريا الدوليين والإقليميين إضافة إلى رفض النفوذ الأجنبي على المعارضة، والثانية: معارضة خارجية تباشر عمليات العلاقات العامة مع خصوم سوريا الدوليين والإقليميين، إضافة إلى التكيف مع النفوذ الأجنبي، باعتباره يوفر الدعم للمعارضة، على مستوى تأمين تدفق المساعدات للمعارضة، وأيضاً على مستوى توظيف المؤسسات الدولية في الضغط على سوريا.
• على مستوى السلطة: سعت دمشق منذ البداية إلى الاعتراف بوجود ضرورة فائقة لجهة إنفاذ الإصلاحات، إضافة إلى الاعتراف بحق المتظاهرين في المطالبة بالإصلاحات، وتأسيساً على ذلك سعت دمشق إلى إصدار جملة من القرارات والقوانين الداعمة لعمليات الإصلاح السياسي والاقتصادي، إضافة إلى المطالبة بالتفاهم والنقاش والتفاوض عبر طاولات الحوار، بدلاً عن التعاون مع الأطراف الأجنبية من أجل الضغط على سوريا من الخارج.
على خلفية تفاعلات هذه المستويات الثلاثة، فقد برزت معادلة جديدة لحركيات الحدث الاحتجاجي السوري، تضمنت الآتي:
• سعي المعارضة الخارجية إلى رفض الحوار والمزيد من الانفتاح إزاء خصوم سوريا، إضافة إلى تكوين مجلس انتقالي.
• سعت المعارضة الداخلية إلى اعتماد الحوار والمزيد من الانفتاح إزاء التفاوض، إضافة إلى الامتناع عن التعاون مع خصوم سوريا.
• سعت السلطات السورية إلى الاستمرار في مسيرة الإصلاحات المصحوبة بمسيرة الحوار والتفاهم مع المعارضة الداخلية.
تمثل هذه النقاط الوضع القائم الحالي، والذي أصبح أكثر قابلية إلى التحول آخذاً شكل الجمود، وبالذات فيما يتعلق بعدم قابلية حدوث أي حوار أو تفاهم بين المعارضة الخارجية والسلطات السورية، إضافة إلى عدم قابلية قيام المعارضة الداخلية في الانخراط بالكامل ضمن فعاليات المعارضة الخارجية.
* مسيرة الحدث الاحتجاجي السوري في مطلع شهرها الثامن: إلى أين؟
القراءة في معطيات الأداء السلوكي السياسي الحالي للقوى المنخرطة في ملف الحدث الاحتجاجي السياسي السوري، تشير إلى أن السيناريو الأكثر احتمالاً سوف ينطوي على الوقائع الممكنة الحدوث الآتية:
• المعارضة الخارجية: أصبحت بعد تكوين مجلسها الانتقالي أكثر عدائية، وأكثر ارتباطاً بأمريكا وفرنسا وبريطانيا وتركيا، إضافة إلى قطر والسعودية، وتأسيساً على ذلك بدت فعاليات مجلس المعارضة الخارجية الانتقالي أكثر اهتماماً لتطبيق نفس فعاليات سيناريو المجلس الانتقالي الليبي، وذلك بما يتضمن الآتي:
ـ المسار الأول: استخدام الضغط الأمريكي والفرنسي والبريطاني من أجل تشديد العقوبات ضد سوريا، مع المطالبة بضرورة التدخل العسكري الدولي.
ـ المسار الثاني: استخدام ضغوط العلاقات العامة الأمريكية من أجل الحصول على اعتراف الأطراف الخارجية بالمجلس الانتقالي باعتباره الممثل الشرعي للشعب السوري، ومن أبرز الدلالات على ذلك الحصول على اعتراف المجلس الانتقالي الليبي، إضافة إلى اعتراف بعض الجماعات السياسية المصرية.
• المعارضة الداخلية: برغم خلافاتها الداخلية، فإنها أكثر اهتماماً برفض التدخل الأجنبي، ولكنها ما تزال تتفاوت في ردود أفعالها إزاء فعاليات الحوار والتفاهم مع السلطة، فهناك من انخرط فعلاً في هذه الفعاليات، وهناك من لا زال أكثر تحفظاً.
• السلطة السورية: قطعت شوطاً لا بأس به في إنفاذ الإصلاحات السياسية، وبالذات فيما يتعلق بإصدار القوانين المنظمة للإصلاحات، وأعلنت عن قيام الانتخابات المحلية، والتي سوف تعقبها الانتخابات العامة.
على أساس اعتبارات حركيات الصراع السياسي السوري، نلاحظ وجود الآتي:
• مسار التصعيد السلبي الخارجي: ويتميز بالمحدودية، وقابلية الوصول إلى نقطة الانغلاق، فالمعارضة الخارجية لن تستطيع التغلب على عقبة الفيتو الروسي ـ الصيني، وبالتالي فإن تدخل المجتمع الدولي لصالح المعارضة الخارجية هو أمر غير وارد، وإضافة لذلك لن تستطيع هذه المعارضة استدراج دول الجوار الإقليمي إلى الحرب ضد دمشق، لأنه لا يوجد إجماع على استهداف دمشق بالوسائل العسكرية، وفقط توجد دولة واحدة هي تركيا، سعت إلى التهديد والتلويح بمثل هذا التدخل، ولكن فقط ضمن حدود إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا.
• مسار التصعيد السلبي الداخلي: سوف تظل فعاليات المظاهرات الاحتجاجية محصورة مثلما بدأت قبل سبعة أشهر، في نفس المناطق، وأيضاً في نفس الأيام، ونفس القوى ذات التوجهات الإسلامية، إضافة إلى نفس الجوامع التي ظلت تخرج منها.
• مسار التصعيد الإيجابي الخارجي: سوف تسعى روسيا والصين، إضافة إلى بعض بلدان العالم الرئيسية الأخرى مثل البرازيل والهند وجنوب أفريقيا لجهة الضغط على المجتمع الدولي من أجل دفع أطراف الأزمة إلى اعتماد الحوار والتفاهم من أجل الإصلاحات.
• مسار التصعيد الإيجابي الداخلي: استمرار فعاليات الاحتجاجات ضمن توجهات التصعيد الرأسي، بما يتضمن ارتفاع مستويات شدة العنف السياسي، وتواتر فعاليات المسلحين وعمليات القتل والخطف التي ظهرت مؤخراً سوف لن يؤدي سوى إلى إفراغ الاحتجاجات الجارية من مضمونها السياسي. الأمر الذي سوف يؤدي بدوره إلى تآكل محتوى الورقة الاحتجاجية. وبالمقابل لذلك، سوف لن تنجح هذه الاحتجاجات في الحصول على دعم السكان المحليين، وبالذات المدن والتجمعات الحضرية المدنية الكبيرة الرئيسية، والموجودة في العاصمة دمشق وحلب.
أصبحت فعاليات الحدث الاحتجاجي السوري مسألة وقت لا غير، وعلى الأغلب أن تؤدي عملية إجراء الانتخابات المحلية المعلنة إلى تعزيز عملية بناء الثقة والمصداقية في مسيرة الإصلاحات وفي نفس الوقت إذا تمت هذه العملية الانتخابية بشفافية ونزاهة، فإنها سوف تؤدي إلى إنجاز قدر كبير من عملية بناء الثقة بين المعارضة الداخلية والسلطة السياسية، إضافة إلى إضفاء قدر كبير من المصداقية على الإصلاحات الجارية. وبالنسبة للمعارضة الخارجية فإن حدوث سيناريو الثقة والمصداقية الداخلي سوف يؤدي إلى عزلها تماماً وجعلها مجرد مجموعات صغيرة مبعثرة بين العواصم الخارجية، ولكن إذا لم تتم الانتخابات المحلية بالشفافية والنزاهة المطلوبة، فإن المعارضة الخارجية وحلفاءها الخارجيين سوف يكسبون ما ظلوا يحلمون به، وهو تأكيد عدم جدوى إصلاحات دمشق!
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد