إغلاق الأبواب المغاربية بوجه الديبلوماسية القطرية
الجمل: تواجه الدبلوماسية القطرية مأزقاً حرجاً، وذلك على خلفية ردود الأفعال الرسمية والشعبية في العديد من البلدان العربية والشرق أوسطية إزاء أجندة السياسة الخارجية القطرية، وأداءها السلوكي الذي حمل المزيد من الإشارات السالبة: فما هي طبيعة جدول أعمال السياسة الخارجية القطرية، ولماذا تزايد وتائر الإدراك السلبي الرسمي والشعبي الرافض لما أجمع عليه الخبراء تسمية الدور القطري السياسي الخارجي بالوكالة عن واشنطن.. وإلى أين سوف تمضي مسيرة السياسة الخارجية القطرية الجارية حالياً؟
* تحركات السياسة الخارجية القطرية: توصيف المعلومات الجارية
شهدت أشهر سنة 2011 المنصرمة إضافة إلى الأسابيع الأولى من كانون الثاني (يناير) 2012 الحالي المزيد من التحركات السياسية الخارجية القطرية، مما أدى إلى الآتي:
• سعت الدوحة لجهة القيام بدعم فعاليات الاحتجاجات السياسية التي أطاحت بنظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، ثم بعد ذلك سعت الدوحة لجهة دعم حركة النهضة التونسية (الإخوان المسلمين)، مما أسفر عن توظيف كميات هائلة من المال السياسي القطري لجهة التأثير على تفضيلات الناخبين التونسيين، الأمر الذي أدى بدوره إلى إثارة حفيظة القوى السياسية التونسية غير الإسلامية.
• سعت الدوحة لجهة القيام بإظهار الحياد العلني لنظام الرئيس المصري حسني مبارك وفي نفس الوقت ظلت الدوحة تقدم الدعم الإعلامي والمالي لخصوم حسني مبارك، وبالذات حركة الإخوان المسلمين المصرية.. ولاحقاً بعد سقوط نظام حسني مبارك سارعت الدوحة لجهة دعم حزب العدالة والحرية المصري (الإخوان المسلمين)، بما أدى إلى توظيف المال السياسي القطري لجهة التأثير على فعاليات الانتخابات المصرية، مما أدى بدوره إلى إثارة حفيظة القوى السياسية المصرية غير الإسلامية.
• سعت الدوحة لجهة تحريك فعاليات إسقاط نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، وتقديم الدعم المالي والسياسي والعسكري والإعلامي والمخابراتي غير المسبوق لجهة إسناد ودعم إنفاذ سيناريو إسقاط نظام القذافي، ولاحقاً بعد سقوط النظام ومقتل الزعيم معمر القذافي، سعت قطر لجهة مساندة ودعم رموز حركة الإخوان المسلمين الليبية، الأمر الذي أثار الخلافات والمزيد من الاشتباكات بين رموز وقوى التحالف الذي قاد عملية إسقاط القذافي.
هذا، وتشير المعطيات الجارية إلى تورط قطر السافر لجهة دعم وإسناد فعاليات المعارضة السورية الناشطة حالياً ضد النظام السوري، إضافة إلى تورط قطر المتزايد في أزمة الملف اليمني، وأزمة الملف البحريني، وتشير التسريبات إلى المزيد من التورط القطري في شتى بقاع البلدان العربية والشرق أوسطية.
* الدبلوماسية القطرية: إشكاليات الحصاد المر
تتفق جميع معطيات العلم السياسي، وتحديداً المتعلقة بالعلاقات الخارجية والشؤون الدولية، بأن الدبلوماسية، أياً كانت تمثل، واحدة من أهم أدوات إدارة علاقات التعاون والصراع بين الكيانات الدولية، بمختلف أنواعها، وفي هذا الخصوص وعلى خلفية الأداء السلوكي الدبلوماسي القطري الجاري حالياً نلاحظ الآتي:
• برزت المزيد من الأصوات الليبية التي تحدثت رافضة بشكل قاطع لما أطلقت عليه تسمية محاولات النفوذ القطري على ليبيا..
• برزت المزيد من الأصوات المصرية التي تحدثت رافضة بشكل قاطع لما أطلقت عليه تسمية محاولات النفوذ القطري على مصر.
هذا، وبرغم ردود الأفعال السالبة، لم تتوقف جهود الدبلوماسية القطرية عن القيام بالتدخل في الشؤون الداخلية والسيادية للدول الشرق أوسطية والعربية، ولاحقاً تزايد ردود الأفعال السالبة الرافضة للتدخلات القطرية، الأمر الذي وصل إلى مستوى العنف الرمزي المرتفع الشدة، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• سعى الزعيم القطري الشيخ حمد آل ثاني لجهة القيام بزيارة موريتانيا، وعندما سعى إلى مطالبة الموريتانيين بضرورة إشراك عناصر حركة الإخوان المسلمين الموريتانية في السلطة، جاءه الرد الموريتاني القاطع، بأن هذا الأمر هو شأن سيادي داخلي موريتاني.. الأمر الذي دفع الزعيم القطري لجهة الشعور بالإحراج وتحت ضغوط الإهانة، اضطر إلى قطع زيارته ومغادرة موريتانيا دون حفل وداع رسمي.. ولاحقاً بعد ذلك جاءه الرد الموريتاني بقيام السلطات الموريتانية بإغلاق إحدى المؤسسات التابعة لعقيلته الشيخة موزة..
• سعى الزعيم القطري الشيخ حمد آل ثاني لجهة القيام بزيارة تونس، وذلك بما يتيح له التباهي وممارسة "طاقة الوجاهة العالية" باعتباره الداعم الأساسي لحركة النهضة (الإخوان المسلمين) التي حصلت على أغلبية المقاعد البرلمانية التونسية، وتقول المعلومات بأن ضغوط الرفض الشعبي دفعت إلى إلغاء زيارة الشيخ حمد لتونس وتأجيلها لاحقاً..
تقول المعلومات والتسريبات بأن السلطات التونسية (الإخوانية) أصبحت تواجه مأزقاً حرجاً، فقد تم تأجيل زياردة الشيخ حمد لتونس.. والآن حان موعد الزيارة الجديد.. ومن الصعب تأجيلها لأن ذلك سوف يؤدي بالضرورة إلى تعميق أزمة الدبلوماسية القطرية.. وبالفعل، وصل الشيخ حمد إلى تونس.. ولكن تحت ضغوط وطأة الرفض الشعبي المتزايدة، وفي هذا الخصوص أشارت التقارير والتسريبات إلى أن الأغلبية العظمى من قادة الأحزاب ومنظمات المجتمع المدني التونسية إضافة إلى قادة الفكر والرأي سوف يقاطعون المشاركة في فعاليات زيارة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني..
تقول الحكمة السائدة في المجال الدبلوماسي، بأن التحركات الدبلوماسية هي مثلها مثل التحركات الاستثمارية والاقتصادية والتجارية، وذلك لجهة الخضوع لحسابات التكلفة والعائد.. وإذا كان الشيخ سمو أمير قطر الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، وابن عمه الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، قد أنفقا وبددا القدرات المالية والدبلوماسية والسياسية والعسكرية والمخابراتية القطرية في الملف التونسي والملف المصري والملف الليبي، ولم يحصلا على عائد سوى الرفض والإحراج الشديد، فلماذا التمادي أكثر فأكثر: يقول المثل العين بصيرة والإيد قصيرة.. ولكن المشكلة تكون أكبر إذا كانت العين عمياء واليد طويلة!!
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد