هل يثور السوريون رفضاً للمقاومة؟
ويأتيك بالأخبار من لم تزود.
ثمة قدر من الاستعجال من قوى التدخل الخارجي لإسقاط الرئيس بشار الأسد في سوريا، يفرض تسارعاً في المواقف، ما يُفقد المعارضين المزيد من الأوراق. ورغم أنه منذ وقت طويل، بدا أن الكتلة الأكثر نفوذاً بين المعارضين الخارجيين للنظام في سوريا قد انضمت عملياً إلى الجبهة الأميركية ـــــ الغربية المعادية للمقاومة العربية الهادفة إلى تحرير الأراضي المحتلة، سواء من الاحتلال الأميركي أو الاحتلال الإسرائيلي، كانت غالبية هذه المجموعات تعطي دروساً في الوطنية لناحية اتهام نظام الأسد بأنه لا يريد استعادة الأرض السورية التي تحتلها إسرائيل.
أمس، أجبر (ليس هناك تفسير آخر لما حصل) المتحدث الأبرز للمجلس الوطني السوري المعارض برهان غليون على الاستعجال في كشف المستور، لناحية طبيعة المقابل الذي تريده جبهة التحالف الأميركية ـــــ التركية ـــــ الخليجية ـــــ الأوروبية من المعارضة السورية. قال غليون، في مقابلة أجرتها معه صحيفة «وول ستريت جورنال»، إنه مع حكومة سورية جديدة بقيادة المعارضة في البلاد، «لن تكون هناك علاقة مميزة مع إيران... وقطع العلاقة الاستثنائية يعني قطع التحالف الاستراتيجي العسكري»، مضيفاً أنه «بعد سقوط النظام السوري لن يبقى حزب الله كما هو الآن»، واصفاً العلاقات بين النظام السوري وإيران بأنها «غير طبيعية». وذكر غليون «أن حكومة سورية بقيادة المجلس الوطني السوري ستقود عملية أوسع لإعادة توجيه السياسة السورية تجاه تحالف مع القوى العربية الأساسية، معلناً أن سوريا ستواصل التزامها استعادة هضبة الجولان من إسرائيل، لكن من طريق المفاوضات بدلاً من اللجوء إلى النزاعات المسلحة».
ماذا يعني كلام سيادة الرئيس المفدى برهان باشا؟
يعني أن الرجل يفسّر لنا سبب عدم إيراد كلمة عن إسرائيل في البرنامج السياسي الذي صدر عن المجلس (الذي يترأسه نظرياً)، وهو يفسر لنا سبب تركيز هذا البرنامج كما كل المواقف الصادرة عن قيادات المجلس الوطني، على المسألة الداخلية السورية واعتبارها أولوية غير متصلة بأي ملف إقليمي. وهو يفسر لنا أيضاً سبب إشارة المجلس نفسه، في برنامجه السياسي، إلى عناوين عامة تخص إعادة بناء البلاد سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، على طريقة 14 آذار في لبنان، أي على طريقة المخلوع حسني مبارك، الذي كان يبرر سياساته الخارجية كما زين العابدين بن علي بأنه مهتم بمصلحة بلاده «أولاً»!.
حسناً، برهان باشا يقول لنا ما يكبته هو وحشد ليس بقليل من الجمهور العامل عند حكومات التحالف الخارجي المواجه للنظام في سوريا، وهو أنهم ضد فكرة المقاومة لتحرير الأرض، وأنهم يريدون عملياً تحقيق السلام مع إسرائيل. ويقول لنا إن نموذج كامب ديفيد ووادي عربة وأوسلو هو السبيل المناسب لمواجهة الاحتلال الإسرائيلي. أي إنه يعد شعبه بأنه يعاني ما يعانيه المصريون والأردنيون والفلسطينيون منذ 3 عقود إلى الآن بسبب هذه النزعة الانعزالية، وهي نزعة وهمية؛ إذ في حقيقة الأمر انحياز على طريقة اليمين اللبناني إلى الجبهة الأميركية الراعية لمصالح إسرائيل في المنطقة.
وهذا يعني أن برهان غليون يقول لنا إنه ليس لدى الشعب السوري نزعة سيادية أو استقلالية أو هوية وطنية تربطه بهويته العربية الحقيقية. يعني أن برهان باشا، يقول لنا إن سوريا الجديدة التي يسعى إليها الشعب السوري، إنما تهدف إلى طمأنة الولايات المتحدة في العراق والمنطقة، وإلى إراحة إسرائيل من عبء الجبهة الشمالية ومن عبء جبهتي لبنان وغزة، وإراحة دول الخليج ومن خلفها الولايات المتحدة من هاجس العلاقات القائمة بين سوريا وإيران من جهة، وبين ما يمكن أن يكون عليه الوضع في المرحلة المقبلة إثر تحرر العراق من قوات الاحتلال الأميركية وهيمنته على القرار السياسي هناك.
ليست هناك حاجة لتأويل ما قاله غليون، كما فعلت وكالة «يو بي آي» أمس، أو إضافة أو تفسير. فالرجل قال كلاماً واضحاً لجهة أن فريقه سيعمل على نقل سوريا من ضفة المحور الذي هي أساساً فيه الآن، وهو محور المقاومة وداعميها، إلى محور آخر، هو نفسه المحور الذي يعمل الآن على إسقاط النظام الحالي في سوريا. وهذا المحور هو نفسه المحور الذي يقف ضد المقاومة، ويوافق على طلبات الولايات المتحدة وإسرائيل بوقف دعم قوى المقاومة في لبنان أو فلسطين. وما رغبته في الاستعانة بـ«المجتمع الدولي» لاستعادة الجولان المحتل، سوى تكرار لمعزوفة من ذهب إلى استجداء السلام من خلال مفاوضات واتفاقيات جلبت العار والفقر لشعوب يفوق عددها مئة مليون نسمة.
يبقى أمر أخير في مقابلة غليون مع الصحيفة الأميركية، يتصل بحديث عن علاقة مجلسه بـ«الجيش السوري الحر»، حيث تحدث عن «الاتفاق على أن تتركز العمليات العسكرية التي يجريها الجيش على حماية المدنيين فقط، ولن تتحول إلى عمليات هجومية». فهل علينا انتظار شروحات ميدانية منه أم ماذا؟ أما بشأن إعلانه أنه «بعد سقوط النظام لا نريد وجود أي مجموعات مسلحة خارج سيطرة الدولة»، فمن المفيد إحالته على المشهد الليبي أثناء سقوط الطاغية معمر القذافي وبعده، عله يعطي تلامذته دروساً في «الفوضى الخلاقة في خدمة سلطة الخلافة» لمؤلفه العلامة بن بلحاج!.
ابراهيم الأمين
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد