خطة مشتركة بين دمشق واللجنة العربية تُعلن اليوم في القاهرة
أعلنت دمشق رسمياً، أمس، الاتفاق بينها وبين اللجنة الوزارية العربية، على «ورقة نهائية» تتضمّن كما يبدو عناصر مشتركة بين مبادرة اللجنة وبين الردّ الذي تقدّم به الجانب السوري، على أن يتم الإعلان عن هذا «الاتفاق» في الاجتماع الوزاري المخصص للأزمة السورية في القاهرة اليوم.
وأفادت مصادر موثوقة أن الأزمة الحادة التي عصفت بالعلاقات بين سوريا وقطر في طريقها إلى الانفراج، مع فتح قنوات الاتصال بين البلدين بما يمهّد لقيام أمير دولة قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بزيارة قريبة الى دمشق للقاء الرئيس بشار الأسد، على ان يسبقه رئيس حكومته ووزير الخارجية الشيخ حمد بن جاسم.
وأعلن البيت الأبيض أنه يرحب بكل مبادرة تنهي أعمال «العنف» في سوريا، لكنه كرر الدعوة إلى «تنحي» الأسد، فيما أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن موسكو لن تسمح بتكرار «المأساة» الليبية في سوريا.
وجاء الإعلان الرسمي عن الاتفاق عبر وكالة (سانا) بعد أن اعلن وزير خارجية الجزائر مراد مدلسي في وقت سابق امس قبول سوريا «بالمبادرة العربية» بعد إجراء «تعديلات طفيفة» عليها، إلا أن مصادر دبلوماسية عربية أشارت إلى أن التعديلات جرت بحيث تم التوافق بين ما قدّمته دمشق من ملاحظات على المبادرة وبين ما جاء فيها، حتى تم التوصل لصيغة نهائية تمثلت بالورقة التي ستعلن اليوم.
وعلم أن قبول دمشق للمبادرة العربية انطلق من إيمانها «بحرص الدول العربية على استقرار سوريا» وانطلاقاً من «إيمانها بضرورة تفعيل دور الجامعة العربية في القضايا العربية درءاً للتدخلات الأجنبية»، وقد بني القبول السوري على «الأجواء الإيجابية التي سادت اجتماع الدوحة» ولا سيما مع قطر، حيث انتهى اجتماع الدوحة إلى «الإدراك العام بأن فشل هذا الحل (أي المبادرة العربية) ليس لمصلحة أحد، وأن الطرفين توافقا جدياً على ذلك».
وقالت مصادر مطلعة إن دمشق «اعتبرت ما جاء في المبادرة نصائح من أخ حريص وليس مطالب أو إملاءات»، وجرى حينها «التوافق على المتابعة بين اللجنة متمثلة برئاستها والجانب السوري ممثلاً بوزير الخارجية وليد المعلم»، بحيث أبلغ الجانب العربي رسمياً أمس قبول سوريا «الخطة النهائية» التي اتفق عليها، وكان من بين ابرز ما تم الاتفاق عليه فيها ضرورة «توفير الأمن في مناطق التوتر وذلك عبر صيغة توافقية بين طرفي المواجهة في سوريا»، من دون أن يكون واضحاً إن كان ذلك يعني المواجهة المسلحة المستمرة في مناطق كحمص مثلاً أم التفاهم بين قيادات الحراك والسلطة على تنظيم التظاهر السلمي. كما لا زال من غير الواضح أين سيعقد هذا الحوار، ولا سيما أن سوريا تصرّ على أن يكون في دمشق مع ضمانات عربية للمشاركين، إضافة لموافقتها على وجود مراقبين دوليين من الصين وروسيا والبرازيل والهند.
وكان الجانب السوري قدّم ورقة تضمنت مطالب بين أبرزها «إيقاف الحرب الإعلامية ضد سوريا» و«إجراءات لمنع تمويل وتهريب السلاح عبر الحدود»، متضمنة قبول الحوار مع المعارضة والقيام بإجراءات إصلاحية سريعة وجذرية.
وفي هذا السياق علم أن القيادة السورية تدرس القيام بالإفراج عن عدد كبير من المعتقلين «بمناسبة عيد الأضحى» وهو «إجراء تقليدي»، وسيشمل عدداً كبيراً من المعتقلين على خلفية سياسية من دون أن يعني ذلك العفو عمن حملوا السلاح ضد قوى الأمن أو الجيش.
وسيشارك في الاجتماع الوزاري اليوم المندوب الدائم لدى الجامعة يوسف احمد ممثلاً عن دمشق وفق ما أبلغت مصادر دبلوماسية «السفير». كما لازالت الأسئلة مشرعة حول مسائل كثيرة مثلت تعقيدات بالنسبة للإصلاحيين في سوريا قبل أن تأخذ طريقها لجامعة الدول العربية، وتنتهي إلى مبادرة رسمية، ومن بين أهمها العامل الأمني الذي بات متردياً في مناطق محددة من البلاد، كما التمثيل الحقيقي للمعارضة في الحوار سواء أكان الرسمي الذي لم يتفق عليه أم في عملية التفاوض للانتقال إلى الحوار.
وقال نائب الأمين العام للجامعة العربية أحمد بن حلي في مقابلة مع قناة «العربية»، إن «الأمانة العامة لم تبلّغ بعد بالرد الرسمي للإخوان في سوريا على الورقة التي كانت أعدتها اللجنة الوزارية» العربية خلال اجتماع في الدوحة الأحد الماضي. وأضاف «إلى حد هذه الساعة وحسب معلوماتي فإن الوفد السوري سيقدّم الرد الرسمي غداً (اليوم) خلال الاجتماع الوزاري».
وأوضح دبلوماسي رفيع المستوى لوكالة «فرانس برس» ان الرد السوري النهائي على الخطة العربية المقترحة لمعالجة الازمة ينبغي ان يتم إبلاغه إلى السلطات القطرية. وأوضح ان المبادرة العربية ترتكز أساساً على عنصرين هما «وقف العنف والسماح بدخول منظمات عربية ووسائل الإعلام العربية والدولية للتحقق من ذلك، ثم عند إحراز تقدم ملموس على الأرض بدء حوار وطني في مقر الجامعة العربية في القاهرة يشمل كل أطياف المعارضة السورية».
وقال المتحدث باسم البيت الأبيض جاي كارني «لقد اطلعنا على المعلومات» الواردة من دمشق بخصوص توصلها لاتفاق مع الجامعة العربية، مضيفاً «ولكن نحن غير قادرين على التحقق منها في الحال». وأضاف «نحن نرحب بكل جهد يبذله المجتمع الدولي لإقناع نظام الأسد بوقف أعمال العنف التي يرتكبها بحق شعبه، بحق السوريين».
وكرر كارني موقف إدارة الرئيس باراك أوباما الداعي لتنحي الأسد. وقال «نحن ما زلنا نعتقد أن الأسد فقد شرعيته، وعليه مغادرة السلطة».
وأعرب وزير الخارجية البريطاني ويليام هيغ عن «عدم تفاؤله إزاء إمكانية إحراز تقدم في سبيل إنهاء حالة الاضطرابات والعنف الدموي في سوريا». وقال، في مقابلة مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إنه «على اقتناع بأن الأسد سلك طريقاً لا رجعة فيه، وأنه لا يتصوّر ذلك اليوم الذي يقلع فيه النظام السوري عما يرتكبه من قتل وتعذيب وانتهاكات في حق الشعب». وأشار إلى أن «الحل الوحيد الذي يختاره الشعب السوري الآن لإنهاء هذا الوضع هو رحيل الأسد عن المنصب».
وقال لافروف، على هامش منتدى الحوار الاستراتيجي الأول بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا في أبو ظبي، «لدينا الكثير من الأسئلة بعد أن تبنى مجلس الأمن القرار حول ليبيا وبعد المأساة الليبية». وأضاف «لو عاد الأمر لنا، فأنا اعتقد أننا لن نسمح بتكرار أمر من هذا القبيل» في سوريا، مشدداً على أن بلاده «لا تقوم بحماية أي نظام».
وأكد لافروف أن روسيا تؤيد مبادرة الجامعة العربية لحل الأزمة في سوريا. وقال إن «هذه المبادرة تتيح للسوريين تقرير مصير بلادهم بالطريقة السلمية من خلال الحوار والوفاق الوطني». وأكد أن «موقف روسيا يظلّ كما هو، إذ لا تزال موسكو ترفض أي تدخل عسكري في شؤون سوريا الداخلية وتؤيد الحوار بين الحكومة والمعارضة». وقال «لا نؤيد الأنظمة بل نؤيد القانون الدولي».
من جهته، أكد وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان ان الدول العربية لا تريد أبداً تدويل الازمة في سوريا. وقال «لا نعتبر ان هناك اي طرف يريد تدويل هذه القضية، على الأقل نحن العرب لا نريد تدويل هذه القضية». واضاف «نحن نريد ان نساعد اخواننا في سوريا على معالجة هذه القضية». واشار الشيخ عبدالله الى وجود «بوادر إيجابية» بالنسبة للخطة العربية للازمة السورية.
وقال اردوغان، أمام نواب حزب العدالة والتنمية في أنقرة، إن «تركيا لا يمكنها أن تبقى صامتة في وجه محاولات السلطات السورية قمع الاحتجاجات». وقال «كانت تربطنا صداقة مع سوريا بدأت منذ تسع سنوات خلت، بيد أن الحكومة السورية لم تقدّرها حق قدرها ولم تستمع لنصائحنا»، مضيفاً «اعتقد أن الشعب السوري سيحصل على مردود مقاومته العظيمة».
وشدد مساعد وزير الخارجية المصرية للشؤون العربية محمد مصطفى كمال، الذي ترأس الجانب المصري في مباحثاته مع المندوب الصيني الخاص إلى المنطقة وو سيكة، «ضرورة وقف أشكال العنف كافة في سوريا فوراً حقناً للدماء السورية الطاهرة والمضي قدماً في إجراء الحوار الوطني مع تأكيد مشروعية مطالب المعارضة السورية من إصلاحات سياسية واسعة تضمن لسوريا الاستقرار المنشود وتحفظها من أي تدخل أجنبي، وهو أمر تحرص عليه مصر دوماً».
وأكدت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، في بيان، أن «مسيرة الإصلاح في سوريا قطعت أشواطاً واسعة على طريق الديموقراطية، وأن تعزيز تجربة الإدارة المحلية وترسيخ مضامينها الشعبية هي خطوة أخرى مهمة لربط مفهوم الحرية الفردية بحرية المجتمع وتكاملهما في إطار عملية الإصلاح والتطوير الشاملة لبناء مجتمع ديموقراطي جديد قائم على التعددية السياسية بهدف صون حرية المواطن وكرامته وحقوقه وتعزيز دوره في تحمل المسؤولية من خلال المشاركة في بناء الوطن وتطوير مؤسساته وإنجاز مستلزمات عملية الإصلاح الجارية وتوفير فرص النجاح لها على مختلف جوانب الحياة».
ودعت القيادة «جميع الأحزاب والمنظمات الشعبية والنقابات المهنية ومؤسسات المجتمع الأهلي والمواطنين إلى المشاركة البناءة في الانتخابات للإسهام في بناء سوريا الحديثة، ورفد عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية بمقومات النجاح والتطوير ورفع مستوى الأداء وتحسين أوضاع المواطنين المعيشية والخدمية».
ميدانيات
وجرت تظاهرات مؤيدة للنظام في دير الزور. وبث التلفزيون الرسمي صوراً لآلاف السوريين يلوحون بأعلام وصور للأسد ويهتفون «الله سوريا بشار وبس» في مدينة دير الزور. وذكرت «شبكة أخبار حمص» المكوّنة من نشطاء مدنيين على شبكة «فيسبوك» أن 11 رجلاً قتلوا أمس خارج مدينة حمص على مفرق إحدى القرى، بعد أن أوقفت مجموعة مسلحة الباص الذي كان ينقلهم، وأبقت على حياة ثلاث فتيات وشاب. وذكرت «سانا» أن اشتباكاً حصل بين الجيش ومجموعة مسلحة على طريق حمص ـ حماه، ما أسفر عن مقتل شخصين من المجموعة وإلقاء القبض على آخرين.
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد